يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في القرآن الكريم: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}[محمد: الآية31]، صَدَقَ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيم.
على أعتاب الشهر السادس، وفي الأسبوع الحادي والعشرين، ولليوم المائة والسادس والأربعين، يواصل العدو الإسرائيلي جرائمه البشعة، وعدوانه الغاشم الظالم على قطاع غزة، مستمراً في مسلكه الإجرامي الوحشي، في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية الشاملة، وفي كل يوم، بحماية وشراكة أمريكية، وبدعمٍ ومساندةٍ من الدول الغربية، وفي مقابل تخاذلٍ عربيٍ واسع، ومن معظم البلدان الإسلامية.
الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، في سيطرتها ونفوذها الممتد إلى عالمنا الإسلامي، وإلى كثيرٍ من البلدان، قَدَّمَت نفسها على أنها تُجَسِّد القيم الإنسانية، وَرَكَّزَت على عناوين: (الحُريَّة، والعدالة، وحقوق الإنسان، والمساواة)، وداخل عنوان (حقوق الإنسان) قائمة طويلة من الحقوق، وسلسلة متنوعة من الحقوق، على المستوى الفردي والمستوى الجماعي، للشخص نفسه، وللشعوب نفسها، كذلك على مستوى حقوق المرأة، حقوق الطفل... وغير ذلك. على رأس تلك الحقوق الحق في الحياة، ويتلوه الكثير من الحقوق التي يُقَدِّمونها، بل ليس فقط على مستوى الإنسان وحقوق الإنسان، بل وحتى حقوق الحيوان.
لكن على مستوى الممارسات، والسياسات، والمواقف، والأعمال، هناك تناقضٌ تام ومعاكس بشكلٍ كامل، ما بين تلك العناوين التي يرفعونها ويدَّعون أنهم رُعاتها، وأنهم يطبقونها، وأنهم يتحركون لتصل إلى بقية البلدان، ولتطبق في بقية البلدان، المستوى العملي هم يتناقضون معها تماماً وبشكلٍ كامل، في سياساتهم، في مواقفهم، في أعمالهم، ومظلومية الشعب الفلسطيني منذ بدايتها على مدى عقودٍ من الزمن وإلى اليوم، إضافةً إلى مراحل التصعيد، التي يحصل فيها تصعيد من جانب العدو الإسرائيلي، ومنها العدوان القائم على غزة، هي تفضح الغرب والدول الغربية بشكلٍ عام، وتفضح أمريكا، الأكثر ادعاءً وتشدقاً وتغنياً بتلك العناوين، والأكثر تناقضاً معها في سياساتها، ومواقفها، وأعمالها، وتصرفاتها، إضافةً إلى الأحداث التي حصلت في مختلف بقاع العالم، في عالمنا الإسلامي، في كثيرٍ من الدول التي استهدفتها أمريكا، واستهدفتها الدول الغربية، وفي أفريقيا بشكلٍ عام، وفي كثير من البلدان الآسيوية، وفي بلدان أمريكا اللاتينية.
حجم الإجرام الصهيوني، الذي تشارك فيه أمريكا بشكلٍ مباشر، وترعاه، وتحميه، وتدعمه، وأيضاً يدعمه ويسانده الغرب بشكلٍ رسمي، قد تجاوز كل تصور، وانتهك كل المحرمات وكل الحرمات، العنوان الأول لذلك الإجرام هو: الإبادة الجماعية، عنوان رهيب، عنوان فظيع، عنوان خطير! لا ينبغي أن يمر على مسامعنا بشكلٍ عادي، وكأنها جملة عادية (الإبادة الجماعية)، الإبادة الجماعية يستبيحون بها حياة شعب، ويهدرون بها حياة أمة، ويمارسون في إطار هذا العنوان القتل الجماعي، للرجال والنساء، والكبار والصغار، وينتهكون الحق الأول (حق الحياة)، وهم يمارسون هذا الإجرام (جرائم الإبادة الجماعية) بشكلٍ بشع، وبشكلٍ يومي في فلسطين (في غزة)، في كل يوم وفي كل ليلة.
بلغ عدد المجازر: (ألفين وسبعمائة وخمسة وثلاثين) مجزرة إبادة جماعية، هذا عدد مهول، هذا عدد كبير، خطير! مجازر للإبادة الجماعية، والقتل الجماعي الشامل، للأطفال والنساء، والمستهدف به هم من؟ المدنيون، المدنيون في مساكنهم، في أماكن إيوائهم، في المدارس التي يقطنون فيها، في بيوتهم، في مختلف المناطق التي هي مدنية، (ألفين وسبعمائة وخمسة وثلاثين) مجزرة إبادة جماعية، من بينها المجزرة الجديدة التي حصلت البارحة، مجزرة إبادة جماعية بشكلٍ وحشي وهمجي وعدواني، بعد أن دخلت القليل من شاحنات الإبادة إلى شمال القطاع، تجمع الأهالي الجائعون المعانون المحاصرون حولها بالآلاف، فقام العدو الإسرائيلي باستهدافهم بالدبابات، وبالقناصات؛ مما أدى إلى استشهاد وجرح المئات منهم، فهو جعل تجمعهم على تلك الشاحنات للحصول على القليل من الغذاء، جعله فخاً يستهدفهم من خلاله، ويقتلهم، ويحاول أن يَحُوْل بينهم وبين الحصول على القليل من الطعام؛ لأنه يسعى إلى الإبادة الجماعية، إجرام رهيب جدّاً، إجرام رهيب جدّاً!
العدو يستمر أيضاً في مسلكه الإجرامي أيضاً، في الاستهداف بالقتل لأبناء الشعب الفلسطيني، خارج أيضاً إطار الإبادة الجماعية، القتل على مستوى الأشخاص هنا وهناك؛ ليلحقهم بالإبادة الجماعية، مجازر جماعية، وقتل، استهداف لهم في الطرقات، استهداف لهم أينما كانوا، استهداف للأطفال، استهداف للكبار، للصغار، للنساء بالقتل، كل هذا أيضاً يدخل ضمن تصنيف الإبادة الجماعية، ما كان منها بشكل مجازر جماعية، وما كان منها استهدافاً بذلك الشكل المتفرق، كله يدخل تحت عنوان (الإبادة الجماعية). يستهدف بالقتل حتى الحيوانات الأخرى، ليس فقط البشر، والبشر أغلى في حياتهم ووجودهم، يستهدف حتى الأغنام بالقناصة، يقتل الأغنام بالقناصة، يستهدف كل شيءٍ هناك.
إجمالي عدد الشهداء، والمفقودين، والجرحى، والأسرى: بلغ أكثر من (مائة ألف وأربعة عشر ألف وخمسمائة) من سكان غزة، يعني: نسبة مئوية من السكان تكاد أن تصل إلى نصف عُشر السكان، وهذا إجرام رهيب جدّاً، نسبة كبيرة من السكان، ليس فقط عدداً محدوداً منهم، بل نسبةً من السكان، منهم شهداء، منهم جرحى، منهم أسرى.
أمَّا على مستوى الوضع الصحي، ومع تدمير العدو للمنشآت الصحية، بل اعتبر من أهدافه الأساسية: التدمير للمستشفيات، والاقتحام العسكري لها بالدبابات، والطائرات المسيَّرة، والجنود، والاقتحام لها، والاستهداف للكوادر الصحية، ومنع الأدوية والمستلزمات الطبية من الوصول إليها، منع الغذاء والدواء، ومع التدمير الشامل وبقاء عدد كبير من الجثامين تحت الأنقاض، وكذلك جثامين البعض من الشهداء لا تزال في الشوارع، مع كل ذلك تنتشر الأمراض المعدية، التي شمل الإحصاء المصابين بها قرابة ثلث السكان، ومعظمهم من الأطفال، النسب أصبحت نسب مئوية، يعني: عندما نأتي إلى أن ما يقرب من ثلث السكان أصبحوا مصابين بالأمراض المعدية، من غير من هم مصابون بالأمراض المزمنة، والذين يحتاجون إلى الخروج للعلاج، البعض يحتاج إلى الخروج من غزة إلى بلدان أخرى ومنعوا من ذلك، هذه نسبة كبيرة جدّاً، معظم الأطفال أصبحوا يعانون من الجوع والمرض.
أمَّا على مستوى الحصار والمجاعة، فالعدو شدد الحصار عليهم، وحرص على الإبادة بالتجويع، كأسلوب وسلوك من سلوكه الإجرامي، العدو يستمر في منع الغذاء، وتشديد الحصار، وتقليص الشاحنات التي كانت تدخل بالأغذية والأدوية، بالأغذية بالدرجة الأولى، وهي كانت فيما قبل- قبل تشديده للحصار- لا تلبي نسبة (5%) من احتياج الأهالي في غزة، يعني: نسبة ضئيلة جدّاً، ومع ذلك قلَّصها إلى النصف، قلَّصها إلى النصف وهي بهذه الندرة والقلة، وفي نفس الوقت يؤخر بعضها من الدخول، هذه القلة القليلة جدّاً من الشاحنات التي تحمل الأغذية، يوقف البعض منها؛ حتى تتعفن المواد الغذائية التي عليها، فلا يستفيد منها الأهالي، وبعض المواد الغذائية بعد وصولها يأخذها (العدو الإسرائيلي)، ويضعها في الشارع، ثم تتحرك الدبابات وتدهسها وتسحقها؛ لتحرم الشعب الفلسطيني منها، وهناك مشاهد فيديوهات لهذا الأسلوب الإجرامي، يضع معلبات المواد الغذائية في الشارع، ثم يَعْبُر من فوقها بالدبابات، مستخفاً بجوع ومعاناة الشعب الفلسطيني، حتى بجوع الأطفال.
ولذلك هناك معاناة كبيرة جدّاً، مع الاستهداف أيضاً بالقتل لعمال الإغاثة، هناك عددٌ كبيرٌ منهم استشهدوا، وبعض منهم جرحوا، هناك أيضاً استهداف للأهالي عندما يجتمعون على الشاحنات القليلة والنادرة، التي تصل إليهم وتدخل بقليل من المواد الغذائية لا تساوي شيئاً في مقابلة جوعهم واحتياجهم، يستهدفهم العدو حينها.
العدو جعل أيضاً من أهدافه الأساسية للقصف والتدمير: المخابز والأفران، وأهالي غزة كانوا يعتمدون عليها بشكل أساسي في الحصول على الخبز، فجعلها مثلما المستشفيات، أهداف أساسية لقصفه، على مستوى القصف الجوي والقصف البري، بالطائرات، والقذائف كذلك.
في شمال القطاع هناك قرابة (سبعمائة ألف مواطن) يعيشون مأساة كبيرة، مع أن كل أهالي غزة يعيشون مأساة حقيقية، ومعاناة كبيرة، ومجاعة، لكن المأساة أكثر منها عن بقية القطاع في شمال القطاع، المأساة كبيرة فوق مستوى الكارثة، الجوع والقصف، وصل الحال بالأهالي أن اضطروا إلى أكل أوراق الشجر حيث تتوفر، حتى انعدمت، وأيضاً أعلاف الحيوانات، وفي بعض الحالات تسبب ذلك بتسمم غذائي لبعض الأطفال أدى إلى وفاتهم، منهم من يتوفى من الجوع، ومنهم من يتضرر بأكل أعلاف الحيوانات بالتسمم، ثم يؤدي ذلك إلى وفاته، البعض منهم أكلوا شجرة (الصبر المر) من شدة الجوع، حيث توفرت، ووصل سعر كيس القمح الذي هو (25 كجرام) إلى (ألف وثلاثمائة دولار)، يعني هذا حيث يتوفر، يتوفر بنسبة بسيطة جدّاً بشيء محدود وضئيل، يصل إلى هذا السعر الكبير جدّاً، يعني: يصل ما يساويه مثلاً في بلدنا في اليمن أكياس القمح عادةً ما تكون (50 كجرام)، عندما نحسب القيمة بهذا المستوى، يصل ما يقارب الـ(50 كجرام) إلى أكثر من (مليون وثلاثمائة يمني) في عملتنا اليمنية، يعني: سعر مرتفع جدّاً، قد يكون هو الأعلى في العالم، أعلى سعر في العالم للقمح؛ نتيجةً لذلك الحصار الشديد والمجاعة الكبيرة. هناك وفيات من الجوع، وتكثر هذه الوفيات وتتوسع في فئة الأطفال، والمرضى، والنساء الحوامل، والنساء المرضعات، حيث تتضرر هذه الفئات، كبار السن يتضررون جدّاً من سوء التغذية وانعدام الطعام والجفاف، ويؤدي هذا إلى وفياتهم.
في نفس هذا السياق، ومع هذه المجاعة والمعاناة الشديدة، وجَّه العدو الإسرائيلي رسائل إلى الأهالي في شمال القطاع، يحثهم على النزوح من شمال القطاع؛ للتخلص من هذه المشكلة، من هذه المأساة، من هذه الكارثة، نتيجةً لحصاره، من الجوع الشديد، فتحرك البعض منهم ومن الشوارع التي حددها في رسائله، حدد لهم شوارع معينة ليعبروا منها بالأمان، فما إن تحرك البعض من تلك الشوارع نفسها حتى تلقتهم الدبابات، واستهدفوا بالقناصة والدبابات، وقُتِل منهم عددٌ في الشوارع، استشهد العديد منهم في الشوارع.
أصبح الحال في غزة أن جميع الأطفال تقريباً يواجهون المجاعة، البعض يعني الأكثرية منهم، ما يقرب (95%) من السكان لا يشبعون، لا يحصلون من الطعام ما يشبعهم، ما يشبع جوعهم، شيء محدود يحصل عليه البعض من الطعام دون مستوى الشبع، وهناك مئات الآلاف منهم من يعيشون حالة مجاعة حقيقية، ومعاناة كبيرة جدّاً، هذا على مستوى الحصار، ومنع الغذاء، ومنع الدواء، ومنع ضروريات الحياة ومقومات الحياة، فما بالك ببقية المجالات.
مجال التعليم أصيب بالشلل التام، استهداف للطلاب والطالبات، استهداف للمدارس، كثيرٌ من المدارس دُمِّرَت بشكلٍ كامل، البعض منها بشكلٍ جزئي، البعض منها أصبحت مكتظة بالنازحين لا يمكن الاستمرار في الدراسة فيها، الطلاب والمدرسون عرضة للاستهداف، وجزء من هذه المعاناة بكلها، الاستهداف بالقصف، بالقتل، بالدمار، بكل أشكال المعاناة.
المقومات الأخرى ومنها المياه، المياه لم يعد يتوفر للأهالي في قطاع غزة مصادر للمياه النقية؛ إنما مصادر ملوثة، البعض وصل بهم الحال أن يضطروا للشرب من مياه البحر، والبقية مياه ملوثة، ينتج عنها انتشار الكثير من الأمراض.
أمَّا الدمار والخراب فشمل (80%) من البنية التحتية، غالبية المدن أصبحت أكواماً من الخراب والدمار، والكل يشاهد هذا في التلفزيون، من يشاهد التلفزيون يشاهد مشهد المدن، القرى، البلدات، كيف أصبحت أكواماً مدمرة ومخربة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
كلمة السيد القائد حول آخر التطورات والمستجدات
الخميس 19 شعبان 1445هـ 29فبراير 2024م