عندما نتواصى بالصبر في كل المواطن التي تحتاج إلى التواصي به، فقد يتسع الحديث في التشجيع على الصبر، وفي الترغيب في الصبر، عندما نتحدث عن هذا الصبر على ضوء الحديث عنه في القرآن الكريم، الحديث عن الصبر في القرآن الكريم حديث مشوق، يحول الصبر إلى محبوب، إلى أمرٍ مرغوب؛ لأن الإنسان أولاً يدرك قيمته وموقعه في الإسلام، قيمته وأثره في الواقع، في العمل، ثمرته الطيبة في النتائج، ثمرته المهمة أيضاً في الآخرة.
الصبر موقعه من الدين موقعٌ مهمٌ جدًّا، موقعه من الإيمان كما ورد في الحديث: (بمنزلة الرأس من الجسد)، منزلة أساسية، موقع مهم، لا يتم الإيمان إلَّا به، موقعه أيضاً في العلاقة بالله -سبحانه وتعالى- موقعٌ مهم، الله -جلَّ شأنه- أكَّد في القرآن أنه يحب الصابرين، أنه مع الصابرين.
عندما نتحدث عن الصبر فمن أول ما نركِّز عليه في هذا الموضوع: الالتفات إلى أهمية أن نعود إلى الله وأن نلتجئ إليه ليمنحنا أيضاً المعونة بالصبر، الله -جلَّ شأنه- قال في القرآن الكريم: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}[النحل: من الآية127]، {وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}، نحتاج إلى الله -سبحانه وتعالى-، علَّمنا الله في القرآن الكريم أن نقول: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا}[البقرة: من الآية250]، {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا}، نطلب من الله هذا الطلب، نحتاج إلى أن نلتجئ إلى الله، أن نطلب من الله أن يمنحنا الصبر، وأن يعيننا بالصبر، وأن يلهمنا الصبر، وأن يمنحنا قوة التحمل؛ لنكون من الصابرين، هذه مسألة مهمة في موضوع الصبر.
ثم التذكير به كوسيلة مهمة مساعدة للنهوض بالأعمال، الإنسان إذا تعوَّد على أن يصبر، هو يكتسب القوة النفسية والمعنوية والطاقة في التحمل، كثيرٌ من الأمور قد تكون في بداية الأمر صعبة على الإنسان، يوطِّن نفسه على الصبر، ويتخذ قراراً جاداً بالصبر، وتتروض نفسه على ذلك المجهود العملي، تتروض وتستمر وتستمر فإذا به بمعونة الله -سبحانه وتعالى- يتحول إلى عملٍ عادي بالنسبة له، لم تعد فيه تلك المشقة التي كانت في البداية، لم يعد فيه ذلك التعب النفسي أو الجسدي الذي كان في البداية؛ تروَّض، اكتسب القدرة، قوة التحمل، منحه الله -سبحانه وتعالى- هذه القوة في التحمل، والطاقة في التحمل، وهذه مسألة مهمة؛ لأن الصبر يصبح وسيلةً مهمةً في الواقع العملي، كما قال الله -جلَّ شأنه-: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: من الآية153]، تجد كيف بدأ بالصبر حتى قبل الصلاة، {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}، ثم يختم هذه الآية بهذه العبارة المهمة: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}؛ لأنك عندما تصبر فالله سيتدخل، ويمنحك -جلَّ شأنه- معونته، هو معك يمنحك المعونة، يمنحك القوة، يحقق لك النتيجة المرجوة من وراء هذا العمل العظيم الذي تصبروا فيه، وتصبروا على التحمل فيه.
في مواقف الحق يحتاج الإنسان أن يصبر على أشياء كثيرة: اللوم، الانتقادات، الصعوبات المتنوعة: الصعوبات المادية... الصعوبات بكل أنواعها، أشياء كثيرة لا بد أن تواجهها بالصبر، إذا لم يكن الإنسان صبوراً، ولم يوطِّن نفسه على الصبر؛ سيتراجع من أي عمل بمجرد أن وجد فيه صعوبة معينة، عندما ندرك ثمرة الصبر، وأهميته، وما يترتب عليه من نتائج وعد بها الله -سبحانه وتعالى-، أول عبارة جامعة قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، عبارة جامعة يدخل تحتها الخير الكثير، والتفاصيل الكثيرة.
عندما يقول الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: من الآية10]، هذا على مستوى الأجر في الدنيا والآخرة، جزءٌ من الأجر عادةً يأتي في الدنيا، لكن يوفى في الآخرة، وهنا يتحدث عن كيف يوفى في الآخرة: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
يبشر يقول -جلَّ شأنه-: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة: من الآية155]، حتى أنَّ البشارات من الله تأتي في مراحل العمل، في ظل تلك الصعوبات تأتي تلك المبشرات، تلك المؤشرات الإيجابية جدًّا، التي تزرع الأمل عند الإنسان، وتعزز عنده الرجاء في الله -سبحانه وتعالى- وفيما وعد الله.
يقول الله -سبحانه وتعالى-: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}[الأنفال: من الآية65]، في ميدان الجهاد في سبيل الله -سبحانه وتعالى- يكون للصبر أهمية قصوى في الغلبة والنصر والتأييد الإلهي، إلى هذا المستوى.
يقول -جلَّ شأنه-: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}[آل عمران: من الآية120]، في الصراع ومواجهة الأخطار من الأعداء، يأتي الصبر كعنصر أساس له هذه النتيجة وهذه الثمرة مع التقوى: {لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}، يعني: له غاية، له نتيجة في الواقع، أكثر من مسألة الحسنات، أكثر من مسألة الأجر في الآخرة، نتائج هنا تحصل عليها في الدنيا: نصر، عزة، دفع لكثيرٍ من مكائد الأعداء.
يقول الله -جلَّ شأنه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: الآية200]، هنا يذكر نتيجة مهمة جدًّا هي الفلاح، والفلاح عنوان مهم جدًّا، الفلاح هو يتضمن معنى النجاح، معنى الوصول إلى الغاية المرجوة، معنى الظفر بما تسعى له بذلك المجهود العملي، ومن خلال الصبر تتجاوز حتى تلك المرحلة التي كانت مرحلة صعبة، لتصل إلى النتيجة المرجوة، النتيجة العظيمة، النتيجة المهمة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية الحادية عشر / 1441هـ 4-5-2020م
أضواء على سورة العصر (2)التواصي بالحق وبالصبر.