د. محمد عبد الله يحيى شرف الدين
ما كان للنظامَين السعوديّ والإماراتي أن يتوحَّشا ويستوحشا لولا تماهيهما مع اللوبي الصهيوني (أمريكا، إسرائيل).. كيف لا يكونُ ذلك، واللهُ -سبحانَه وتعالى- يكشفُ خطورةَ الاندماج مع ذلك العدوّ؛ فقال جل شأنه: {إِنَّكُمْ إذَا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [سورة النساء: 140]. فاجتماعُ الفريقَين في جهنمَ ليس إلا تتويجًا لمسيرة حياة دنيوية جمعت بينهما؛ مسيرة ملطَّخة بالدماء والقتل والتوحش والإجرام.
إنها المِلة الواحدة، والهُوية الجامعة، والولاء الموحَّدُ للشيطان في أبهى تمثُّلاته: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [سورة البقرة: 120].
فما قبل الألفين من الميلاد ليس كَما بعده.
ففي المرحلةُ "القَبْلية"، كان النشاطُ السعوديّ الإماراتي مخاتلًا؛ فمن تحت الطاولة تمتد أياديهم مؤيدة ومباركة للعدو، ومن على الطاولة تُذرف دموع التماسيح.
وما كان العدوُّ الإسرائيلي والأمريكي ليقبلَ بتلك المرحلة إلا بوصفِها استراتيجيةً شيطانيةً استدراجية تُهيِّئُ فيها وتُعد للمرحلة "البَعْدية"، التي قدمت السعوديّة والإمارات كنظامَينِ متوحشين استمدا التوحُّشَ من القاسية قلوبهم؛ فصُبغا بصبغتهم، ومَن أسوأُ من اليهود والنصارى صبغة؟!
ومن أقرب مسافة زمنية ورقعة مكانية، تتراءى الجرائم في فاشر السودان بصِبغة توحشية خليجية.
أما فلسطين، جرحُ الأُمَّــة النازف والغائر؛ فقد ذُبحت بعروبة الخليج ودعمه وإمدادِه، فيدها تشُدُّ عَضُدَ العدوّ النازي في أرض فلسطين المحتلّة.
وفي اليمن، وما أدراك ما اليمن؟!
في اليمن، كان اللاعب الأَسَاسي هو المال الخليجي؛ يشتري ذممًا، ويبني ولاءاتٍ تفُتُّ من عَضُدِ الأرض السعيدة، ويفرضُ الوصاية عليها، تارة بالترغيب، وأُخرى بالترهيب، في مسار صَبّ قالب الاستحواذ على الفكر والسياسة والاقتصاد والأمن.
وما إن خرجت اليمن من عباءة تلك الوصاية الموصولة بالوصاية الأمريكية والإسرائيلية، حتى صُبَّ فوق رؤوس اليمنيين آلافُ الأطنان من البارود والنار لسنوات، ما كان الوصي الآثم لينفكَّ عنها.
فلا الرحمة وازع ديني، ولا الشفقة وازع إنساني؛ إنما كان الوازع الدافع لشره وإجرامه هو ضرباتُ اليمانيين في العُمق السعوديّ والإماراتي؛ ضربات استمدت مشروعيتَها من الله تعالى.
لقد كانت تلك الجولةُ درسًا كافيًا لهما، وعبرةً كفَّت شرَّهما؛ لكن سُنةَّ الله لا تستثني أحدًا: {فَكُلًّا أخذنَا بِذَنبِهِ}.
فعندما كان المتوقَّع الممكِن والبديهي أن يُعيدَ النظامان السعوديّ والإماراتي النظرَ في طبيعة علاقتهما باليمن بناءً على مخرجات الجولة الأولى من المواجهة، تدخَّل رصيدُهما الإجرامي؛ فذنبُهما في الجولة الأولى يجرُّهما من جديد اليوم إلى معاودة الكَرَّة السابقة؛ فلم يرضَ اللهُ أن يُفْلِتَا من الجزاء.
وها هي اليومَ ثلاثيةُ الشر تقدِّمُ هذين النظامَين كنَعجتَي فداءٍ في جولة ثانية، في مرحلة أصبحت اليمنُ فيها أعتى وأقوى وأشدَّ وأصلبَ من ذي قبل.
فاليمن -بعون الله وتأييدِه- قد أدَّبَ العدوَّ الإسرائيلي والأمريكي عند إسناد اليمن لعملية طوفان الأقصى؛ فما عسى أذنابُه أن تأتيَ به أكثرَ وأعنفَ وأسوأَ مما فعله العدوُّ الإسرائيلي والأمريكي؟!
إن تبعاتِ عدوانِ الجولة الأولى من جَبْرِ الضرر والإعمار وغيرهما لا تبلُغُ مِعشارَ المعشارِ من الحَلْبِ الأمريكي للخليج، وستكونُ نتائجُ الجولة الثانية أضعافًا مضاعفةً من ذلك الاستحقاق، مع فارق التحوُّلات الجذرية في المنطقة برمتها.
وصدق اللهُ حينَ قال: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَان وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [سورة القصص: 5-6].





