يقول الله "سبحانه وتعالى" في القرآن الكريم: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ}[يس: 71-73]، الأنعام هي تشمل: الإبل، والبقر، والضأن، والماعز، كلها يطلق عليها أنعام، وهي من النعم العظيمة التي أنعم الله بها على المجتمع البشري.
ومن عجيب ما منَّ الله به في هذه النعم: أنها مع كبر حجمها، بالذات الإبل، والبقر، حجم كبير وقوي، ولكنَّ الله "سبحانه وتعالى" سخَّرها للإنسان، ذللها للإنسان، ومكَّن الإنسان من اقتنائها، ومكَّنه من الانتفاع بها في جوانب كثيرة: في غذائه، وكذلك فيما يتعلق بالإبل في ركوبه ونقله عليها الأثقال، والمنافع الكبيرة أيضاً في البقر، مثلاً في الثور مسخَّر أيضاً للاستفادة منه فيما يتعلق بالزراعة، فتهيئة الله لهذه الحيوانات لأن يتمكَّن الإنسان من اقتنائها، وتملُّكها، وأن تكون مذللةً له، وأن يتهيأ له الانتفاع منها بسهولة، هذه بحد ذاتها نعمة كبيرة؛ لأنها لو بقيت وحشية لصعب اقتناؤها؛ وبالتالي لصعب الانتفاع منها.
الجمل لو أتى وهو هائج على طول أو متوحش بشكل مستمر، كيف سينتفع منه الإنسان إلَّا بصعوبة بالغة جداً، وبشكل محدود جداً، الناقة كذلك عندما تكون لو بقيت متوحشة، ولم تقبل أن تذلل، وأن تستخدم؛ لكانت متعبة جداً، ولصعب الانتفاع منها، البقرة- كذلك- لو كانت متوحشةً جداً، وكلما حاولت الاقتراب منها تتجه لتنطحك؛ لصعب الانتفاع منها، ولكنَّ الله "سبحانه وتعالى" ذلل الإبل، ذلل البقر، فبتذليل الله لها ينتفع منها البشر انتفاعاً كبيراً، وعادةً في المجتمعات التي عندها عناية باقتناء الثروة الحيوانية، باقتناء هذه النعم، باقتناء الأنعام، يصل الأمر إلى درجة أن يمكن أن يقوم عليها في رعيها، أو في الانتفاع منها في بعض الأمور أطفال ونساء، من دون أي قلق، ويتمكنون من حسن الانتفاع منها بأشكال متعددة، ومنافع متعددة، هذه نعمة من الله "سبحانه وتعالى"، ما كانت لتكون كذلك مذللةً للإنسان على كبرها وحجمها، الجمل، الناقة، الثور، البقرة، لولا أنَّ الله "سبحانه وتعالى" ذللها.
كذلك الماعز يمكن أن يكون سريعاً، ولا يبقى للإنسان، لا يتمكن من أن يمسك به، لولا أنَّ الله ذلله للإنسان، فالله ذلل هذه النعم الكبيرة للإنسان؛ ليتمكن من الانتفاع بها في منافع واسعة في حياته.
{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ}، والإنسان على مرِّ التاريخ استفاد بشكل كبير من الإبل في الركوب عليها في الأسفار البعيدة، وكانت وسيلة نقلٍ رئيسية للأسفار البعيدة، وبالذات في المناطق الصحراوية، كان يستفيدون منها، ولا زال إلى الآن المجتمع البشري في كثير من مناطق الدنيا يعتمد عليها بشكل كبير جداً، ويستفيد منها.
{وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ}، وكذلك مصدر غذاء ممتاز، واللحم من أهم المواد الغذائية الممتازة جداً، لا مجال معه إلى سوء التغذية، وإلى الضعف، والهزال، والأمراض التي تنشأ عن الضعف، عندما تتوفر الثروة الحيوانية لدى مجتمعٍ معين، يتوفر لديه غذاء ممتاز جداً، أحسن الإدامات، وأفضل الأغذية، في قيمتها الغذائية، في قوتها الغذائية، يصبح ذلك المجتمع مجتمعاً صحياً، وقوياً، وأبدان قوية، وأجسام قوية، عنده غذاء ممتاز.
{وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ}، منافع كثيرة جداً يمكن أن نتحدث عن البعض منها- إن شاء الله- في سياق الحديث، {وَمَشَارِبُ}، مشارب كذلك متنوعة: اللبن ما قبل أن يشتق منه أي مشتقات مثلاً، ثم ما بعد ذلك أيضاً، بعد أن يتحول إلى رائب، بعد أن يتحول إلى مشارب متنوعة، {أَفَلَا يَشْكُرُونَ}، فتصبح هذه نعمة كبيرة تسد للإنسان احتياجاته الضرورية في غذائه، وفي ملبسه... وفي منافع متعددة في حياته، وفي نفس الوقت عندما يستذكر أنها نعمة من الله "سبحانه وتعالى"، يتأمل ما منَّ الله به عليه فيها، يتأمل فيها مظاهر قدرة الله، وحكمة الله، ورحمة الله، وكرم الله، تكون لها أيضاً فائدة إيمانية، فائدة إيمانية: تشدك إلى الله "سبحانه وتعالى"، وتدفعك مع هذا الإقبال، مع الالتفات إليها كنعمة من الله "سبحانه وتعالى"، تدفعك إلى الشكر لله "سبحانه وتعالى"، فتحب الله، وتشكره، وتستقيم على طاعته، فالنعم هذه: الأنعام والثروة الحيوانية هي من النعم العظيمة التي أنعم الله بها، تعالج مشكلة الفقر للإنسان، وهي- كما قلنا- توأم الزراعة، إلى جانبها يكون هناك تكامل كبير في النعم المادية، مع الزراعة الثروة الحيوانية، كل منهما يكمِّل الآخر.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
سلسلة الدروس الرمضانية، بتاريخ 25 رمضان 1442هـ