عبدالفتاح حيدرة
في كل ذكرى لثورة 14 أكتوبر المجيدة يصاب الناس بالإحباط بسبب تحول بعض قيادات وابناء قيادات هذه الثورة العظيمة إلى مطبعين و مرتزقة وعملاء وخونة في المحافظات الجنوبية، صحيح ان الإحباط الشعبي لا يحتاج لتوليده في اذهان الناس سوى متابعة الواقع اليومي ، لكن توليد الأمل يحتاج لوعي شعبي يقراء بعمق أحداث الواقع والتاريخ ، للإحاطة بتفاصيل الواقع لصناعة مستقبل بحكمة الماضي ، هنا قد يتحجج البعض ويقفز من فوق المشاعر الشعبيه سعيا منه لتوليد الأمر الواقع معتبرا ان تلك حجة ملزمة في (ممارسة التغيير) وهذا كلام منطقي وصحيح ، ولكنه ليس حجة ملزمة في (نظرية التغيير) نفسها ، لأن نظرية تغيير الواقع تعني تحديد الواقع من اجل تغييره ، وليس احترام الواقع كواقع الارتزاق والخيانة والعماله والابقاء عليه ، ومن هنا نعرف لماذا لا نقبل بالعدوان والاحتلال والحصار وهو أمر واقع ، ولا نقبل اسرائيل اطلاقا وهي أمر واقع ، ولم نقبل بالاستبداد الامريكي وهو أمر واقع ، لأننا نعرف أن كل شيء في تغير مستمر ، وان مهمتنا الدينية والوطنية والاخلاقيه على وجه التحديد هي مواجهة الواقع السيئ والقذر، وتغيير الأمر الواقع إلى ما هو واقع حر ومستقل بعزة وكرامة وشرف، واقع أفضل وأحسن وأقوى..
اما واقع الذل والتبعية والإرتهان، فهو واقع الهزيمة، دعونا نستعيد ذكرى ثورة أكتوبر عندما بدأ بها جيل اليسار اليمني وتحديدا (الحزب الاشتراكي) في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي مسيرتهم ولتحقيق اهداف ثوة 14 أكتوبر ، بدأوا كثوار تحرر وإستقلال ووحدة ، والتزموا بأدوات وأساليب عمل ثورية صحيحة ، لا تقبل التنازل ولا تعرف معنى المساومة ، كانوا ضد الامبريالية الامريكية ، وضد رجعية مشائخ ممالك الرمال الخليجية، ولكن في بدايات التسعينات تم إدماجهم طوعا وبأمر واقع في إطار العمل السياسي الحزبي، على نمط الديمقراطية الامريكية الزائفه ، فغرقوا في مستنقعات الموائمة ومواقف الحياد والوسطية ، وأصبحوا جزء من النظام الذي ثاروا عليه ، لا يمكنهم الخروج عليه ، طبقا لقوانين الأمر الواقع حينها والذي قبلوا به ، حتى وجدوا انفسهم بعد حرب صيف 94م على ارصفة الهزيمة والعار والذل والإحباط الجماعي ، وتلك هى الخطيئة التي إرتكبها جيل الاشتراكي المهادن لعدوه ، بقصد أو بدون قصد ، وهي المعصية التي أورثت اليمن كلها كافة أمراض وأوبئة الخيانة والعمالة والارتزاق واكل أموال الناس بالباطل ، والتي لم يقاوموها في حينه ، بل ان البعض منهم إستحسنها واعتبرها بمثابة النضال الآمن ، وهو بهذا الذل والعار الآمن جعل من عقول اعضائه و اتباعه ومؤيدية ومناصرية ومع بداية العدوان والحصار والحرب على اليمن حذاءا للمعتدي والمحتل والغازي البريطاني و الامريكي والإسرائيلي السعودي والاماراتي ..
إن خطيئة ومعصية الاشتراكي اليمني في المحافظات الجنوبية ، واقصد هنا الاشتراكي الذي تماهى مع عدوه التاريخي وعدوه السياسي ، نشاهدها هذه الايام في السقوط بإمتحان الاخلاق والرسوب في أداء الواجب الوطني وخسارة إعمال الدنيا و الآخرة والفشل والعجز في اختبار الذكاء السياسي ، ومع كل ذكرى لثورة 14 أكتوبر نشاهدهم بثوب الذل والهوان، نعرف ذلك لإننا نعرف جيدا كيف ان ضميرهم أرتضى من البداية أن يشاركوا في العدوان والحصار والقتل و الإجرام بحق شعبهم ووطنهم ، ونشاهدهم في محافل الارتزاق وهم يتبجحوا بالعداوة لليمن أرضا وشعبا بوهم المذهبية والمناطقية، هذا وهم على علم مسبق أن كل ذلك ليس حقيقيا ولا شرعيا ولا شريفا ولا نزيها ، متجاهلين تماما وبكل صلف ساذج ان العدوان والحصار على اليمن قادته حرب أسبابها زائفه و قوانينها مجحفة وقضاتها مجرمين وقتله ولصوص ، فإن لم يكن ضميرهم الاشتراكي المعرفي والمنطقي قد أدرك بعد تسعة اعوام كل هذا ، فإن الأولى بهم ان يستعدوا لرمي أنفسهم في براميل الزبالة التاريخية قبل أن يصلهم العقاب الشعبي وقبله العقاب الإلهي..