الله -سبحانه وتعالى عندما قال في الآية المباركة: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} قدم أول معالجة مهمة جدًّا، وهي المعالجة للواقع النفسي: الخشية من الفقر، والخوف من الفقر، والقلق من الفقر، هذا العامل النفسي- بحد ذاته- يؤثر على الكثير من الناس، ويدفعهم إلى تصرفات إجرامية في كثيرٍ من الحالات، أو يدفعهم إلى ارتكاب الخيانات والأفعال المحرمة والتصرفات الخاطئة، فالعامل النفسي المتمثل بالقلق من الفقر، أو حالة اليأس وانعدام الأمل، تمثل مشكلة بحد ذاتها، والإنسان إذا امتلك الأمل والثقة بالله -سبحانه وتعالى- والاطمئنان النفسي تجاه الرزق، فهذا سيساعده في أن ينطلق في ميدان العمل في الأخذ بالأسباب من واقعٍ نفسيٍ متوازنٍ ومطمئن، الحالة القلقة، حالة اليأس، الاضطراب النفسي الشديد، الهم القاتل، الهم الكبير، الضغط النفسي الشديد يؤثر على الكثير من الناس، وبالذات إذا كانت طبيعة الأسرة مقلقة، مثلاً: البعض طبيعة زوجته مقلقة جدًّا، تطالبه بإلحاح شديد، وتضغط عليه بشكل متكرر، وتبدي انزعاجها الشديد، وتطلق العبارات الجارحة والعبارات المحطمة، والعبارات المزعجة والمستفزة، والأولاد بعضهم كذلك، فيعيش البعض من الناس في هذا الجو الضاغط المقلق المزعج، ويندفع بغية توفير المال، بغية توفير المتطلبات التي تطالب بها أسرته لفعل أي شيء: قد يكون جريمةً، قد يكون خيانةً، قد يكون فعلاً محرماً، وهذه حالة خطيرة جدًّا، والإنسان المؤمن، الإنسان المسلم حظي في القرآن الكريم برعاية وهداية واسعة، جانبٌ منها يتجه إلى هذا الجانب النفسي الحساس والمهم بالأول هو، فالله -جلَّ شأنه عندما قال: {نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم}، هذه طمأنة كبيرة، الله تكفل -سبحانه وتعالى- بالرزق، لا تحمل هذا الهم وكأنك أنت الرزاق، كأنك أنت من يرزق نفسك ويرزق أسرتك ويرزق أولادك ويرزق الآخرين، هذا إلى الله، هذا هو إلى ربنا -سبحانه وتعالى- الكريم، الغني، الحميد، الوهاب، المنان، ذو الفضل الواسع العظيم، لا تقلق نفسك بشكلٍ زائد، لا تُذهِب نفسك بالهم والحسرات. |لا| اطمئن وخذ بالأسباب الصحيحة، خذ بالأسباب الصحيحة وتقيد عندها، ونجد آيات كثيرة تلاحظ هذا الجانب النفسي، مثل قول الله -سبحانه وتعالى- فيما يحكيه عن نبيه إبراهيم وهو يخاطب قومه: {فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ} [العنكبوت: من الآية17]، ابتغوا عند الله، ابتغوا عنده من خلال الالتجاء إليه، من خلال الأخذ بالأسباب: أسباب رحمته، أسباب فضله، أسباب رضوانه، أسباب نيل الخير منه، {فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ}.
نجد في القرآن الكريم كذلك الوعد الإلهي المقترن بالتقوى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3]، نجد مثل قول الله -سبحانه وتعالى-: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق: من الآية7]، فالقرآن يعزز الأمل والاطمئنان والثقة بالله -سبحانه وتعالى- وإذ عشت في مرحلة معينة ظروفاً صعبة نتيجة واقع معين أو ظروف معينة على مستوى واقعك الشخصي، أو على المستوى العام، فاعتبر أنها قد تكون مرحلة، قد تكون ظروفاً معينة، وقد تعبر منها، وقد تتجاوزها، وقد يأتي الفرج، وقد تكون حالة اختبار- بحد ذاتها- هل ستصبر عند تلك الظروف، قد يكون لها أسباب معينة، تقصير في الأخذ بأسباب عملية لكسب الرزق والحصول على الرزق.
فالمعالجة الأولى في الإسلام وفي القرآن الكريم وفي توجيهات الله -سبحانه وتعالى- تأتي إلى الواقع النفسي: وهذه معالجة في غاية الأهمية، وإذا عمل الإنسان استقصاءً لكثيرٍ من الجرائم والخيانات والتصرفات المحرمة التي هي بهدف الحصول على المال، أو الحصول على متطلبات مادية معينة، فأول وأكبر عاملٍ فيها هو القلق النفسي، هو الاضطراب، هو الضغط النفسي، هو اليأس الذي لدى البعض؛ فيتجه إلى وسائل وبدائل محرمة.
الإنسان الذي يعيش الأمل، الثقة بالله -سبحانه وتعالى- هذا يجعله حتى محط رعاية من الله، محط رعاية وفضل من الله أن يرحمه الله، أن يغيثه الله، أن يعينه الله، كيف يترك الله من يثق به، من يتوكل عليه، من يأمل فضله، من يرجوا رحمته؟! هو أكرم من أن يترك إنساناً كهذا، أن يهمله، ألا يلتفت إليه، وهو يلتجئ إليه من هذا الواقع الإيماني.
فبالالتجاء إلى الله والأمل بالله والدعاء، مع الصبر، مع القناعة؛ لأن البعض مشكلتهم أيضاً أنهم يفتقدون القناعة، لا يمتلكون القناعة، يعيشون حالة من الطمع الكبير والآمال والطموحات الكبيرة، ولا يقدرون الظروف والمراحل، يأتي إلى مرحلة حساسة أو صعبة أو مهمة ويريد أن يعيش فيها حالة الرفاهية، أن يمتد في توفيره وفيما يحصل عليه إلى أشياء هناك يعني: شكلية، هامشية، أشياء ليست في قائمة الضرورات (الأشياء الضرورية)؛ وإنما في قائمة الرفاهية والسعة الزائدة، ولا يقدِّر للظروف تقديرها.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
من المحاضرة الثالثة عشر المشكلة الاقتصادية
آفاق واسعة لحلول ومعالجات ناجعة
سلسلة المحاضرات الرمضانية 1440هـ المحاضرة الثالثة عشر
مايو 20, 2019