في ساحة المحشر وبعد اكتمال الحساب يأتي الأمر من الله "سبحانه وتعالى" بتجهيز أهل النار؛ لنقلهم إلى النار، وهي حالة رهيبة جداً، بعد عملية الفرز، وبعد صدور الحكم الإلهي الذي لا يستطيع أحد أن يعقِّب عليه، ولا أن يلغيه، ولا أن يقدِّم استئنافاً عليه، ولا يمكن للإنسان أيضاً أن يكون له هناك محامٍ بارع، أو أن يكون له وساطات ذات ثقل وتأثير فتلغي حكم الله، فتشطب ما قرره الله "سبحانه وتعالى" من تفريقٍ بين المحسن والمسيء، وتلغي ما قد قدمه الله "سبحانه وتعالى" من الوعيد، وهو القائل: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ}[ق: من الآية29]، {مَا يُبَدَّلُ}، أحكام قد صدرت واضحة ومحددة، من تنطبق عليه تلك الأحكام فلا يمكن أن يتمكن من إلغائها بأي وسيلةٍ، بأي طريقةٍ، بأي حيلةٍ، بأي فديةٍ، بأي طريقة أبداً، حالة خطيرة جداً، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}[المدثر: الآية38].
عندما يأتي الأمر من الله "سبحانه وتعالى" لملائكته وهم الزبانية: الشرطة الإلهية المعنية والمتخصصة في نقل أهل النار إلى النار، {خُذُوهُ} أمرٌ من الله "سبحانه وتعالى"، {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}[الحاقة: الآية30]، قد تكون أنت هذا الذي يأتي هذا الأمر الإلهي بغله، بتقييده بقيود الله "سبحانه وتعالى" القيود الرهيبة، القيود التي ستبقى مقيداً بها لا تنفك عنك، ولا تستطيع أن تتخلص منها وتتحول إلى جزءٍ مستمرٍ من عذابك وآلامك والضيق الذي ستعاني منه بشكلٍ مستمر، {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}.
{ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ}[الحاقة: الآية32]، ليس فقط القيود التي ستغل بها اليدان إلى الرقبة، لا، إنما أكثر من ذلك السلاسل التي ستوثق بها، وهي حالة رهيبة جداً، الله "جلَّ شأنه" قال: {وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر: الآية26].
ولا يستطيع ذلك الجمع الهائل من البشر، وهم الأغلبية الساحقة من البشر الذين سيُذهب بهم إلى جهنم، عند عملية تجميعهم وبداية نقلهم، وقت ما هم يحشرون وينقلون في الاتجاه الذي سيذهبون من خلاله إلى جهنم، وينقلون من خلاله إلى جهنم، مع كثرتهم الهائلة وحشودهم الكبيرة وجمعهم الغفير، لكنهم لا يستطيعون أبداً أن يدفعوا عن أنفسهم ذلك، أن يمتنعوا عن الانتقال؛ لأنهم في حالةٍ من العجز والضعف والاستسلام، بل إن الله "سبحانه وتعالى" يقول لهم، قال "جلَّ شأنه": {وَقِفُوهُمْ}، أثناء عملية التحريك لهم والنقل لهم، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}[الصافات: الآية24] سؤالاً واحداً، هذا السؤال ما هو؟ {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ}[الصافات: الآية25]، أنتم في جمعكم الكبير والهائل، أنتم من كنتم في الدنيا تتعاونون على الباطل، وتتناصرون على الباطل، وتتحالفون على الإثم والعدوان، وكنتم في الدنيا تتعصبون لبعضكم البعض، البعض قد يكون في هذه الدنيا يعتز بجيشه ويمتنع بجيشه، البعض في هذه الدنيا قد يكون يمتنع بقبيلته، وتتعصب له في الموقف الباطل، وتهبّ معه لتقف إلى جانبه حتى لو كان ظالماً، أو كان مفسداً، أو كان في الموقف الخاطئ. لا القوم، ولا القبيلة، ولا الجيش، ولا الأمة، ولا أي انتماء ولا أي إطار كنت تستند إليه في هذه الدنيا يمكن أن يقف معك، أو يحميك، أو يدفع عنك، التجمعات تلك الحاشدة والهائلة جداً، وهم ينقلونها إلى جهنم يقول الله لهم: {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ}، {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ}[المرسلات: الآية39]، أين تلك المخططات، أين تلك المؤامرات، الخطط الرهيبة، الكيد الرهيب الذي في الدنيا كادت تزول منه الجبال، أين هو؟ أين أولئك المخططون والبارعون في مكرهم وفي حيلهم أين هم؟ أين أصحاب المهارات العسكرية، والقدرات العسكرية، والمعنويات العالية، والشجاعة الكبيرة؟ أين أولئك الطغاة والمتجبرون والقساة القلوب؟ أين كل تلك القوة والإمكانات الهائلة التي كانت بأيديكم في الدنيا تتسلطون بها، وتظلمون بها، وتمتنعون بها، أين ذلك كله؟
{بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ}[الصافات: الآية26]، الكل في حالةٍ من الاستسلام والخضوع التام، والانسياق رغماً عنهم، ينقلون رغماً عنهم، لا ينتقلون برغبتهم، ولا يذهبون إلى نار جهنم باندفاع وتفاعل، وخطوات يتقدمون بها بلا اكتراثٍ ولا مبالاة، لا، الله يقول "جلَّ شأنه" عن عملية نقلهم عن أنها إجبارية رغماً عنهم.
كان الكثير في الدنيا يتثاقلون ولا يخطون الخطوات فيما هو رضا لله "سبحانه وتعالى"، فيما فيه نجاتهم من عذاب الله، فيما فيه الخير لهم، الخطوات التي تكتب لك على كل خطوة أجر وحسنة، {وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ}[التوبة: من الآية121]، في الحركة في سبيل الله كل خطوة لك عليها أجر وثواب، فيتثاقلون، في الانتقال إلى الأعمال الصالحة يتثاقلون مع أنه على كل خطوة حسنة.
هناك ينقلون رغماً عنهم، يقول الله "جلَّ شأنه": {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا}[الطور: الآية13]، يدفعون دفعاً رغماً عنهم، ويجبرون على ذلك، وينقلون برغم أنوفهم، {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ}[الرحمن: من الآية41]، منهم من يسحب ويؤخذ برأسه، منهم من يسحب بقدميه ويدفع دفعاً، وينقل نقلاً إجبارياً وهكذا، حتى يصلوا إلى شفير جهنم والعياذ بالله، وهي من اللحظات الرهيبة جداً جداً جداً، لدرجة أن الإنسان عندما يصل إلى شفير جهنم يحاول أن ينكر من جديد ما قد ثبت عليه في ساحة المحشر، ما قد رآه هو بنفسه في صحيفة أعماله، ما قد ثبت عليه بالشهود، هناك يحاول من جديد أن ينكر، ولكن تأتي الاثباتات الدامغة التي لا يملك معها أن يكابر أبداً.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
سلسلة المحاضرات الرمضانية المحاضرة الخامسة 1441هـ
قوا أنفسكم وأهليكم نارا تفاصيل مهولة عن عذاب جهنم