من أخطر الأشياء على الإنسان أن يتعود حالة من اللامبالاة تجاه ما يسمعه من هدى الله، وأن يصبح ما يسمعه من هدى الله مجرد كلام عادي، لا يتأثر به، ولا ينتفع به، ولا يغير في واقع نفسه فيدرك جوانب القصور والنقص لديه، ويدرك جوانب ذات أهمية كبيرة عليه أن يهتم بها فيتحرك على أساس الاهتمام بها.
عندما نسمع هدى الله فهدى الله هو النور الذي يجب أن نستضيئ به، وهو الحق الذي يجب أن نستوعبه، ونؤمن به ونتيقنه وننتفع به، وننطلق في واقع حياتنا على أساسه.
الحالة الخطيرة على الإنسان أن يسمع ثم لا ينتفع، لا يتذكر، لا يستبصر، لا يتأثر تأثراً ملموساً في اهتمامه في عمله. الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ }(الأنفال:20) أطيعوا الله ورسوله، الترجمة الحقيقية تتمثل في الاستجابة، الترجمة الحقيقية للانتفاع بهدى الله. إذا أنت سمعت هدى الله، وانتفعت به، واستوعبته فالنتيجة النتيجة الحقيقية هي الاستجابة، هي العمل، هي الاهتمام، هي الالتزام، كل هذا يدخل في دائرة واحدة هي الطاعة، الطاعة لله ورسوله.
إذا الإنسان لم يستوعب ما سمع من هدى الله، ولم ينتفع به فعلاقته مع هدى الله محدودة في مستوى السماع، في مستوى أنه سمع فقط، لا هو عمل، لا هو انتفع، لا هو تأثر بما سمع في اهتمامه، في اتجاهه، في مواقفه، في سلوكياته، لا. حاله واحد ، عندما سمع, وقبل أن يسمع، وبعد أن يسمع، هذه الحالة خطرة جداً { وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} يفترض بكم كمؤمنين عندما تذكرون، عندما تذكرون بهدى الله، عندما تتلى عليكم آيات الله، عندما يقدم إليكم هدى الله، أن تنتفعوا، أن تستفيدوا، وثمرة استفادتكم وانتفاعكم هو في التزامكم في واقع العمل، في إطار المسئولية، من خلال الطاعة، العمل، الالتزام، هذا جانب مهم.
ثم يقول { وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ}(الأنفال:21,20) لا تكونوا كأولئك, السماع لهدى الله، السماع الحقيقي هو السماع الذي فيه تفهم، واستبصار، واستيعاب وتأثر, تأثر في النفس مما سمعته من هدى الله، تسمع ما هو مؤثر, ما هو مؤثر بحقيقته، ما هو مؤثر في أساسه، ما هو مؤثر يبصرك بجوانب التقصير لديك، يبصرك بمسئوليتك، يذكرك بالله، يذكرك باليوم الآخر، يذكرك بالأخطار الكبيرة عليك، يبصرك تجاه واقع الحياة، فهو يترك أثر، ليس كلاماً عادياً، وليس مجرد كلام أو كتابة صحفية، أو ما شابه كلا عادي . لا.
{ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ}(الأنفال:22,21) شر الدواب كلها، أسوأ الحيوانات كلها، الإنسان الذي لا يستبصر بهدى الله، لا ينتفع بهدى الله، لا يتأثر بهدى الله، لا يصلح في واقعه، ويغير في واقعه، ويتلافى جوانب القصور لديه، عندما يسمع هدى الله هو أسوأ من كل الحيوانات، أسوأ في واقعه من أي حيوان من الحيوانات، هذا حاله عند الله، هذه مكانته عند الله {كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} أسوأ من الأنعام، أسوأ من الحيوانات، بل كما يقول هنا {شَرَّ الدَّوَابَّ}{ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} صم كأنهم لا يسمعون أساساً ؛ لأن ما يسمعونه لا يستوعبونه، لا يتفهمونه، لا ينتفعون به، لا يستبصرون به، فكأنهم لم يسمعوا، وكأنهم صم لا يستفيدون من حاسة السمع، وكأنهم بكم لا ينطقون ولا يستبصرون بالحق؛ ليكون لهم تبناً للحق، وتمسك بالحق، ولا يستوعبون أبداً.
{ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ}(الأنفال:23) نعوذ بالله من هذه الحالة، ونعوذ بالله أن نصل إلى هذه الحالة المخزية، أن يصل الإنسان إلى هذا المستوى السيء مكروه عند الله، ممقوت عند الله، أسوأ عند الله من كل الحيوانات؛ لأنه لا ينتفع بهدى الله، ولا يستبصر بهدى الله.
من ملزمة في ضلال دعاء مكارم الاخلاق - الدرس السادس.
القاهاالسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي / حفظه الله .