إن أمتنا الإسلامية تحتاج إلى النظر بجدية واهتمام إلى واقعها الخطير جداً والسيئ للغاية، ومعاناتها الكبيرة، ووضعها المزري، وحالة السقوط المدوِّي المستمر الذي هي فيه، وحالة الشتات والجهل والفرقة, وضياع المبادئ والأخلاق، وحالة الذل والهوان، وحالة الشقاء والعناء، وحالة الظلم والقهر والأسى، وحالة الهيمنة عليها من أعدائها السفاحين الحاقدين المجرمين شرار أهل الأرض.
في كل هذه الحالات فإن الأمة الإسلامية في المنطقة العربية ومناطق أخرى من العالم أسوأ وضعية وأحط مقاماً وأكثر ذلاً وهواناً وأفظع ظلماً وعناءً بين كل أمم الأرض، وتدور على رأسها رحى المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية، وزاد من سوء وضعها ومن حجم معاناتها الدور السيئ والسلبي والمخزي والمعيب لزعمائها وحكوماتها وجيوشها؛ حيث تحولت تلك الأنظمة والحكومات والجيوش في معظمها وبدون خجل ولا ضمير ولا مسؤولية إلى أداة قذرة مخلصة لأعداء الأمة، ولا تتورع من فعل أي شيء ضد شعوبها وأبناء أمتها مهما كان ظلماً ومهما كان عاراً، ومهما تنافى مع الإسلام ومع القيم الإنسانية والفطرية، كما حدث في بلدنا اليمن في الحرب السادسة؛ حيث استباح الأعداء - بتعاون بين النظام الظالم وأعداء الخارج - كل الحرمات، وتجاوزوا كل المبادئ والخطوط الحمراء، وقتلوا المئات من الأطفال، أكثر من ثلاث مائة طفل، والمئات من النساء، واستهدفوا الحياة بكل أشكالها، إضافة إلى الدين والمقدسات وبدون حق ولا مبرر.
وحال غير اليمن بالنسبة لبقية الشعوب ليس أيضاً بخير، وأمام واقع كهذا، حينما تكون أنت أخي المسلم مستهدفاً، يسعى المجرمون الأعداء إلى إذلالك إلى قهرك، إلى استعبادك ليحولوك عبداً لهم، إلى إفسادك، إلى هدر كرامتك، إلى التحكم عليك بغير حق، إلى تعذيبك، إلى إهانتك، إلى استغلالك، إلى إهلاكك، إلى أن يجعلوك تخسر كل شيء, دنياك وأمنك وعزتك وكرامتك التي منحك الله كإنسان، وآخرتك ومستقبلك الأبدي مع الله، ألا ينبغي أن يكون عندك اهتمام ونظر والتفات إلى نفسك وشأنك؟! ألا يهمك أنت نفسك؟ ألا يهم هذه الأمة المخاطر التي تحيط بها؟ لا أسوأ من أن ينسى الناس أنفسهم، لا أسوأ من ألاَّ يفكروا في أمرهم، لا أسوأ من بقائهم على حال كهذا ينتظرون أعداءهم يفعلون بهم كلما يشاءون ويريدون، وينتظرونهم لإكمال مخططاتهم ومؤامراتهم دون أن ينظروا فيما يغيِّر واقعهم، ويصلح وضعهم.
أم أن التجاهل واللامبالاة ستصلح وضع هذه الأمة، وتمنحها بدلاً من الذل عزا، وبدلاً من الفرقة اجتماعاً وتوحدا، وبدلاً من الشقاء والعناء سعادة واستقراراً، وبدلاً من الهوان وهيمنة الأعداء كرامة وسيادة واستقلالاً! كلا.
إن التجاهل واللامبالاة إنما يسهم في استحكام قبضة الأعداء وإنجاز مؤامراتهم، كما يسهم في استحكام حالة الغباء والإهمال والكسل والهوان لدى الأمة، وانعدام البصيرة وانسداد الأفق.
إذاً لا التجاهل واللامبالاة ينفع الناس، وكذلك انتظار الآخرين أو انتظار المجهول، إذا كان بعض الناس يراهنون على الحكومات لإصلاح وضعهم والدفاع عنهم وإنقاذهم فإنهم أكثر من أغبياء، كيف يمكن أن يهتم بالدفاع عنك من يبادر إلى قتلك! كيف يمكن أن يهتم بك من يسرق ثروة بلدك! كيف يمكن أن يرعاك من يوالي أعداءك ويمتهنك! كيف يمكن أن تعتمد على حكومات لا يتوقع زعماؤها ومسؤولوها الحساب والمساءلة من شعوبهم فيدفعهم ذلك إلى الإخلاص لها والاهتمام بها! ولا هم أهل ضمير وأخلاق يستشعرون المسؤولية أمام الله فيتقوا الله في شعوبهم.
وهناك إضافة إلى حالة التجاهل واللامبالاة وحالة الرهان على الأنظمة والحكام حالة ثالثة لا تقل سوءاً عنهما وهي خطيرة جداً ومقيتة للغاية، وهي حالة الإحباط واليأس والهزيمة النفسية، فهناك الكثير من أبناء أمتنا الإسلامية في منطقتنا العربية وغيرها يدركون سوء الوضع وخطورة الواقع؛ لأن هذا الواقع السيئ فوق أن يخفى على أحد، لكن البعض محطمون ويائسون، ويرون فيه واقعاً محتوماً ولا مناص منه ولا سبيل للخروج منه، ولا إمكانية للتخلص منه، ويرون أنه لا مجال إلا الاستسلام أو انتظار القدر إن تدخل، وهذا خطأ كبير، وهو يأس من رَوح الله، وقنوط من رحمته، وجهل بكرمه وفضله على عباده ورأفته بهم.
وهناك حالة رابعة خاطئة وغبية، من ينتظرون أن يتدخل الله ويغيِّر وضع هذه الأمة دون أن تتحمل الأمة مسؤوليتها، ودون أن تفعل شيئاً، ودون أن تسعى لإصلاح وضعها الداخلي الذي هو السبب الأكبر فيما وصلت إليه، وينسف هذه الفكرة الخاطئة قول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد: 11), وينسفها قول الله تعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}(محمد:7), وينسفها قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): ((لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يُستجاب لهم)), ويتعارض هذا التفكير وهذه الرؤية الخاطئة مع منهجية الله في إقامة دينه وحركة أنبيائه ورسله وخطاب كتابه وثقافة قرآنه الكريم.
وهنا نصل إلى نقطة مهمة جداً وهي أن السبيل والمخرج والطريق الصحيح أمام هذا كله هو العودة الواعية والرجوع الصادق الواعي إلى الله ملك السماوات والأرض، الرحمن الرحيم، المقتدر القاهر الجبار، العزيز الحكيم الحميد، ملك الناس، وإله الناس، ورب الناس، رب العالمين، والرجوع الواعي المبني على فهم صحيح هو الذي يعتمد كتاب الله ونوره وهديه العظيم منهجاً للتمسك به، والتثقف بثقافته، والاستبصار بنوره، والإتباع لتعاليمه، والولاء والعداء والعمل والموقف على أساسه، والتقييم والنظر إلى الأحداث من خلاله، ويعتمد على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قدوة وقريناً للقرآن، ورمزاً ومربياً ومعلماً وهادياً وقائداً ومنقذاً، رسم للأمة الطريق من بعده، ودل على الهدى وأعلامه للأمة من بعده.
وهنا ومن خلال هذا المفهوم بأهمية الرجوع الواعي إلى الله، وأن الصلة بالله من خلال هديه العظيم، وهداته الأولياء الدعاة إليه نلحظ قيمة المناسبة هذه ذكرى مولد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ففي طريق الرجوع إلى الله نرى أن الرمز الأول لهذه الأمة هو النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونحتاج إلى أن نعرف أشياء كثيرة عن رسالات الله ورسله وكتبه، ودورها في حياتنا، وعلاقتنا بها كيف تكون، ونعرف قيمتها في واقع الحياة، وأثرها في الإنسان.
أيها الإخوة إن الله ملك السماوات والأرض، والمدبر لشؤون السماوات والأرض، ملك هذا العالم، وموجد هذا الكون، وبارئ الحياة والخليقة، وهو الرحمن الرحيم الحكيم العظيم، والناس عباده، وهذا العالم تحت سلطانه وهيمنته، لم يترك هذا العالم، ولم يخلق خلقه عبثاً، ولم يتخلى عنهم، ولم يُهمِلهم، بل هو ملك مدبر عظيم رحيم كريم، وكرم الإنسان، وأسجد له الملائكة، وما أسوأ أن يغفل الناس عن ربهم وإلههم، أو يظنون فيه ظن السَّوء، أو يتوهمون أنه من طبع الحياة بطابع الظلم، أو ترك عباده مهملين عبثاً وتخلى عنهم.
إن هذا الكون وهذا العالم والأرض والسماء والخلق أجمعين مملكة الله وتحت سلطانه، وتتحكم بها سننه، وتنفذ فيها إرادته القاهرة، ونظمه الكونية، وكل يوم هو في شأن، يحيي ويميت، ويخلق ويرزق، ويعز ويذل، ويكرم ويهين، إلى غير ذلك من تدبيره الواسع.
وهو جل شأنه أوجد الإنسان في هذه الحياة لمسؤولية عظيمة, وكرَّمه وسخَّر له ما في الكون كله ما في السماوات وما في الأرض، وقدم للعباد ما يكفل سعادتهم وعزتهم وخيرهم في الدنيا والآخرة؛ لأنه رحيم بهم، ولأنه قائم بالقسط، وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق أرسل رسله وأنزل كتبه؛ لأنه الملك الرحيم، ولرسالته ودينه وهديه قيمة في واقع الحياة، فهي ليست مجرد إرشادات روحية تؤتي ثمرة محدودة، بل هي نظام شامل كامل للحياة، وصلة بالله يترتب عليها رحمة من الله, وتدبير واسع، وتدخل في حياة الناس، وفيما يُكتب لهم أو عليهم.
وعندما نعود إلى بعض الآيات القرآنية تتضح لنا المسألة أكثر، يقول الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد: 25), هكذا يوضح لنا غاية هامة من إرسال الرسل وإنزال الكتب {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} ومن أهم مضامين القسط هو العدل.
وفي هذا العصر فإن منبع معاناة الناس ومآسي البشر هو غياب العدل واستحكام الظلم حين تخلى الناس عن مسؤوليتهم في إتباع تعاليم الله وإقامتها في واقع الحياة وتطبيقها، وفيها يتحقق لهم العدل, ويسلموا من الظلم، فماذا كانت النتيجة؟ ألم يعُم الظلم كل مجالات الحياة؟! ألم يسيطر الظالمون؟! أليست معاناة الناس كبيرة نتيجة لسيطرة الظلم والظالمين؟ والظلم ليس مجرد عبارة تنطق بها الألسن، الظلم كارثة في حياة الناس ويمس واقعهم، الظلم استباحة لدمائهم بغير حق، الظلم إذلال لهم بغير حق، الظلم سجنهم بغير حق، الظلم إفسادهم للإنسان والحياة، الظلم لهم في معايشهم في غذائهم في طعامهم في شرابهم، الظلم إضلال للناس، الظلم استعباد وقهر، الظلم امتهان للكرامة والعرض، الظلم تدمير للحياة وتحويلها إلى بلاء ومحن وآلام وعذابات ومتاعب رهيبة في كل مجالات الحياة.
إذاً ليس الظلم شيئاً هيناً يتغاضى الناس عنه ولا يبالون بأمره، وليس أمراً بسيطاً وسهلاً بحيث يمكن التعايش معه والقبول به والصبر على تقبله، والظلم ليس له حدود يقف عندها، بل إنه يتطور وينمو ويتزايد إذا لم يقف الناس بمسؤولية لإيقافه عند حده وإقامة العدل في الحياة بدلاً عنه.
والظالمون ليسوا قديسين ولا ملائكة ولا أبراراً ولا رحماء ولا إنسانيين، بل هم مجرمون، بل هم مجرمون قد أزالوا من أنفسهم الخير الفطري والضمير، فهم يرتاحون لمعاناة الناس، ويسعدون بشقاء الناس، ويفرحون حين يُلحقون بالناس الأذى والعذاب، وإذا قتلوا بطائراتهم وأسلحتهم أطفالاً صغاراً ومزقوا أجسادهم إلى أشلاء بقنابلهم فإنهم حينذاك يشعرون بالراحة والاغتباط والكبرياء والعزة، ويرون أنهم أحرزوا بذلك نصراً.
واليوم السعيد، واليوم العيد بالنسبة لهم هو اليوم الذي يزهقون فيه أرواح الناس العاديين في أسواقهم أو في مساجدهم، يُعتبر ذلك عيداً لهم ومناسبة فرح وابتهاج، إنهم طغاة مجرمون سفاكون سفاحون يُمثلون خطراً على البشر وعلى حياتهم وعلى أمنهم وعلى سلامتهم، وإن موقف الإسلام منهم، وموقف القرآن منهم الذي يلعنهم ويقوم ضدهم، ويحدد المواقف منهم، وموقف التابعين للقرآن منهم هو موقف قائم على أساس الحق والعدل.
ولهذا - أيها الإخوة - فإن غاية أساسية وهدفاً أساسياً لرسالة الله ورسله وكتبه, بما تقدم من تعليمات وإرشادات وأوامر ونواهي وبصائر، هذه الغاية وهذا الهدف هو إقامة العدل وتحقيقه في الحياة وعلى الأرض؛ ليسعد الناس ويهنؤوا بحياتهم، وتصلح لهم دنياهم وآخرتهم, ويرتاحوا من عناء الظلم والظالمين.
إذاً هذا جانب مهم من العلاقة بالرسول والقرآن، علاقة قائمة على الإتباع والعمل والتطبيق والالتزام والموقف والعداء، توصل هذه العلاقة وهذا الارتباط إلى تحقيق العدالة، وإزالة الظلم والظالمين، لا يقتصر الأمر على الهتاف في المآذن أو في الصلوات بأن محمد رسول الله، هذا لا يكفي، يلزم الإتباع، يلزم الإقتداء، يلزم التمسك والسير على نفس النهج الذي يثمر هذه الثمرة في حياة الناس عزة وعدالة وصلاحاً وخيراً عظيماً.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بمناسبة المولد النبوي الشريف
للعام الهجري 1431هـ