في تلك الحالات من العذاب الشديد، والعناء الرهيب، لا شيء ينفعهم، يستغيثون فلا يغاثون، يتضرعون إلى الله بالدعاء، في الدعاء الله ينادينا في الدنيا أن ندعوه، يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر: من الآية60]، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة: من الآية186]، فقط طلب منا طلباً واحداً: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: من الآية186]، يحثنا على الدعاء، يرغِّبنا في الدعاء، ويأمرنا أن نستجيب لدعوته؛ ليستجيب لدعائنا، ولكن الكثير من الناس غفلوا عن هذا، وإذا دعا يدعو بشكل ليس فيه أي شيءٍ من الإقبال بذهنه ونفسيته ومشاعره، لا يدعو دعاءً جاداً، يتوجه من قلبه إلى الله "سبحانه وتعالى"، أكثر ما يدعو الإنسان يدعو وهو في حالة من الانشغال الذهني، واللامبالاة، واللا اهتمام، واللا جدية، وبفقدان لهذا التوجه الذي ينبغي أن يكون حاضراً عندما تدعو الله "سبحانه وتعالى".
هناك سيدعون الله، يتضرعون، {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا}[فاطر: من الآية37]، صراخ مرافقاً له حالة من التخبط، من التألم، من الحالات الرهيبة جداً، وهم في حالة يتصرَّعون بين نيران جهنم، ويتقلَّبون، يقومون ويقعدون، حالة رهيبة جداً، ليس لهم وضعية استقرار، يضطجع ويهدأ، لا، حالة من التقلب والقيام والقعود، يرجم بنفسه من هنا إلى هناك، ويصرخ في عذاب شديد، يتلوى، يتأوه، يبكي، يتجهون بالدعاء من كل أعماق قلوبهم، {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}[فاطر: من الآية37]، هل يستجيب الله لدعائهم لأنهم في حالة من الخشوع الشديد، والبكاء، والتضرع، والتوجه من أعماق قلوبهم؟ لا، فات وقت الدعاء، وقت الدعاء هو هنا، كان الله يدعوك لأن تدعوه، يأمرك بدعائه، يقدِّم لك حتى أوقات مميزة جداً للدعاء، وأسباب مفيدة جداً في الدعاء، فكنت أنت من لا تبالي بكل ذلك، الله يرد عليهم: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا}[فاطر: من الآية37]، الحالة ليس فيها أي رحمة أبداً، يصطرخون بين تلك العذابات، والنيران تلفح وجوههم، وقد كلحت وجوههم، وانقشعت شفاههم من شدة الحرارة، وبدت كل أفواههم، أسنانه بادية بارزة، انقشع شفتاه من شدة النار، في تلك الحال وهم يصرخون ويتأوهون ويدعون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}[المؤمنون: 107-108]، {اخْسَئُوا}: هذا هو الرد عليهم، بعدها يمنعون حتى من الدعاء، {وَلَا تُكَلِّمُونِ}، لا يسمح لهم بأن يدعوا الله، حالة رهيبة جداً.
يطلبون التخفيف بعد أن يئسوا من الخروج، يقولون: [خلاص ما دام لا يمكن الخروج من جهنم فالتخفيف]، بين ملايين السنين من العذاب الذي لا ينقطع ولا لحظة واحدة يرتاحون فيها، يطلبون من الملائكة، {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ}[غافر: الآية49]، بين كل تلك الملايين من السنين التي لا تنتهي يطلبون يوماً واحداً يتخفف، فماذا يجيبون عليهم؟ هل سيدعون لهم؟ هل سيتوسطون لهم؟ {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا}[غافر: من الآية50]، يعني: لن ندعوا لكم نحن أبداً، ولن يفيدهم دعاؤهم، قد قال الله لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}، لا فائدة من ذلك، حتى التخفيف، عناء لا نهاية له، كيف يكون تعب الإنسان إذا استمر له ألم لأيام، إذا استمر له غم وحزن لساعات، كيف يبلغ به التعب الإرهاق، كيف يبلغ به الضيق النفسي، فما بالك بذلك الذي لا ينتهي.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة الخامسة 1441هـ
قوا أنفسكم وأهليكم نارا تفاصيل مهولة عن عذاب جهنم