شاهر أحمد عمير
منذ بداية التاريخ والشر لا يأتي إلى البشر بوجهه القبيح مباشرة، بل يتخفى بثياب النصيحة والغيرة على المصلحة العامة، يحاول أن يوهم الإنسان بأن ما يقدمه له هو الخير المطلق والطريق الصحيح، بينما هو في الحقيقة طريق الهلاك والضياع.
هذا المعنى العميق جسدته قصة أبينا آدم وأُمِّنا حواء حين جاء الشيطان إليهما بلهجة الواعظ الناصح، مزينًا الباطل بلباس الحق، فوسوس لهما قائلًا إن الله لم ينههما عن الشجرة إلا ليحرمهما من الخير والخلود والملك العظيم، قال تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَو تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) [الأعراف – آية: 20]
وهكذا يتكرّر المشهد في واقع الأُمَّــة اليوم، لكن بوجوه بشرية تحملُ نفسَ الفكرة ونفس الأُسلُـوب؛ حَيثُ يقف اليهود والمنافقون والعملاء والمطبِّعون ومن يدور في فلكهم ليقدموا أنفسهم على أنهم حماة الحرية والمدافعون عن العدالة وحماة حقوق الإنسان، بينما جرائمهم في فلسطين ولبنان واليمن وبقية أوطان الأُمَّــة أكبر شهادة على زيف خطابهم وكذب شعاراتهم.
فهم أكثر من استخدم مفردات القيم لخدمة مشاريع الهيمنة والقتل والسيطرة، وأكثر من رفع راية الإنسانية وهو يمارس أبشع انتهاكاتها.
ومن هذا الباب جاء العدوان السعوديّ الإماراتي الأمريكي على اليمن؛ لم يقدموه للعالم ولا للشعب اليمني كحرب احتلال ونهب وتدمير، بل كسردية إنقاذ وحماية واستعادة حقوق.
تحدثوا عن محاربة “التمدد الفارسي”، وعن حماية “الجمهورية”، وحفظ “الوحدة”، والدفاع عن “الشرعية”، وتحرير اليمن من “الاحتلال الإيراني”؛ فكانت الشعارات جاهزة، واللافتات مرتبة، والعبارات مصقولة بعناية، لكن خلف هذا الغلاف الناعم كانت الحقيقة مختلفة تمامًا.
لم يكن هناك احتلال إيراني لليمن كما زعموا، ولم يكن هناك أي مشروع فارسي يتسلط على القرار اليمني كما حاولوا تصويره؛ كان هناك شعب يريد كرامته واستقلاله، ووطن يسعى إلى سيادته، وإرادَة سياسية خرجت من عباءة الوصاية الخارجية.
لذلك كان لا بُـدَّ من اختراع هذه الأكاذيب لتبرير جريمة الحرب، ولصناعة غطاء أخلاقي لعدوان عسكري دموي لا يمت للأخلاق أَو القانون أَو الإنسانية بصلة.
لقد أثبتت السنوات أن من زعموا أنهم جاءوا لحماية الجمهورية كانوا أول من اعتدى على الجمهورية ومؤسّساتها، ومن قالوا إنهم جاءوا مِن أجلِ الوحدة كانوا أول من مزق اليمن وقسم الأرض وخلقوا كيانات متصارعة وميليشيات متعددة الولاءات، ومن ادعوا أنهم جاءوا لاستعادة “الشرعية” حوّلوها إلى أدَاة للارتهان السياسي، وإلى ختم يمنح شرعية للقتل والحصار بدلًا من أن يكون مسؤولية وطنية تجاه الشعب.
ومن زعموا أنهم جاءوا لمواجهة الإرهاب كانوا هم أنفسهم صانعي الإرهاب وممولي جماعاته، ومن تحدثوا عن حماية الإنسان اليمني كانوا أول من قصف المدن والمستشفيات والمدارس والبنية التحتية وفرض الحصار الذي حرم الأطفال من الدواء والمرضى من العلاج والشعب من أبسط مقومات الحياة.
إن أخطر ما في هذا المشروع ليس فقط القتل والتدمير والحصار المباشر، بل محاولته قلب الحقائق وتشويه وعي الشعوب؛ بحيث يصبح المحتلّ “منقذًا”، والمعتدي “مصلحًا”، والقاتل “مدافعًا عن الحقوق”، بينما تُصوَّر الشعوب الحرة المقاومة على أنها المشكلة، وتُتهم بأنها عامل الفوضى وسبب الخراب.
وهذا النوع من الحرب أخطر من الحرب العسكرية نفسها؛ لأَنَّه يستهدف العقل والوعي والإيمان بالهُوية والحق.
الحقيقة التي يجب أن تقال بوضوح هي أن رأس الشر في منطقتنا هو المشروع الأمريكي الصهيوني ومن يقف خلفه ويموله ويمشي في ركابه من أنظمة عربية أضحت جزءًا من منظومة العدوان على أوطان الأُمَّــة وقيمها.
هذه الحقيقة لم تعد رأيًا سياسيًّا، بل واقعًا أثبتته الوقائع والأحداث، وشهدت عليه دماء الضحايا ومعاناة الشعوب.
فكلما رفعت هذه القوى شعار الحرية سال الألم، وكلما تحدثت عن الإنسانية تصاعد الوجع، وكلما ادّعت الدفاع عن الشرعية تم اغتيال إرادَة الشعوب.
ولذلك فإن الوعي هو السلاح الأول، وقراءة الأحداث بعيون الشعوب لا بعيون إعلام التضليل هو الطريق الصحيح، وعدم الانجرار خلف العبارات المصنوعة في غرف المخابرات ضرورة لحماية الأوطان والكرامة.
فكما كشف الله زيف الشيطان رغم جمال كلامه، ستكشف الشعوب زيف هؤلاء مهما طالت السنوات؛ لأَنَّ الحق ثابت، والكذب مهما تجمل فإنه يسقط أمام الحقيقة، والتاريخ لا يرحم من خان أمته وتواطأ على معاناة أبناء وطنه.

.jpg)



.png)

