والإنسان أيضاً يسيء إلى نفسه بالمعصية، وهذا اعتبارٌ رابع، يسيء إلى إنسانيته، ينحط في إنسانيته؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- منح هذا الإنسان في فطرته منحه من الملكات ومن عناصر الخير ما يسمو به، فلا يكون في هذه الحياة وكأنه مجرد وحش يعمل بالغريزة، ويتحرك وفق الغرائز النفسية بدون أي ضوابط ولا حدود ولا قيود، الله منح هذا الإنسان في فطرته وأودع في فطرته ما يساعده على التقوى، ما يساعده على السمو بالنفس، ما يساعده على التصرف بشكلٍ صحيح، ما يساعده على الالتزام بالقيم وبمكارم الأخلاق، ما يساعده على أن يضبط تصرفاته بضابط الأخلاق والقيم والرشد، والتصرفات الصحيحة، وبمعيار الحكمة، فهذا يعتبر شرفاً كبيراً للإنسان، ومسؤوليةً على هذا الإنسان؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- في الوقت الذي أودع فينا غرائز معينة، فهو -جلَّ شأنه- وفَّر لنا أولاً من الحلال ومما فيه الخير ما يمكن أن يستوعب غرائزنا هذه، ما يمكن أن نشغل فيه غرائزنا هذه، هو -سبحانه وتعالى- لم يودع فينا هذه الغرائز ثم يحرم علينا استغلالها، أو الاستفادة منها في أي شيء، ثم يتجه -سبحانه وتعالى- في تشريعاته وفي تعليماته إلى كبت هذه الغرائز في أنفسنا.
ليس الأمر هكذا، هو - سبحانه وتعالى - جعل لنا من الحلال الطيب ما يستوعب هذه الغرائز، وما نفعِّل فيه هذه الغرائز؛ فتؤدي هذه الغرائز دوراً إيجابياً في هذه الحياة.
ثم في نفس الوقت هو -سبحانه وتعالى- هيأ فينا وفي فطرتنا ما يساعدنا على المستوى النفسي، على المستوى المعنوي، على مستوى المشاعر والوجدان، على ضبط هذه الغرائز، وعلى أن نعمل على موازنتها؛ حتى تكون متوازنةً في هذه الحياة، وهذا هو الذي يسمو بالإنسان، لا يكون كبعض الحيوانات التي تعمل بالغريزة فقط، ليس عندها ضوابط معينة، ضوابط أخلاقية، ولا ضوابط ترتبط بمعيار الحكمة وحسن التصرف.
فالله -سبحانه وتعالى- عندما قال في القرآن الكريم عن النفس البشرية: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشمس: 9-10]، الإنسان يسيء إلى إنسانيته في هذا الجانب المهم فيها: الفطرة، وما أودع الله فيها من القيم، من الأخلاق، من عناصر الخير التي توجد توازناً لدى الإنسان بين غريزته وبين الجانب الأخلاقي في هذه الحياة، والقيم النبيلة في هذه الحياة، والتصرفات المتوازنة في هذه الحياة، وهذا التوازن هو الذي يدفع عن الإنسان الكثير من الشرور، الكثير من المخاطر، الكثير من الأضرار، وهذا التوازن في الحياة، وهذا الانضباط في الواقع، الإنسان في غريزته هو الذي يتيح للإنسان استغلال هذه الغريزة إيجابياً، فيتحول دورها من دورٍ سلبيٍ وضار في هذه الحياة، إلى دورٍ إيجابيٍ ومفيدٍ ونافعٍ في هذه الحياة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية السابعة 1441هـ.