مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

فتحدَّث لنا القرآن الكريم عن الآخرة بدءاً من يوم القيامة البوابة الكبرى التي ندخل منها إلى العالم الجديد، ويبدأ يوم القيامة كما وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بمشاهد هائلة، مشاهد كبيرة جداً، يبدأ بانهيار هذا الكون، هذا العالم الكبير الفسيح بكل مكوناته بكل أجرامه بسمائه وأرضه بشمسه وأقماره بنجومه وكواكبه بكل مظاهر الحياة فيه، يندثر هذا الكون بأمر الله وبإذن الله، ويتحطم العالم بكله، وتنتهي كل مظاهر الحياة فيه، يبدأ هذا الحدث الذي ذكره الله في القرآن الكريم بزلزال عظيم هائل، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾ [الحِج:1-2].

يبدأ الزلزال العظيم الذي يَهزُّ الكون بكله فيندثر بكل أجرامه، ويتحطم ويتهاوى ويتساقط، وتنتهي كل عوامل بناء هذا الكون، الجاذبية وغيرها التي جعلها الله من سننه في حفظ هذا الكون، فيضطرب هذا العالم ويتحطم، تتحطم كل مفرداته.

السماء التي هي كبيرة جداً والتي هي بمثابة السقف لهذا العالم، السموات السبع والسماء الدنيا حتى هي تتأثر بهذا الحدث الكبير فتبدأ بالانشقاق ﴿وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ [الحاقة:16] ﴿إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ﴾ [الإنشقاق:1] ويستمر الوضع في تحطمها وتكسرها فيقول: ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا﴾ [النبأ:19]، وتستمر في التلاشي والتحطم مع ذلك الحدث الهائل الكبير جداً الذي لا يمكن أن يستوعب الإنسان حقيقته بقدره، ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ [الأنبياء:104] تتقطع السماء وتبدأ كل قطعة منها بالانكماش فتتلاشى وتنتهي.

ونأتي إلى الشمس أيضاً، الشمس التي كانت منيرة تصل أشعتها إلى الأرض فتمنح الإنسان النور والضوء والدفء وتمدُّه بطاقة كبيرة للحياة للنبات للأشجار لأشياء كثيرة في واقع الحياة، هذه الشمس يبرد لهبها وتنخمد نارها وتصاب هي في نفسها ولربما تصطدم بجرم سماوي آخر فتندك معه؛ ولذلك يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ [التكوير:1] ويقول: ﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ [القيامة:9] فتنطفئ، النجوم بكلها التي نراها ليلاً بكثرتها، بأعدادها الكبيرة، بقدر أحجامها تعمها حالة من الفوضى فتتهاوى وتتساقط ويضرب بعضها بعضاً وينطمس ضوئها تماماً وتتدمر وتتلاشى؛ ولذلك يقول سبحانه وتعالى:﴿فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ﴾ [المرسلات:8] فبقيت معتمة لا ضوء فيها وانتهى توهجها، ويقول: ﴿وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ﴾ [التكوير:2] تتساقط وتتهاوى وتضرب بعضها بعضاً.

 

ثم نأتي إلى هذه الأرض، الأرض التي نحن عليها مستقرةً هيأها الله لكل حاجيات الإنسان بما يتناسب مع حياته، مع احتياجات حياته فكانت سكناً ومأوى يستقر عليها الإنسان ويستفيد من كل ما سخره الله له فيها، الأرض أيضاً كذلك، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ [الحاقة:14]، الأرض بكلها تُدفع دفعاً وتُدك دكاً وبشكل هائل، تُدك دكاً كبيراً، تُزلزل زلزالاً عظيماً هائلاً يشملها بكلها، زلزال هائل، زلزال عظيم، ليس على بقعة صغيرة، وليس زلزالاً يقاس بمقياس [رختر] فيقال سبع درجات أو تسع درجات.. لا، زلزال عظيم.

﴿ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا[الواقعة:4]، زلزال يشملها بكلها فيدمرها ويعيد تشكيلها من جديد، ويدمر كل مظاهر الحياة عليها، دكاً هائلاً ينهي بحارها، فبحارها تتفجر، ومياهها تتسعر وتتلاشى؛ ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى عن البحار نفسها:﴿ وَإِذَا البِحَارُ سُجِّرَتْ﴾[التكوير:6] البحار الهائلة والمحيطات التي تُغطي معظم الأرض تنتهي، تنتهي، تنتهي يفجرها الله ومياهها يُسَجِّرها ناراً وتتبخر وتتلاشى وتنتهي.

أما حال جبالها فكذلك، والجبال تُشكِّل مساحة كبيرة على الأرض، وهي عاملٌ أساسيٌّ في استقرار الأرض للحياة كي لا تضطرب، كي لا تكون مضطربة بالإنسان ومهتزةً باستمرار، لكن الجبال برغم كثرتها، برغم قوتها وصلابتها، برغم أحجامها الكبيرة والمساحة التي تحُلها على الأرض كذلك ينتهي أمرها إلى درجة عجيبة تتحول إلى غبار، وتتحول إلى هباء يطير في الجو﴿ وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾[النمل:88].

يقول الله سبحانه وتعالى:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾[طه:105-107] ينسفها الله فلا يُبقي منها شيئاً، وتتحول إلى غبار يطير في الجو محتفظة بألوانها.

ثم تتشكل الأرض وتأخذ شكلاً جديداً مختلفاً عن شكلها السابق، أرض لم يبق فيها أي شيء من مظاهر الحياة لا بحار ولا أنهار ولا بيوت ولا مزارع ولا نبات، مثلما يقول في آية أخرى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّـهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ [الكهف:7-8] فإذا بالأرض لها شكل جديد مختلف تماماً تتحول إلى ساحة واحدة، صحراء واحدة، أرضية واحدة، ﴿لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾ [طه:107] لا فيها أماكن منخفضة ولا أماكن مرتفعة، ﴿وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ﴾ [الإنشقاق:3] تمتد وتُصبح ساحة واسعة جداً ليس فيها أي مكان منخفض ولو شيئاً يسيراً، مستويةً ﴿فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا﴾ [طه:106]، قاعاً مستويةً، وأرضاً مستويةً مدكةً جاهزةً لمهمة جديدة.

 

فالأرض التي جعلها الله لنا لنعيش عليها وأمدَّنا بكل ما نحتاجه واستعمرنا فيها واستخلفنا فيها وكانت مهداً لوجودنا ومكاناً لاختبارنا ولمسؤولياتنا، أصبح لها حينذاك مهمةٌ أخرى ودورٌ آخر، لقد سوَّاها الله ساحةً واحدةً ليكون عليها مشهد كبير في يوم عظيم، يومٌ عظم الله أمره، يوم القيامة وللحساب والسؤال والجزاء.

 

في بداية المشاهد الهائلة والكبرى لنهاية الحياة انتهى ما تبقى من وجود للإنسان مع الزلزال العظيم، مع الصعقة الأولى والنفخة في الصُّور، النفخة الأولى الإنسان في خضم تلك الأحداث الكونية الكبرى التي أنهت هذا العالم وأعادت تشكيله من جديد انتهت حياته، كان منبهراً مع بدايتها متفاجئاً بها مندهشاً مذهولاً أمام ذلك الهول الكبير، أمام ذلك الهول العظيم ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا﴾ [الزلزلة:1-3] مدهوشاً منذهلاً منبهراً، في خضم تلك الأحداث الهائلة، في بداية مشاهد القيامة صعق من في السموات ومن في الأرض وانتهت المرحلة الأولى من الحياة وبدأت مرحلة جديدة ابتدأها الله سبحانه وتعالى بالبعث وإعادة الحياة إلى المخلوقات من جديد ومنها الإنسان.

وحديثنا يتركز عن الإنسان، الإنسان بعد مواته يُعيد الله إليه الحياة، ويكون الموت في واقع الإنسان ما بين الحياة الأولى والحياة الأخرى وكأنه فاصل إعلاني قصير كما نرى فاصل في التلفزيون بين برنامج وآخر، فاصل قصير، الموت بالنسبة للإنسان فاصل قصير تعود إليه الحياة بأمر الله، وينفخ الله فيه الروح من جديد، ويبعث خلائقه من جديد، فيقوم الإنسان ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ [الزمر:68].

 

يقوم الإنسان من رقدته، يحيا من مواته فإذا به يشاهد نفسه في حالٍ مختلف، في ساحة مختلفة، لا يرى تلك الأرض التي كان عليها لا منزل يراه، لا مشاهد من مشاهد الحياة يراها، يرى نفسه في ساحة الحشر في خِضم واقع جديد، فيقوم الإنسان منذهلاً مندهشاً متفاجئاً حتى من كانوا ينكرون المعاد، أو كانوا غافلين عنه يقولون:﴿ يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا﴾[يس:52] ما الذي حصل لقد عدنا إلى الحياة من جديد وأصبحنا في واقع آخر للحساب والمسائلة والجزاء.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.

بعنوان (اليوم الآخر)

القاها بتاريخ: 25رمضان/ 1433هـ.

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر