مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

ما هي الخسارة التي سيوقعونه فيها؟ قد تكون لو هلك هو في نفسه فهي فترة محدودة لا يحس بعدها بشيء من الألم بل سيكون شهيدا يفرح يعيش حيا يرزق، ويستبشر ويفرح بتلك الحالة التي قد وصل إليها فيما بعد، أو يرى نفسه فوقه ظلل من الإسمنت، وتحته أرض مبلطة، يرى نفسه يقاد إلى السجن في سيارة، هل هذه هي الخسارة أم خسارة من يقاد إلى جهنم في السلاسل والأغلال ويسحب على وجهه، ومن سيكون في سجن جهنم من فوقه ظلل من النار ومن تحته ظلل؟ أليست هذه هي الخسارة؟

ولهذا جاء في الآية الأخرى: {قُلْ} قل يا محمد للناس، لأولئك الذين يسخرون من المؤمنين ويعدونهم خاسرين عندما ينالهم شيء وهم ينطلقون في سبيل الله: ليست هذه خسارة {إِنَّ الْخَاسِرِينَ} الحقيقيين هم {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يوم القيامة وليس هنا في الدنيا {أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} الخسران الحقيقي والواضح {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ}.

هكذا يقول الله لنا سبحانه وتعالى؛ يعلمنا كيف تكون مشاعرنا، وما هي المشاعر التي نحملها ونحن في أي مرحلة صعبة، وأنت في مواجهة أي خطر ينالك أو يحدق بك، لا تعد شيئا في هذه الدنيا ينالك في سبيل الله خسارة، وهذه هي قاعدة عامة وثابتة، وسنة من سنن الله سبحانه وتعالى: أن من يعمل لدينه وفي سبيله، وينطلق في رضاه، ليس هناك أمامه أي خسارة على الإطلاق، لا خسارة مادية، ولا خسارة معنوية أبدا.

لاحظوا، عندما يدعو الله الناس للإنفاق في سبيله ألم يعدهم بأنه سيخلف عليهم ما أنفقوا؟ ليفهمنا أن العمل في دينه ليس فيه خسارة أبداً، والنظرة المغلوطة لدينا هي هذه: أن كل من يفكر أن ينطلق في الأعمال في سبيل الله بنفسه وماله يخيل إليه أنه سيقع في الكثير من الخسارة، سيحتاج أن يعطي كذا، سيحتاج أن يناله كذا، فيرى نفسه يتعرض للخسارة. إن الله في القرآن الكريم أوضح لنا بأنه ليس في العمل في سبيله أي خسارة أبدا.

فأنت إن أنفقت يخلف عليك أضعاف ما أنفقت، وأنت عندما تكون تعمل في سبيله فينالك شيء من الألم كله سيكتب لك عمل صالح، ذلك الألم الذي قد ينالك على أيدي أعدائك الذين لم تعمل في سبيل ضربهم قد ينالك الكثير من الألم ثم لا يكتب لك شيء. أما إذا كنت في سبيل الله فإن كل حركة من حركاتك، وأي مصيبة تنالك، وأي مشقة مهما كانت بسيطة كلها تكتب لك عمل صالح، وأن يكتب لك عمل صالح مضاعف الأجر حينها ستجد بأن كل ما ينالك ليس وراءه خسارة.

إن الخسارة هي أن يكسر عظام الإنسان على أيدي اليهود وهو بعد لم يعمل ضدهم شيئا، هذه هي الخسارة. إن الخسارة هي أن يدمر بيتك على أيدي أعداء الله وأنت ممن كنت لا تعمل ضدهم شيئا، هذه هي الخسارة. حينها سيكون كل ما نالك عقوبة، والعقوبة لا أجر عليها، لا أجر معها. أليست هذه هي الخسارة الحقيقية؟ لكن ليحصل مثل هذا، أو أكثر منه، أو أقل منه في سبيل الله لن يكون خسارة؛ لأنه يكتب لك عمل صالح، مضاعف الأجر عند الله ثم وبناء على هذه القاعدة الإلهية أنه لو وصل الأمر إلى أن تضحي بنفسك ألم تنفق نفسك حينئذ في سبيل الله؟ يقول لك: لن تخسر أبدا حتى روحك وستعود حيا، ألم يقض بهذا للشهداء؟ {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} (البقرة:154) {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران:169).

لأنك من بذلت نفسك في سبيله، وعلى أنه لا خسارة في التعامل معه سيعيد لك روحك، وتعيش حيا ترزق بكامل مشاعرك، وتفرح، وتستبشر بما أنت عليه، وبمسيرة الآخرين ممن يسيرون على نهجك، أنهم يسيرون على طريق حق، وعلى صراط مستقيم، وأن من سيلحق بعدك من إخوانك سينال ما نلته أنت من التعظيم، ومن الحياة في ذلك العالم، حياة مليئة بالفرح والسرور، هل هناك خسارة؟

أليس الناس يموتون؟ هذه هي الخسارة أن تموت ثم لا يكون في موتك إيجابية بالنسبة لك، ليس في موتك أي استثمار لك، وهذه هي الخسارة الحقيقية. هكذا يعلمنا الله: بأن كل من ينطلق في سبيله لن يخسر أبدا، وأن الخسارة هي خسارة أولئك الذين قد يكون واقعهم يؤدي بهم إلى أن يخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة. ومن يهربون من الموت في الدنيا، هم من يموتون حقيقة، هم من يضيعون في التربة حقيقة، أما الشهداء فإنهم لا يموتون، أوليس كذلك؟

فكل من يخاف من الموت هو الخاسر، هو من يريد أن يموت، هو من سيكون موته لا قيمة له، إذا كنت تكره الموت فحاول أن تجاهد في سبيل الله، وأن تقتل شهيدا في سبيله لتعيش حياً.

وكلما يقعد الناس عن العمل في سبيل الله إنما هي مفاهيم مغلوطة، كلها وضعية غلط، وكله فهم غلط حتى من يرى أن هناك ما يبرر له قعوده عن أن يجاهد أعداء الله؛ لأنه عالم اكتشف على أساس قواعد [أصول الفقه] أن بإمكاني ألا يجب هذا الواجب عليّ، وأن يكون تعاملي مع الله محدودا، أستطيع أن أبحث عن الحيل التي تخلصني من أن يجب هذا الواجب عليّ، أليس هو سيموت؟

لماذا تهرب عن هذه الكرامة العظيمة، وربما قد تكون أنت من قد عشت في الدنيا عشرات السنين ومتعت بما متعت في الدنيا؟! حاول أن تستثمر موتك، لا تبحث عن الحيل، لا تبحث عن المبررات، إنك من يجب لمثله أن ينطلق ليحظى بهذه الكرامة؛ لأن - في العادة - الإنسان لا يبحث عن المبررات وعن الحيل ليقعد، أو لينطلق ليصنف أعمال الآخرين بأنها أعمال حمقاء، أو أنها باطلة كله: الخوف من الموت، هل أنت تخاف من الموت؟ هل أنت تكره الموت؟ حاول أن تعيش حيا، حاول أن تكون ممن قال الله لنا ومنعنا عن أن نسميهم أمواتا، الموت ملغي في قائمتهم {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} ليسوا أمواتا إنهم أحياء {بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.

إن الحماقة هي هذه، وهذه هي الخسارة: أن يتهرب الإنسان عن الربح العظيم في الدنيا وفي الآخرة، يتهرب عن الحياة، أليس الشهيد حيا؟ أنت تتهرب عن الحياة خوفا من الموت، وهذا من أغرب الأشياء، أنا أخاف من الموت فلا يدري الإنسان وإذا به قد وقع في الموت الحقيقي، الغيبوبة المطلقة إلى يوم الدين، أما الشهيد فهي لحظة، قد تكون لحظة ربما قد لا تكون إلا دقائق معدودة، وقد لا يكون فعلاَ هناك فاصل، فهو حي، وحياة يراها أفضل من الحياة التي كان فيها.

حينئذ إذا تأملنا كل شيء وعلى أساس أن دين الله كله ربح، هو ليس فيه خسارة في أي مجال من المجالات، حتى وأنت عندما تنطلق كطالب علم، يقول طلاب العلم أنهم يريدون أن يعرفوا الحق، وأنه تفرغ لطلب العلم من أجل أن يعرف الحق، ويعرف كيف دين الله، إن هناك أعمالا هي نفسها وسيلة من وسائل الهداية المهمة لتعرف الحق في كل شيء {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69)، {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (القصص:14).

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

(معرفة الله – وعده ووعيده)

الدرس الخامس عشر

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

بتاريخ: 8/2/2002م

اليمن – صعدة.


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر