{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ}، إبليس امتنع عن السجود، وكانت هذه- كما يفهم من النصوص القرآنية- كانت هي أول معصية لله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– أول عصيان، وأول مخالفة لتوجيهات الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى–إبليس ذلك العابد الموجود في السموات، المتعبد بين أوساط الملائكة وبين صفوف الملائكة كان له موقف مختلف، إبليس استكبر{إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ}، عصى الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– بسبب الاستكبار، المعصية بحد ذاتها هي استكبار، تَعَنُّتْ وَتَمَنُّعْ عن أمر الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– وكل مخلوقات الله ليس لها إلا أن تطيع الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– ليس لها الحق أن تمتنع عن طاعة الله فيما يأمر به، إبليس استكبر، يعني عصى الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– تكبراً، اعتبر أنه لا يليق به، أنَّ هذا حطٌّ من مقامه، حطٌّ من مكانته، حطٌّ من اعتباره وقدره أن يسجد لآدم، وأن يؤمر بالسجود لآدم.
{إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ} [ص: 74]، كفر بذلك حين رفض أمر الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– وتعنت على الله، وعصى الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– وهذه انتكاسة كبيرة جدًّا، وتحوّل سيء للغاية من مقام عظيم من العبادة، والتقرب إلى الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– لدرجة أنه التحق بالملائكة هناك في السموات، وأصبح بين أوساطهم، وفي ذلك المقام المقدّس من العبادة لله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– بين صف الملائكة، تحول إلى كافر، إلى عاصي، وهذا بالتأكيد كان مفاجئاً للملائكة -عليهم السلام- وسبّب لخصومة بين أوساط الملائكة، وبالتأكيد أن الملائكة استغربت منه، تفاجأت بموقفه، خاصمته، ناقشته، حاولت أن تُعيده إلى أن ينتبه، إلى رشده، إلى أن يراجع نفسه، ولهذا قال الله: {مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ}، خاطب النبي محمداً ليقول لأولئك الآخرين {مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [ص: 69]، الملأ الأعلى: هم هناك الملائكة وإبليس أيام كان بين أوساطهم (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) هذه الحالة من الاختصام ما بين إبليس والملائكة من حوله، بالتأكيد أنهم فوجئوا بموقفه، وانصدموا بأول معصية لله، واندهشوا كيف هذا العابد، هذا الذي تقرّب، هذا الذي التحق بصف الملائكة، كيف يتصرف هذا التصرف؟ كيف يعصي أمر الله؟ كيف لا يستحي من الله؟ أين عبادته لآلاف السنين؟ كيف لم تقربه من الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى–؟ كيف لم تزك نفسه؟ كيف لم تعزز في وجدانه وفي روحه الانكسار لله، الخضوع لله، الطاعة لله، التسليم لله؟ كيف فجأة يظهر على هذا النحو من التجرؤ على الله، من التعنت، من السوء؟! ظهر في نفسه حالة سيئة جدًّا، ظهر بعيداً عن الحالة التي يفترض بمن بقي يعبد الله آلاف السنوات، الحالة التي يفترض أن يكون عليها: الحالة الروحانية، الحالة الإيمانية، الحالة الكبيرة من الانشداد نحو الله، من التعظيم لله، من المحبة لله، من الخضوع لله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– فكيف ظَهَرَ على نحوٍ مختلف، وكأنه ليس بذلك العابد، وفي ذلك المستوى من العبادة، وفي ذلك الجو، الجو العجيب، يعني جو روحاني، جو في السموات بين أوساط الأعداد الهائلة من ملائكة الله، في جو الذكر الدائم لله، والتسبيح الدائم لله، والإقبال الدائم إلى الله –سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى– كل تلك الحالة الروحية كيف اختفت فجأة من باطن هذا المخلوق، من وجدان هذا الكائن؟ وكيف تغيّر كل هذا التغير؟ تَغَيُّر وانعكاس وانقلاب في حالته بشكل عجيب، هذا يدل على أن خللاً ما كان موجوداً وكامناً فيه، لم يصلح بتلك العبادة على مدى ذلك الزمن الطويل، ولم يتغير أبداً، بل إن ذلك الخلل لربما تفاقم وتعاظم وكبر مع الوقت.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
لعلكم تتقون رمضان 1438هـ: خطورة الشيطان الرجيم
-1- المحاضرة الرابعة