التأكيد على الاستجابة لله سبحانه وتعالى حينما يأمرنا بالجهاد في سبيله
ثم يستمر الحديث فيقول الله سبحانه وتعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ} بعد أن أكد في الآيات السابقة على ضرورة الاستجابة لله سبحانه وتعالى حينما يأمرنا بالجهاد في سبيله، وحذر حذر من التخلف والتثاقل عن الجهاد في سبيل الله وقال: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً} تأكيد كبير على أهمية الاستجابة لله سبحانه وتعالى، والطاعة لأمره بالجهاد في سبيله. بل تأكيد على أن الإنسان في الحال الذي يرفض فيه الجهاد في سبيل الله ويحاول أن يتمرد على أوامر الله ويتعنت ولا يعطيها أي احترام ولا مبالاة هو في حالة بعيد كل البعد عن الإيمان، لم يبق فيه إيمان.
كل تلك الآيات كافية وكل تلك الأوامر كافية ووافية في أن يندفع الإنسان المسلم مجاهداً في سبيل الله بماله ونفسه، متحملاً للمسئولية، مطيعاً لله سبحانه وتعالى، مستجيباً لتوجيهاته، ممتثلاً لأمره، كافية في أن يندفع الإنسان لذلك. فأن مع كل تلك الآيات والتوجيهات والأوامر وما ذم الله به المتخلفين وما فضحهم به أن يتثاقل الإنسان ويتخاذل ولا يستجيب لأوامر الله سبحانه وتعالى، المسألة خطيرة جداً، خطيرة جداً على الإنسان يسبب لنفسه سخطاً كبيراً من الله سبحانه وتعالى.
التخلف والقعود عن الجهاد في سبيل الله ذنب من اكبر الذنوب
وهنا يتحدث عن أولئك المتخلفين {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ} فرحوا، ليس فقط قعدوا عن الجهاد، وتخاذلوا عن الجهاد، بل كان مع تخاذلهم ومع قعودهم ومع تخلفهم وتثاقلهم حالة فرح وارتياح وسرور، فجمعوا بين ذنبين وبين معصيتين، وكل حالة منهما تدل على ضعف شديد في الإيمان، وأما حالة الفرح فتدل على انعدام لحالة الإيمان، وليس فقط ضعف في الإيمان.
التخلف والقعود عن الجهاد في سبيل الله هو بنفسه ذنب، هو بنفسه معصية، هو بنفسه رفض لتوجيهات الله المتكررة وأوامره المتكررة في كتابه الكريم. فالقعود ذنب، والبعض من الناس قد يقعد وقد يتخاذل ولم يجاهد، ولكنه في نفسه الوقت يشعر في واقعه النفسي بالأسى والحزن ويلوم نفسه، ويشعر بحالة من الندم، وإنما عوائق في ضعف إيمانه في ارتباطاته في الحياة أثرت عليه فجعلته يتثاقل عن الجهاد في سبيل الله، هذا حاله أهون مع أنه في حالة عصيان، وفي حالة ذنب، وفي حالة رفض لتوجيهات الله وأوامره، لكن أن يكون مع حالة التخاذل والتقاعد القعود والتخاذل والتثاقل أن يكون معها فرح وسرور وارتياح فهذه حالة خطيرة جداً، ولها مؤشرات ودلالات متعددة، من بينها: أن هذا النوع من الناس الفارحون والمسرورون بقعودهم وتخاذلهم وابتعادهم عن الجهاد في سبيل الله عندهم نظرة سيئة جداً إلى الجهاد في سبيل الله، هم يعتبرون الجهاد في سبيل الله غلط وخطأ وخطر وموقف غير حكيم، وموقف غير صالح، يعني: عندهم مشكلة كبيرة، هم ينظرون أساساً إلى الجهاد في سبيل الله إلى أنه غلط أساساً.
من يعتبر الجهاد في سبيل الله غلطاً هو يتهم الله في حكمته
ولذلك فهم يتهمون الله في حكمته، هم يتهمون الله في حكمته، الله أمرنا بالجهاد في سبيله، وهو الحكيم، هو أحكم الحاكمين، فمن يعتبر الجهاد في سبيل الله غلطاً هو يتهم الله في حكمته، يصبح في واقعه يعيش مشكلة كبيرة جداً، حالة من انعدام الإيمان بالله سبحانه وتعالى، بل حالة من حالات الكفر في القلوب، في قلبه حالة من حالات الكفر؛ لأنه يتهم الله في حكمته، فيرى الجهاد في سبيل الله مسألة غلط، والله هو الذي أمر بالجهاد في سبيله، ويعتبر موقفه في قعوده عن الجهاد في سبيل الله، وتخاذله عن الجهاد في سبيل الله يعتبر موقفه هو هو الصحيح وهو الحكيم، وهو الموقف المفيد، وهو الذي حقق لنفسه من خلاله مصلحته، مصلحته. فهو يرى في واقع الحال وكأنه أحكم من الله، وكأنه أرحم بنفسه من الله، وكأنه أعلم من الله، وهو يعتبر الجهاد في سبيل الله من حيث هو غلط ولا مصلحة فيه، ويعتبره تصرفاً خاطئاً، وبالتالي هو يرى نفسه أنه هو المصيب، وأن الذين استجابوا لربهم، وأطاعوا الله، وامتثلوا أمر الله فجاهدوا في سبيل الله يعتبرهم مخطئين غالطين وحمقاء، يعتبرهم حمقاء، ويعتبرهم مغرورين، ويعتبر تصرفهم ليس من الحكمة في شيء. ثم يشعر بالراحة أنه ليس معهم، والسرور أنه ليس مجاهداً في سبيل الله، فهوى يرى نفسه بعيداً عما يمكن أن يحصل على أولئك المجاهدين، وبعيداً عن معاناتهم ومتاعبهم فيرى نفسه أنه حقق لنفسه بقعوده وتخاذله المصلحة، واتخذ القرار الحكيم.
وبالتالي حالة الفرح هذه هي ذنب أشد من ذنب القعود نفسه، الفرح بالقعود السرور بالتخاذل هي ذنب أفظع وأسوأ من ذنب القعود نفسه، حال من هو فارح ومسرور لأنه قعد وتخاذل ولم يجاهد في سبيل الله فرحه بقعوده هو ذنب أعظم وأسوأ من حال من قعد ولكنه يلوم نفسه، ويشعر بالندم ويتخازى على نفسه، ويشعر بالتقصير، ويعتبر نفسه مخطئاً، وعنده أمل أن يعمل على الارتقاء بمستواه الإيمان حتى يتحرر من قيود العصيان والذنوب التي أقعدته عن الجهاد في سبيل الله.
{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ} وهذه التسمية:
{الْمُخَلَّفُونَ} فيها تحقير لهم، تحقير لهم، فهم مخلفون وتخلفوا مع النساء والصبيان والمرضى والعجزة. فرحوا بأنهم قعدوا {خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ} قعدوا وقعودهم هذا فيه مخالفة حتى لمن؟ لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ما عنده مشكلة، مرتاح مع أنه عصى الله ولم يستجب لأمر الله، وعصى رسول الله، وهو في موقفه ذلك مخالف لما كان عليه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) سواء من كان في عصره وزمنه فتخاذلوا ولم يتحركوا معه وقد دعاهم إلى الجهاد في سبيل الله، أو في بقية العصور وفي بقية الأزمنة وفي بقية المراحل، الكل مخالف لرسول الله. من يرفض الجهاد في سبيل الله، من عنده موقف ضد الجهاد في سبيل الله فهو في خلاف مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
{وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وهذه حالة سيئة جداً، كرهوا.. كرهوا الجهاد، ليس فقط تخاذل ـ مثلما سبق الحديث ـ تخاذل مع إحساس بالتقصير واحساس بالندم وأمل في الصلاح وتغيير الواقع.. لا. هو يكره الجهاد في سبيل الله، ويكره المجاهدين في سبيل الله، وعنده موقف سلبي وسيء من مسألة الجهاد في سبيل الله. على مستوى الجهاد بالمال فهو يبخل بماله، ويرى أن أي فلس يمكن أن يقدمه في سبيل الله هو مغرم وضياع، فهو شديد البخل بالمال، وليس عنده استعداد لأي خطوة من أجل الجهاد في سبيل الله؛ لأنه يكره أساساً الجهاد في سبيل الله، وما وعد الله به المجاهدين، وما وعد الله به المجاهدين من نصر وخير وفلاح ورضاً ومغفرة وخلفاً ونصراً وعزاً وحسن عاقبة، وجنات تجري من تحتها الأنهار، كل هذا لم يرغبه أساساً في الجهاد. فلديه نظرة سلبية جداً تجاه الجهاد في سبيل الله، يكره الجهاد، ويكره أن يجاهد، ويكره المجاهدين، وعنده عقدة نفسية من الجهاد في سبيل الله، هذه الحالة حالة سيئة.
وللأسف موجودة في نفوس الكثير من الناس، من لا يحاول أن يتعرف على الجهاد كما قدمه الله في كتابه، مع الاستفادة من الواقع والأحداث والمتغيرات يمكن أن يصبح لديه نظرة شيطانية، نظرة شيطانية، نظرة سلبية سيئة مقيتة إلى الجهاد في سبيل الله، فيصبح في نفسه ومشاعره وإحساسه حالة من الكره والمقت الشديد والتعقد الشديد ضد الجهاد في سبيل الله. فهو يرى في الجهاد في سبيل الله شراً، ويرى في الجهاد في سبيل الله خطراً، ويرى في الجهاد في سبيل الله مجرد مشاكل لا داعي لها، ويرى في الجهاد في سبيل الله أمراً منافياً للحكمة، وخطراً على المصلحة.. إلى أخره. نظرة سلبية وسيئة ومقيته جداً.
{وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
مع أن الإنسان المؤمن بالله والمؤمن باليوم الآخر والذي يهتدي بهدى الله، وينتفع بكتاب الله وكلمات الله لا بد وأن يرغب في الجهاد في سبيل الله، لا بد وأن ينظر النظرة الإيجابية النظرة القرآنية إلى الجهاد في سبيل الله، فيرى في الجهاد في سبيل الله كما قدمه الله خيراً، ألم يقل: {خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} يرى فيه عزاً ونصراً ومنعة للأمة، وشوكة وقوة في مواجهة أعدائها، وحفاظاً على دينها وعرضها وأرضها وكرامتها وعزها، وحفاظاً على دينها ودنياها هذه هي الحقيقة بالنسبة للجهاد. فريضة عظيمة مقدسة بها خير الدنيا والأخرة.
والأمة عندما تجاهد في سبيل الله هي تكون قوية وعزيزة في مواجهة الأشرار والمتسلطين والمفسدين والجبابرة والطامعين والحاقدين الذين يسترخصون الأمة، وإذا وجدوها في حالة ضعف وحالة عجز ليس فيها منعة ـ لأن الجهاد يبني الأمة ـ لتكون في مستوى الجهوزية العالية لمواجهة أعدائها. عندما يراها أولئك الأشرار والطغاة الطامعون الحاقدون المستكبرون في حالة ضعف، في حالة عجز، مهيأة لهيمنتهم وتسلطهم لن يترددوا أبداً في ضربها واستهدافها واستباحتها، والحاق الشر بها، وانزال البلاء والمكروه بها.
فالجهاد في سبيل الله من يكرهه، من له عقدة من الجهاد في سبيل الله هو يبعد نفسه عن الخير، عن خير الدنيا والأخرة، ويبعد نفسه عن رضى الله سبحانه وتعالى، هو يسبب لنفسه بقدر كرهه للجهاد، ومقته للجهاد أن يمقته الله سبحانه وتعالى، وأن يكرهه الله سبحانه وتعالى، ويسبب لنفسه بعداً عن رضى الله سبحانه وتعالى.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم.
دروس من سورة التوبة - الدرس السادس .
ألقاها السيد:
عبد الملك بدر الدين الحوثي/ حفظه الله.
الدرس السادس
بتاريخ
21/رمضان/1434هـ
اليمن - صعدة