نأتي الآن إلى نقطة مهمة، إبليس هذا ومن معه من الشياطين، الشيطان الكبير فيهم، شيطانهم الأول، ثم من معه من الشياطين من الجن- وسيأتي أيضاً الحديث عن شياطين الإنس- من هو هذا إبليس؟ ما هي قصته؟ ما سبب مشكلته الكبيرة هذه مع آدم ومع بني آدم؟ لماذا يعادينا كل هذا العداء؟ وما أصل مشكلته معنا؟ القرآن الكريم تحدث عن ذلك كثيراً في سور متعددة، القصة قديمة، والحكاية قديمة جدًّا، وموجودة منذ وجود هذا الإنسان (في أول وجوده) حينما خلق الله النوع البشري (الإنسان) آدم -عليه السلام- أبا البشر عندما خلقه الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– وأراد الله أن يستخلف الإنسان في الأرض.
قبل مجيء الإنسان كان الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– قد خلق الملائكة، وخلق أيضاً بعد الملائكة وقبل خلق الإنسان، خلق الجن، قال جلّ شأنه: {وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ} يعني من قبل خلق الإنسان، ومن قبل مجيء الإنسان، خلق الله الملائكة قبل الجن (هذا مؤكد)، وخلق بعد الملائكة وقبل خلق الإنسان، خلق خلقاً آخر هم: الجان، {وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} [الحجرات: 27]، الملائكة مخلوقات مختلفة عنا، يعني ليست مخلوقات بشرية مركبة من نحو ما رُكبنا منه بالنسبة لنا كبشر، نحن خلقنا من الطين وبشكلية معينة، وبكيفية معينة، وبأجسام معينة، الملائكة مخلوقات مختلفة عنا، الجان أيضاً مخلوقات مختلفة عنا، ليست على نحو تركيبنا وأشكالنا وخَلْقِنا، مخلوقات مختلفة، ومن عنصر مختلف، نحن خلقنا الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– من طين هذه الأرض، أما الجان فخلقهم كما قال جلّ شأنه: {وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} من الحرارة، مخلوقات خلقها الله من اللهب: يعني من الحرارة، حرارة خالصة ليس فيها شوائب من الدخان أو شوائب أخرى، فخلقهم الله منها، لكن مخلوقات ذكية، مفكرة، عندها إرادة، عندها رغبة، عندها تفكير، عندها مَلَكَة وقدرة أيضاً عندها طاقة تقدر أن تفعل أفعالاً كثيرة، أن تصنع أشياء كثيرة، أن تعمل أعمالاً كثيرة، حكى الله عنها في قصة نبيه سليمان، كيف أن البعض منها كان مسخراً مع نبي الله سليمان في أعمال مختلفة: [البعض للغياصة في البحر واستخراج لآلئ البحر، البعض منها في الصناعة، البعض منها في أعمال البناء…] بمعنى أنها مخلوقات لديها طاقة عملية تستطيع أن تفعل أشياء كثيرة.
من الجن كان هناك إبليس، هو من الجن، كما قال في هذه الآية: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: 50] من الجن، إبليس هذا عَبَد الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– ولفترة زمنية طويلة، في بعض الروايات آلاف السنين، بقي لآلاف السنين يعبد الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– ويتقرب إلى الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– حتى أصبح في مصافِّ الملائكة، وقَطَن في السماء، انضم إلى صفوف الملائكة في السموات ليتعبد الله بين الملائكة حتى أصبح من ضمن الملائكة، يُؤمَر بما تُؤمَر به الملائكة، ويُوجَّه بما تُوجَّه به الملائكة، ويعيش الجو العبادي العظيم والمقدس في السموات بين أوساط الملائكة، يعني أنه ارتقى في عبادته لهذه الدرجة.
بعد زمن طويل، بعد آلاف السنين وهو قاطن بين أوساط الملائكة، وبعد حينٍ من الدهر، منذ أن خلق الله السموات والأرض، أعلم الله ملائكته بأنه سيستخلف في الأرض خليفة، قال الله جلّ شأنه للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، وقبل هذا كان الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– قد أعلم الملائكة عن الإنسان، وأعطاهم بعض المعلومات عن هذا الإنسان، وعن دوره على الأرض، وما سيعمله في هذه الأرض، طبعاً هذا بالنسبة للملائكة كان خبراً مثيراً، وكان له صدى، وَأَثَارَ- نستطيع القول إن صح التعبير- ضجَّة كبيرة بين أوساط الملائكة: ما قصة هذا المستخلف في هذه الأرض؟ ماذا سيعمل فيها؟ {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30]، على العموم الملائكة اقتنعت في الأخير، وهداها الله في الأخير، وأعطاها الدلائل على جدارة هذا الإنسان بالاستخلاف في الأرض، وأن طبيعة الدور الإنساني، وطبيعة الاستخلاف للإنسان في الأرض تختلف عما يناسب الملائكة، وعن طبيعة الملائكة، وعن دور الملائكة، أنه دور يختلف، لا تتناسب معه الملائكة لتكون هي التي تستخلف في هذه الأرض. |لا| بل إن الذي يتناسب بطبيعة خلقه، وتركيبه، وما يناسبه هو الإنسان الذي يتناسب مع هذا الدور، وصلت الملائكة إلى قناعة تامة، واعتذرت من الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32]، وسلموا لله تسليماً تاماً تجاه هذا الأمر.
ولكن بعد أن خلق هذا الإنسان، وأعدّه، وجهزه، وأتى به للاستخلاف على هذه الأرض، أتى الأمر من الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– للملائكة بالسجود لآدم -عليه السلام- الملائكة هي فيما هي عليه من إيمان بالله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– هي تعيش حالة الخضوع المطلق لله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– والطاعة التامة لله جلّ شأنه، حكى الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– ما وقع، قال جلّ شأنه: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [ص: 71- 73]، لملائكة بكلهم، بكل مستوياتهم؛ لأنهم مستويات متعددة، الملائكة هم على مستويات، حتى في مقامهم عند الله، وفضلهم عند الله، وبطبيعة دورهم، وتخصصاتهم، ومجالات عملهم كذلك، (كُلُّهُمْ) يعني ما منهم من أحد تعنت عن أمر الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– ولا حاول أن يتنصل عن ذلك، ولا أن يقدم تبريرات للتمنع من ذلك بأنه من الملائكة الذين هم على مستوى أعلى، أو على مستوى أعظم، أو غير ذلك…
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
لعلكم تتقون رمضان 1438هـ: خطورة الشيطان الرجيم
-1- المحاضرة الرابعة