الجانب الآخر الذي ينبغي التركيز عليه أيضاً فيما يتعلق بشهر رمضان المبارك: ما يمثله من قربة عظيمة إلى الله -سبحانه وتعالى- وما يترتب عليه من عطاء إلهي في الدنيا والآخرة، فهو موسم خيرٍ عظيم، موسم خير، الأجر فيه كبير، الفضل فيه كبير، القيمة للأعمال الصالحة فيه قيمة عالية جدًّا، فهو موسم تجارةٍ رابحةٍ مع الله -سبحانه وتعالى- ويمكن أن يتحقق للإنسان خلال هذا الشهر المبارك من أثر الأعمال الصالحة، ومن نتائجها، وما يكتب عليها، ما لا يتحقق في غيره على مدى عمرٍ كامل وأكثر، أحياناً على مستوى أكثر من عمرٍ كامل؛ ولذلك يمكن أن يشكِّل هذا الشهر المبارك في أثره المبارك، وفيما يترتب على الأعمال فيه من نتائج وأجر مضاعف، أن يمثِّل رصيداً كبيراً جدًّا يضاف إلى أعمال الإنسان الصالحة، رصيداً عظيماً جدًّا يضاف إليها، فهو يمثِّل فرصة، نحن بحاجة إلى الله -سبحانه وتعالى- بحاجة إلى العمل الصالح، بحاجة إلى ما يقرِّبنا من الله، بحاجة إلى ما يساعدنا أن نحظى من خلاله برضوان الله -سبحانه وتعالى- ونأتي يوم القيامة ولنا من الأعمال الصالحة ما يثقِّل موازيننا، ألَّا نأتي يوم القيامة خاسرين، مفلسين من الأعمال الصالحة.
وفي هذا السياق نتحدث على ضوء نصٍ من رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- رواه عنه الإمام عليٌّ -عليه السلام- حيث قال: (خطب رسول الله -صلى الله عليه وآله- في آخر جمعةٍ من شهر شعبان)؛ وهو يسعى إلى التهيئة للمسلمين لاستقبال هذا الشهر المبارك بوعي، وإدراك لقيمته وأهميته، (فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس، إنه قد أظلَّكم شهرٌ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر)، وهذا من المزايا العظيمة لشهر رمضان المبارك، شهر رمضان من أوله إلى آخره هو شهرٌ مبارك، والأعمال فيه تضاعف عليها الأجور والحسنات، والبركات فيه من أول لحظةٍ يبدأ إلى آخره، ولكن مع هذا هناك ليلة في هذا الشهر المبارك ليلة اسمها: ليلة القدر، لها بركاتها الكبيرة جدًّا، والتي قال الله -سبحانه وتعالى- عنها: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: الآية3].
(شهرٌ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر)، وطبعاً ليلة القدر لم تحدد بشكلٍ قاطع في ليلةٍ معينة؛ حتى يبقى الإنسان مهتماً بالشهر المبارك بشكلٍ عام، (وهو شهر رمضان فرض الله عزَّ وجل صيامه)، يعني، وحاجتنا الملحة إليه.
(فرض الله عزَّ وجل صيامه، وجعل قيام ليلةٍ منه بتطوع صلاةٍ، كمن تطوع سبعين ليلةً فيما سواه من الشهور)، لاحظوا هذه المضاعفة الكبيرة، تطوع صلاة فيه (كمن تطوع سبعين ليلةً فيما سواه من الشهور)، إلى هذا المستوى الكبير من مضاعفة الأجر والثواب، ومن الأثر الإيجابي لما يقدَّم فيه من الأعمال الصالحة، (وجعل لمن تطوَّع فيه بخصلةٍ من خصال الخير والبر)؛ لأن مجال الخير ومجال البر واسع، يشمل أعمالاً كثيرة مما أمر الله بها وأرشد إليها في كتابه الكريم، فالله (جعل لمن تطوع فيه بخصلةٍ من خصال الخير والبر، كأجر من أدَّى فريضةً من فرائض الله عزَّ وجل فيما سواه)؛ لأن الفرائض أجرها كبير، وموقعها في الأعمال الصالحة موقعٌ عظيم، هي في المستوى الأعلى من الأهمية والأجر والفضيلة، ومع ذلك ترتقي الأعمال التطوعية لتصل إلى مستوى الفرائض فيما عدا شهر رمضان من حيث القيمة، والبركة، والأجر، والفضل، يعني: فضل عظيم، وأجر كبير.
(ومن أدَّى فريضةً من فرائض الله عزَّ وجل فيه، كمن أدَّى سبعين فريضةً من فرائض الله عزَّ وجل فيما سواه من الشهور)، فالمضاعفة إلى سبعين، (وهو شهر الصبر)، في هذا الشهر نتعلم الصبر، ونتعود على التحمل وقوة التحمل، الصبر بكل ما يمثله من أهمية، وهو في منزلته من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، لا بدَّ منه، لا يتحقق الإيمان إلَّا به، ولا يتحقق الفوز إلَّا به، ولا النجاة إلَّا به، (وهو شهر الصبر)، فالصبر يعتبر مكسباً عظيماً، حيث نتروض ونتعود على الصبر الذي لا بدَّ منه في هذه الحياة لتحمل الأعباء، وكذلك المواجهة للصعوبات والشدائد، ولامتلاك القدرة على التحمل للمسؤوليات والأعمال الصالحة.
(وإنَّ الصبر ثوابه الجنة)، الصبر له هذه الأهمية الكبيرة: (ثوابه الجنة)، (وهو شهر المواساة) هذا جانبٌ من بركات هذا الشهر على مستوى رزق الإنسان المؤمن.
(ومن فطَّر فيه مؤمناً صائماً كان له عند الله -عزَّ وجلَّ- بذلك عتق رقبة، ومغفرةٌ لذنوبه فيما مضى)، كذلك أجر عظيم على الإطعام والإحسان للناس في احتياجاتهم الغذائية؛ لأنالبعض قد يواجهون الظروف المعيشية الصعبة، لا سيما في هذه المراحل، بما فيها من أحداث كبيرة، وتحديات وظروف صعبة: حروب، أزمات اقتصادية، معاناة على المستوى الاجتماعي، فهناك أجر كبير وفضل عظيم لمن يساهم ويتعاطف ويقدِّم للآخرين طعاماً يفطرون عليه، احتياجاتهم الغذائية، إلى هذا المستوى العظيم: (كان له عند الله -عزَّ وجلَّ- بذلك عتق رقبة)، وهذا أجر كبير، وفضل عظيم جدًّا، ومغفرةٌ أيضاً، الإنسان يكسب المغفرة إذا كان من المنيبين إلى الله، الراجعين إلى الله، والمقلعين عن الكبائر.
(فقيل له: يا رسول الله ليس كلنا يقدر على أن يفطِّر صائماً)؛ لأن البعض قد تكون لهم ظروف صعبة، فكيف يفعلون لينالوا هذا الفضل، ليحصلوا على هذا الأجر، فقال: (إنَّ الله تعالى كريم، يعطي هذا الثواب من لا يقدر إلَّا على مذقةٍ من لبنٍ يفطِّر بها صائماً، أو بشربةٍ من ماءٍ عذبٍ، أو تميراتٍ لا يقدر على أكثر من ذلك)، من لديه ظروف صعبة، كان منتهى قدرته أن يقدم ولو شربةً من ماءٍ عذب، يحصل على هذا الأجر الكبير، ولا يحرم منه.
(ومن خفف فيه عن مملوكه، خفف الله -عزَّ وجلَّ- حسابه، فهو شهرٌ أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره إجابةٌ وعِتقٌ من النار)، شهر مبارك، شهر عظيم، شهر يعتبر موسماً مهماً من مواسم الخير العظيمة، (أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره إجابةٌ وعتقٌ من النار)، فالإنسان بحاجة إلى أن يهتم من أوله، وأن يسعى للعناية به من أوله، ولذلك عندما ندرك أهمية هذا الشهر المبارك على المستوى التربوي، أيضاً الأثر العظيم له على مستوى ما يتعلق بواقع الحياة، وعلى مستوى القربة إلى الله -سبحانه وتعالى- أيضاً على المستوى الصحي، من أهم ما فيه أنه يدخل ضمن المعنى العام للوقاية على المستوى الصحي أيضاً، وهذه النقطة- إن شاء الله- سنتحدث عنها لاحقاً في المحاضرات القادمة بإذن الله؛ لأنها نقطة مهمة، على المستوى الصحي هناك أهمية كبيرة جدًّا لصيام شهر رمضان، وآثار إيجابية للغاية، سنتحدث عنها- إن شاء الله- لا حقاً.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك 1441هـ