بعد التذكير بالرجوع إلى الله وأنه سينبئنا بكل ما كنا نعمله في هذه الحياة: {فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: من الآية15]، يذكر الله لنا ما ورد في موعظة لقمان الحكيم -عليه السلام- لأبنه حول الرقابة الإلهية: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان: الآية16]، وهذا درس مهم في رقابة الله وإحاطة علمه بكل أحوالنا وتصرفاتنا وأعمالنا، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ}، ما هي؟ (إِنْ تَكُ) الحسنة من أعمالك أو السيئة من أعمالك، {إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ}، حب الخردل: الخردل من النباتات وحبه حب أسود صغير جدًّا وخفيف الوزن جدًّا، ويقال إن الكيلوغرام من حب الخردل يحتوي ما يقارب تسعمائة وثلاثة عشر ألف حبة خردل، وبناءً على ذلك يقال أن وزن حبة الخردل هي جزءٌ من الألف من الجرام، يعني قد تكون- والله أعلم- أخف الحبوب وزناً فيما في النباتات من حبوب.
{إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} (إِنَّهَا): الحسنة أو السيئة من الأعمال لو كانت بهذا المستوى الصغير والضئيل جدًّا في وزنها {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ}: وتكون أيضاً خفيةً لا يراها الناس ولا يدركونها؛ لأنها في داخل صخرة تغطيها وتخفيها، صخرة كبيرة، {أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ}: أو في مكانٍ فسيحٍ واسعٍ جدًّا ويقال مثلاً: هذه حبة الخردل الصغيرة جدًّا والخفيفة الوزن جدًّا موضوعة في السماوات، أين؟ الله أعلم في أي مكانٍ في السماوات، {أَوْ فِي الْأَرْضِ}: أو يقال هذه حبة الخردل الصغيرة الضئيلة الخفيفة الوزن جدًّا موضوعة في مكان أين هو؟ الأرض ذات الطول والعرض، حتى لو كان الحال كذلك، مثلاً في واقعنا نحن يقال لك ابحث عن حبة خردل في الأرض، وامسح كل الأرض للبحث عنها، يعني أمر يستحيل عليك على سعة الأرض، أو أن يكون ظرفها هو السماوات بكلها؛ لكن الله يحيط علماً بذلك، {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ}: تأتي يوم القيامة وتظهر بكتاب عملك وتجازى وتحاسب عليها، كما ورد أيضاً في سورة الزلزلة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8]، وهذا ما يحثنا على أن نتحلى بالمسؤولية في أعمالنا وتصرفاتنا، وأن نحذر من التهاون والانفلات وعدم الاكتراث تجاه ما نفعل أو نقول؛ لأن الله يحيط بنا علماً، ويحصي علينا في تصرفاتنا في الخير والشر ما لو كان مثقال ذرة، وما لو كان مثقال حبةٍ من خردل، الله الله!! أين هو انضباطنا، انتباهنا، ما أعظم غفلتنا نحن البشر! {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} أحاط بكل شيءٍ خُبراً، ويصل إحاطته بكل شيءٍ وإدراكه لكل شيءٍ مهما كان صغره، ومهما كان عمقه، ومهما كان ظرفه، لا يخفى عليه شيء، عليمٌ حتى بذات الصدور، وما توسوس به نفس الإنسان، لا يخفى عليه شيء، وهذا جانب مهم.
الاستشعار لرقابة الله -سبحانه وتعالى- يساعد الإنسان على التقوى والالتزام والاستقامة والانضباط، ويخفف عنده الحالة الاندفاعية والفوضوية في تصرفاته وأعماله، وبالتالي يكون حكيماً؛ لأنه يتعامل بمسؤولية، أعماله مدروسة، تصرفاته موزونة، كلامه موزون بميزان المسؤولية، وبالتالي الحكمة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
قبس من الحكمة
في وصية لقمان الحكيم لابنه
سلسلة المحاضرات الرمضانية 1440هـ المحاضرة السادسة والعشرون. يونيو 5, 2019م