والله -جلَّ شأنه- عندما قال: {إِلاَّ بِالحَقِّ}، يعني: يحرم القتل إلا بالحق، الحق الذي به يمكن القتل والقتال، أبرز عناوينه العامة هي ثلاثة عناوين: عنوان الحد، وعنوان الدفع، وعنوان القصاص.
الحد: الحد هو خاصٌ بذي الولاية المستندة إلى الشرع الإسلامي، وله ضوابطه، وله أحكامه، وله إجراءاته المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية، وليس حالةً يتصرف فيها الناس كيف ما يشاؤون ويرون، أو يتصرف فيها أي شخصٍ بحسب ما يرى. |لا| هذه مسألة مضبوطة جدًّا، يتولاها ذو الولاية المستندة إلى الشرع الإسلامي، ووفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، ولعناوين معينة: مثلما يتعلق بالمرتد، بالديوث، بالساحر… ونحوهم، يعني جهات معينة، ووفق ضوابط معينة، وأحكام معينة، وإجراءات محددة في الشريعة الإسلامية، ليست مسألة بمتناول أي شخص أن يتصرف فيها أبداً بحسب ما يرى أو يقرر.
العنوان الآخر عنوان الدفع: وهو عنوان أساسي ومهم، ويشمل حالات فردية، وحالات عامة، وحالات جماعية، الدفع الذي فيه دفعٌ للشر، أو للفساد، أو للمنكر الذي لا يندفع إلَّا بالقتل، له حالات فردية، وله حالات جماعية.
الحالة الفردية: إذا ابتلي الإنسان بمن يعتدي عليه بغير حق، ويحاول أن يقتله، ثم يرى أنه لا يستطيع أن يدفع ذلك عن نفسه إلا بالقتل، وإلا قتله ذلك الآخر، وبغير حق: لا يستند ذلك الآخر فيما يفعله به إلى حق أبداً، عدواناً، ظلماً، تعمداً، فالإنسان في هذه الحالة له الحق أن يدفع عن نفسه.
كذلك مثلاً دفع الجريمة، مثلاً: المرأة إذا تعرَّضت لمحاولة الاغتصاب، ولم تستطع أن تدفع عن نفسها ذلك إلَّا بالقتل، فلها الحق في أن تقتل من يسعى إلى اغتصابها ولا يندفع إلا بالقتل، ولم تجد وسيلةً لدفعه إلَّا بالقتل، كذلك من يحاول أن يغتصب مالك وممتلكاتك، ولا تقدر ولا تتمكن وليس هناك أي وسيلة أخرى يمكن أن تدفعه عن ذلك إلا بالقتل، طبعاً هذا في غير المتنازع عليه، مسألة شجار على أرض، أو على ممتلكات معينة، يمكن أن يبت فيها القضاء، لكن مسألة نهَّاب وممن يمارسون السطو أو قطع الطرقات، ولا تتمكن من الحفاظ على ممتلكاتك إلَّا بذلك، لو تمكن الإنسان من الدفع بوسيلة أخرى، فعليه أن يستخدم الوسيلة الأخرى، والتي هي أقل من مستوى القتل، هذه كأمثلة، لو بغت مثلاً فئة على فئة من أبناء الأمة وأعتدت عليها بغير حق، لها أيضاً أن تدافع عن نفسها، ويدخل عنوان الجهاد في سبيل الله تحت عنوان الدفع، هو في الحقيقة لدفع الشر، لدفع الفساد، لدفع الخطر، لدفع الجريمة، لدفع المنكر.
ولهذا أتى في القرآن الكريم في سورة الحج وفي سورة البقرة تحت عنوان الدفع نفس العنوان الجهاد في سبيل الله، في سورة البقرة أتى قول الله -سبحانه وتعالى- بعد قصة طالوت وجالوت: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة: من الآية251]، وفي سورة الحج أتى قول الله -سبحانه وتعالى-: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} [الحج: من الآية40]، وهذا أتى بعد قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 39-40]، فالجهاد في سبيل الله ليس عنواناً لعملٍ عدواني، يبتدأ الناس هكذا بغير مبرر. لا، هو يأتي تحت عنوان الدفع: الدفع للشر، الدفع للخطر، الدفع للطغاة، للمجرمين، للظالمين، للمعتدين، فهذه الحالات التي هي حالة الحد ووفق ضوابطه الشرعية، وإلى الجهات المختصة بهذه المسؤولية وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وعنوان الدفع، ومنه: دفع المعتدين، دفع المجرمين، والظالمين، والأشرار، والطغاة، والمتسلطين، وهو كذلك له ضوابط في الشريعة الإسلامية، في القرآن الكريم، له أحكام محددة يجب أن يبقى محكوماً بها وعلى أساسها.
وكذلك العنوان الثالث الذي هو حالة القصاص: القصاص من القاتل ظلماً عدواناً، تعمد أن يعتدي بظلمٍ على شخصٍ آخر وقتله وأزهق حياته، وهذه المسألة أيضاً لها أحكامها المعروفة في الشريعة الإسلامية.
فهذه العناوين الثلاثة هي العناوين الأبرز التي تشمل كثيراً من التفاصيل المتعلِّقة بهذه المسألة.
{وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ}، فهي جريمة شنيعة جدًّا، {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: من الآية93]، جريمة خطيرة جدًّا، الإنسان المستهتر، الإنسان الذي لا يبالي قد يقع في هذه الجريمة، إما على خلفية نزاع، أو على خلفية غضب، حالة الغضب حالة خطيرة، أو كبر في بعض الناس، أو طمع لدى البعض الآخر، يوصله الطمع إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة الخطيرة جدًّا، التي تسبب للإنسان غضب الله، وسخط الله، والخلود في جهنم والعياذ بالله.
{وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً}، الذي يقتل مظلوماً، من قتله ظالماً له بغير حق، جعل الله لوليه سلطاناً، الولي قد يكون هم الورثة، قد تكون هي الجهة التي لها الحق الشرعي في متابعة الاقتصاص من القاتل، وهذا السلطان سلطانٌ بالشرع، بالحكم الإلهي، ويدخل ضمنه أيضاً المعونة الإلهية كما في آخر الآية: {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً}، تأكيد بأن الله -سبحانه وتعالى- سيعين المظلومين على أولئك الظالمين.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
(جريمة القتل الأسباب والآثار والمعالجات)
سلسلة المحاضرات الرمضانية 1440هـ المحاضرة السادسة عشر مايو 23, 2019م