ثم تأتي بعد ذلك النفخة الأخرى، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: الآية68]، النفخة الأخرى هي كذلك حدثٌ رهيبٌ وهائل، يبعث الله به كل الأموات، يبعث كل البشر دفعةً واحدة في لحظةٍ واحدة، {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}، يقوم كل البشر وقد عادت إليهم الحياة من جديد إلى واقعٍ جديدٍ على ساحة الأرض في ساحة الحشر والحساب.
الحضور إلى ساحة الحساب وبعدها إلى الجزاء، سيكون حضوراً إجبارياً، لا يمكن لأحدٍ أن يمتنع، لا يمكن لأحدٍ أن يتعنت، لا يمكن لأحدٍ أن يحتمي بأي وسيلةٍ من الوسائل، لن يأتي أحدٌ ومعه أنصارٌ أو جيوشٌ، ولن يأتي أحدٌ وهناك وساطات تتوسط له؛ حتى لا يدخل إلى مرحلة الحساب وبعدها الجزاء. الكل سيأتي بهم الله في ذلك اليوم للحساب أولاً وللجزاء ثانياً، كل فردٍ يتم إحضاره إلى تلك الساحة، لا يمكن لأحدٍ أن يختفي، ولن يُنسى أحد، ولا غفلة عن أحد، {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس: الآية53]، صيحة واحدة فإذا بالكل وقد أحضروا للحساب، وكل شخصٍ يحضر ويرى وكأن التركيز كله عليه، كأن كل أحداث القيامة تدور على رأسه.
مع كثرة الجمع وقد أحضر كل البشر، ليس هناك غفلة عن بعض، وتركيز على بعض، ولم ينتبهوا للبعض الآخر، وحاول الإنسان أن يضيع في معمعة ذلك الإجتماع الرهيب والهائل، وأن يختفي ضمن تلك الأعداد الهائلة والكثيرة من البشر. لا، كل واحد يرى التركيز عليه بشكلٍ كبير، يرى المتابعة له لحظةً بلحظة، يرى وكأن أحداث القيامة كلها تتجه إليه هو، ولذلك يقول الله -سبحانه وتعالى-: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم: 93-95]، كلٌ يأتي لوحده، لا يجد أحداً يعينه، ولا يقف إلى جانبه، ولا يقدِّم له أي خدمة، ولا يتحمل عنه أي عبئ، ولا يتضامن معه بأي شيء، ولا يملك له أي نفع، {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}[الانفطار: الآية19]، {لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا}[لقمان: من الآية33]، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس: الآية37]، كل إنسان يأتي في حالةٍ فردية، يرى نفسه وكأنه هو المعني رأساً، وكأنه هو المقصود أكثر من غيره، وكأن كل التركيز عليه.
لتبدأ بعدها مرحلة الحساب، يُجمَع الخلائق بكلهم، وينظَّمون تنظيماً دقيقاً ومحسوباً، لتبدأ عملية الحساب، والموضوع الرئيسي هو العمل، العمل الذي سيترتب عليه كل شيء، العمل الذي كنا نستهتر به في هذه الحياة، كم من الأعمال السيئة يستهتر بها الإنسان، يتهاون بها الإنسان، وما من عملٍ سيءٍ- مهما كان مغرياً- يستحق أن تتورط من أجله لحظةً واحدة في نار جهنم، يستحق أن تتجرع بعده مرارة الحسرة والندامة الشديدة، والعذاب النفسي يوم القيامة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية الثانية 1441هـ