أيها الإخوة الأعزاء اجتماعنا في هذا اليوم هو اجتماع من واقع الشعور بالمسؤولية، هو اجتماع هادف، هو اجتماع له أهمية كبيرة، ليس اجتماعاً للترفيه، وليس اجتماعاً عبثياً؛ لذلك فحضوركم في هذه المناسبة، وفي هذا المكان له أهميته الكبيرة، وله حسابه عند الأعداء، فهو اجتماع مهم، ومثل هذه الاجتماعات الهامة الحضور فيها هو أداء لواجب أمام الله, والحضور فيها يترتب عليه أمور كبيرة نحن معنيون بها.
هذه المناسبة العزيزة ذكرى مولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتتنا ونحن نعيش ظروفاً خطيرة, وواقعاً مريراً, ونحن أمام أحداث نتحمل فيها مسؤوليات كبيرة أمام الله جل شأنه, ولا يفيدنا التجاهل ولا التنصل ولا تجدي اللامبالاة.
في هذه المرحلة - أيها الإخوة - أنتم يا أبناء الإسلام, أنتم يا أمة محمد, في هذه المرحلة وفي هذا الظرف تتعرضون لهجمة شرسة وخطيرة تستهدف أهم شيء بالنسبة لكم, تستهدف ركائز قوتكم, تستهدف فصلكم عن مصدر عزكم ومنبع مجدكم, حتى تكونوا فريسة سهلة لأعدائكم, فيسهل عليهم الهيمنة عليكم والقضاء عليكم.
إن استهداف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبشكل متكرر وفي مناطق متعددة هو استهداف لهذه الأمة, إنه يستهدفنا نحن, يستهدفنا في ديننا.
إن الموقف من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي نعرفه ويُعلن ويُنشر من جانب أعدائنا من اليهود والنصارى هو يستهدفنا في ديننا, واستهدافنا في ديننا هو أخطر أنواع الاستهداف, الاستهداف لنا في ديننا هو استهداف خطير, خطير علينا جداً لأن - أيها الإخوة - إن أُبعدنا عن ديننا نفقد تأييد الله, نخسر أن يكون الله معنا, نخسر مصدر قوتنا وعزتنا وقوامنا؛ فلذلك يجب أن نكون واعين, يجب أن نعي لماذا, لماذا يستهدفون الرسول؟ لماذا يعملون على تشويه صورته؟ لماذا تتكرر منهم الإساءات إليه؟ لماذا في هذا العصر تتكرر بشكل أكبر من أي العصور الماضية؟ هذا الاستهداف - أيها الإخوة - إذا لم يقابله وعي منا بخطورته, بأهدافه, ووعي منا في مواجهته, وفي الموقف منه, فإننا من سنخسر, ليس الرسول هو من سيخسر, وليس الرسول هو من يتضرر, نحن من سنخسر, ونحن من سنتضرر.
فحينما نجتمع في هذه المناسبة, وفي هذه الظروف بالذات نريد أن نقدم لأولئك رسالة أنّا لا زلنا نعي بأهمية ارتباطنا برسول الله؛ لأنّا لا زلنا أمة تتمسك بنبيها, بل وتعمل على أن تعزز هذا الارتباط بنبيها, أمة تعود إلى نبيها لتتعرف عليه أكثر فأكثر, وتعود إلى نبيها لتستلهم منه الحكمة وتستلهم منه المواقف الصحيحة, أمة تعود إلى نبيها لتزكو من زكائه ومن تربيته, وتستلهم كل تلك التعاليم العظيمة التي قدمها لهذه الأمة.
عندما نعرف - أيها الإخوة - أنه علينا في هذا الظرف الذي يعملون فيه على تشويه النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويعملون على إبعادنا عنه وعلى فصلنا عنه, أنهم يستهدفوننا؛ ولذلك علينا ويتحتم علينا أن نحرص على أن نتعرف على نبينا أكثر فأكثر؛ لأن الواقع - أيها الإخوة - كشف أن هناك فجوة, فجوة كبيرة داخل هذه الأمة, لقد كشفت الأحداث والوقائع أن هذه الأمة تجهل الكثير, الكثير عن نبيها, هذا الفتور في أوساط الأمة الإسلامية, وهذه البرودة لدى الناس, هذا التجاهل واللامبالاة أمام ما يُقال عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يكشف أن هذه الأمة تجهل الكثير, الكثير عن نبيها, عن حاجتها إليه, حاجتها إلى تعاليمه, حاجتها إليه أن يكون هو, هو من تقتدي به وتتأسى به, وتستلهم منه الدروس, وتأخذ منه التعاليم, وتعرف أهمية توجيهاته (صلوات عليه وعلى آله).
فعندما نلحظ هذه البرودة, هذا التجاهل في العالم الإسلامي أمام هجمة خطيرة, وتستهدف أعظم رمز للمسلمين من الرموز العظماء من أنبياء الله وأوليائه, نرى حاجتنا إلى أن نعرف الرسول, نعرف صلتنا بهذا الرسول, نعرف ماذا يعني لنا محمد, ماذا يعني لنا هذا الرجل العظيم, نعرف الخطورة الكبيرة حينما نُفصل عنه ونُبعد عنه, وحينما يكون هو في نظرنا شخصية مشوهة وغير مقدسة نبتعد عنه؛ وبالتالي نبتعد عن تعليماته وعن توجيهاته وإرشاداته.
رسل الله (صلوات الله عليهم) هم صلة لنا بالله جل وعلا, وهم حجج الله على خلقه وعباده, أرسلهم الله مبشرين ومنذرين {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}(النساء:من الآية165) بعد الرسل ليس للناس هناك أي حجة أمام الله؛ لأن الله ملك, ملك الناس, وملك الخلق, ويؤاخذ, ويعاقب في الدنيا والآخرة, وبيده الجزاء كما أن بيده الحساب, وبيده الملك, فأمام هذا, أمام ملك الله, في المسؤولية أمام الله حينما أرسل الله رسلاً إلى عباده مبشرين ومنذرين, مرشدين إلى الحق, دالين على طريق السعادة, يقدمون الحلول الصحيحة لمشاكل البشر, ويرشدون البشر إلى ما فيه عزهم وفلاحهم ونجاحهم, وأن يعيشوا حياة كريمة في الدنيا, ثم يكون مستقبلهم في الآخرة إلى السعادة العظيمة, وأن يسلموا الشقاء, يسلموا عذاب الله وانتقام الله وبأس الله جل وعلا.
الرسل هم حجة, حجة لله على العباد, لا يمكن لأحد أن يحتج على الله يوم القيامة في موقف السؤال؛ لأن الكل مسؤول, الكل مسؤول, نحن كبشر, نحن أيها الناس نتحمل مسؤولية أمام الله, ووجودنا في الدنيا ليس عبثاً إنه وجود يترتب عليه مسؤولية, علينا مسؤوليات نقوم بها, وحين الإخلال بها نتحمل عقاب الله وبأس الله جل وعلا, كما أن وجود الرسل ضرورة حتمية لصلاح حياة الناس حتى لا تكون حياة الناس شقاءً وهواناً وبلاءً وجحيماً فيكون الشقاء في الدنيا ووراءه الشقاء في الآخرة.
أيها الإخوة الأعزاء رسل الله (صلوات الله عليهم) أرسلهم الله رحمة للناس, وحجة على الناس, وفي نفس الوقت أتى الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الإطار, في إطار المشروع الإلهي ألا يترك العباد هملاً, ألا يتركهم في حيرة من أمرهم, في اضطراب, في حيرة, في تردد, في ضلال, في شقاء وهوان.
الرسول (صلى الله عليه وآله) علمه الله أن يقول: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ}(الأحقاف: من الآية9) ما كنت بدعاً من الرسل, هو ضمن سلسلة من الأنبياء والرسل, فحين وُجِد الإنسان, منذ وجود الإنسان الأول آدم (عليه السلام) وُجِد هدى الله, وُجِد وحي الله, وُجِدت تعاليم الله, أتى هذا الإنسان إلى الأرض وأتت معه تعاليم الله التي إن اتبعها يسلم من الضلال, ويسلم من الشقاء, وعندما لا يتبع تعاليم الله التي هي هدى يشقى ويعاني ويخسر ويعرض نفسه لعذاب الله وبأس الله وسطوة الله.
والله يصطفي, يصطفي من عباده رسلاً كما قال جل وعلا: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ}(الحج:من الآية 75) وأن يصطفي يؤهل, يخلق, يصنع, يؤهل, يجعل رجلاً مخصصاً لهذه المسؤولية, يُعدٌّه لهذه المسؤولية كما قال عن موسى (عليه السلام): {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}(طه:الآية41) يجعله فيما هو عليه من نفسيات عظيمة, بحيث يكون جديراً بهذه المسؤولية, فيبلغ رسالات الله - على أكمل مستوى - بلاغاً مبيناً, ثم يكون هو في الواقع العملي, وفي التطبيق يمثل القدوة العظيمة لتطبيق دين الله, وأداء التعاليم في واقع العمل والحياة, وفي واقع الالتزام.
فلذلك - أيها الإخوة - الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) اصطفاه الله رجلاً عظيماً جديراً بالمسؤولية الكبيرة, مسؤولية أن يكون رسولاً يبلغ رسالات الله, وقدوة في تطبيق تعاليم الله والقيام بها في مهمة واضحة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:الآية107) هو مظهر من مظاهر رحمة الله, من رحمة الله أن يقدم لعباده التعاليم التي إن اتبعوها عاشوا حياة عزيزة, وعاشوا حياة كريمة, وعاشوا بعيداً عن الهوان والشقاء.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بمناسبة المولد النبوي الشريف
للعام الهجري 1429هـ.