مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

بقلم / صلاح الرمام

يا سيدي يا أمير المؤمنين ها هي بين يديك المباركتين ، بعض العبارات والتي لا تفي بالقليل من شخصيتك الفريدة والعظيمة إلاّ إذا اقتضت الضرورة تجاوزها ـ بما انطوت عليه من صناعة ربّانية نبويّة صاغت لك مناقب وفضائل وصفات، تركت بصماتها على شخصيتك الفريدة ،

وارتسمت معالمها وآثارها على سيرتك المفعمة بأحداث عظام وأمور جسام ومواقف عظيمة ومبادرات كريمة وإلاّ فإنّ من يقصد وجه الله تعالى الذي أحببتَه وآمنتَ به وآثرتَه وسكنتَ إليه ، وأفنيتَ عمرك الشريف فيه مؤمناً مجاهداً . . . 

حتّى قضيتَ نحبك في سبيله ، وفاضت روحك إليه ، مضرّجاً بدمك في محراب عبادته ، في بيت من بيوت الله تعالى ، في مسجد الكوفة ، وقد انطلق صوتك ، ودوّى صداه عالياً في جنبات المسجد وفي سمائه . . فُزتُ وربِّ الكعبة ، فزتُ وربِّ الكعبة . .

نعم ، إنّ من يقصد ذلك الوجه الكريم ويرجو لقاءه بقلب سليم ويأمل أجره وفضله ويخشى حسابه ويخاف عقابه ، يجب أن تبقى ذكراك ماثلةً أمامه ، حيّةً في سيرته ، فاعلةً في حياته ، شجرةً خضراء ينعم بظلالها الوارفة ويشمّ عطرها ويستنشق عبيرها ، ويرتشف من معينها قيماً جميلةً ومعاني عظيمة ومفاهيم جليلة ، وأن يقرأك إنساناً وإيماناً وتقوًى وزهداً وجهاداً وعلماً وأدباً وفكراً . .

إذن لابد أن يبقى كلّ منا يعيشك دائماً قدوةً صالحةً واُسوةً حسنةً ، وهو الذي يجب أن نعوّد أنفسنا عليه ونتبنّاه في حياتنا الدينية والاجتماعية بكلّ مفاصلها . لا ذكرى فقط تمرّ مرور الكرام . .

ولعلّ الحكمة في أن يكون مولدك في جوف الكعبة; القبلة ، لتكون يا سيدي قبلةً للأنام، للمؤمنين رعاةً كانوا أو رعيةً مهما بعدت بهم البقاع ونأى بهم الزمن ، يستقبلونك مبادئ وقيماً ومثلا عليا كلّما توجّهوا إليها في فرض أو مستحبٍّ أو دعاء .

لذاك قبلة من صلّى لخالقه *** غدا ومقصد من للحجّ يأتيه

حقّاً لتبقى بل ليبقى عليٌّ شاخصاً أمامنا بكلّ ما يحمله من قيم السماء ومبادئ الدين الحنيف ، وبكلّ ما يتحلّى به من إيمان ثابت وإسلام وثيق ، وجهاد مرير وتضحيات جسام ، ومن علم غزير وأدب جميل وسيرة عطرة حسنة ، تمنّاها كلّ مَن حولك والذين جاءوا من بعدهم . . فعصت عليهم جميعاً ، ولم تجد غيرك إناءً صالحاً ، وبوتقةً تصهرها ، فتنتج عليّاً إسلاماً يتحرّك وقرآناً ناطقاً ، وإيماناً حيّاً يجسِّد كلّ معاني السماء .

***

لقد كنت ـ سيّدي ـ بين محرابي الولادة والشهادة محراباً لا يدانيك أحدٌ أبداً ، وكيف لا تكون كذلك وأنت أكثرهم جهاداً وأمضاهم عزيمةً وأشدّهم توثّباً .

كنت جريئاً على الموت مقتحماً لميادينه ، لا تخشى ولا تهاب أحداً بالغاً ما بلغ من القوّة والشجاعة والإقدام ، بل لا تجد هيبة هولاء الأبطال من قلبك شيئاً .

فقد نزل عمرو بن ودّ المعروف بقوّته وصلابته وصولته وبأنّه يعدل ألف فارس ، وقد لفّه الحديد من هامته إلى أخمص قدمه ، ينادي بصوت مخيف هل من مبارز؟ أين جنتكم التي زعمتم أنّكم داخلوها إن قتلتم؟ . . ولا مجيب إلاّ صوتك «أنا له يا رسول الله» فوثبتَ إليه ، وصوت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يلاحقك «برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه» فإذا هو مجندّل بين يديك بضربة تعدل عبادة الثقلين ، ولاذت الأحزاب بالفرار .

وأنت في عبادتك الأواب المتبتّل الواله بربّه ، الذي عبد الله كأنّه يراه ،

وأنت القلب الطاهر المطمئن الذي لا يخفق إلاّ بحبّ الله وحبّ رسوله. . .

وأنت القِمّة السامقة في تسليمك وانقيادك إلى الله سبحانه وتعإلى ، فكنت الإيمان كلّه ، وكنت الغاية في الإخلاص والغاية في الصدق .

وأنت في فصاحتك الخطيب الأوّل الغنيّ ببدائع الخطابة وألوان البيان وضروب الحكمة وفنون الكلام .

وأنت الذي اتسمتَ بالثراء والفرادة في إيمانك وفي صدقك وعدلك وورعك وفي علمك وعبقريتك وحصافتك وفي زهدك وقناعتك وفي نهجك وطريقتك ، فخصائصك ما أعظمها وأخلاقك وما أسماها وفضائلك ما أكثرها!

وهذه كتب التأريخ والحديث عند الفريقين . . وقد ملئت بخصالك ومناقبك وفضائلك وآثارك وجهودك ومواقفك ولم يذكر فيها لغيرك ما ذكر لك

وليس هذا فحسب ، بل كان الامام علي (ع) الأوحد في صفاته وفضائله . دلّني على فضيلة لم يكن عليّ فيها الأشهر ولم يكن المتفرِّد بها دون غيره سواء أكانوا في زمنه أو الأزمان المتعاقبة الأخرى!

***

وهكذا أنت ـ سيّدي ـ في عطائك الذي كاد أن يبلغ حدّ الأسطورة، أثريت به تراثنا الديني والأخلاقي والإنساني. . . وما أحوجنا إلى تراثك الخالد خاصة في عالمنا الصاخب المليء بمختلف الأفكار والأمواج والأعاصير ..

وإنّ الإحاطة بكلّ ما قدّمته في حياتك المباركة أمر صعب ، كما أنّ محاولة التعمّق فيه وسبر أغواره هو الآخر أمر عسير فالرجل مهما أوتي من القدرة والاستعداد والصبر فإنّه يتخصّص بفنٍّ واحد أو فنّين ، إلاّ أنت ـ سيّدي ـ فقد جمعت مناقب كثيرة ، وفنوناً وعبقريات هي الأخرى متعدّدة .

ما فرّق الله شيئاً في خليقته **من الفضائل إلاّ عندك اجتمعا

***

لقد اصطنعتك السماءُ وأفاضت عليك خصائص وفضائل خلقت منك إنساناً ربّانياً في كلّ ما حملتَه واتسمّتَ به . وأقحمتك عالَماً آخر غير ما ألفوه فتحيّرت عقولهم وأذهلت نفوسهم ، فراحوا يتنازعون أمرهم فيك; تعدّدت آراؤهم وتنوّعت فيك اجتهاداتهم ، وتقاطعت فيك مواقفهم ، ولما أدحضتهم حجّتُك وألجمت ألسنتهم وخيّبت أدلّتهم وكشفت افتراءاتهم . . لم تطاوعهم أنفسهم المقيتة على الرضوخ للحق والانصياع للعدل فأبت إلاّ نفوراً واستكباراً . وركن شانؤوك ومن نصبوا لك العداء إلى سيوفهم فلعلّ آمالهم وأطماعهم تتحقّق ، فما اشتبكت الأسنّة على أحد كما اشتبكت عليك ، ولا اختلفت الألسن والأقلام في أحد كما اختلفت فيك . . فَظَلمك قومٌ وأنصفك آخرون ، وختاماً تركوك وحيداً ـ وإن كنت حقّاً الوحيد بينهم بنعم ظلّت حسرةً عليهم ـ إلاّ أنّهم لم يتركوك حبّاً لغيرك وتفضيلا له عليك ، وهم يعرفون أن ليس هناك من يدانيك إيماناً وعلماً وفضلا . . . بل تركوك; لأنّهم لم يتحمّلوا صدقك ولم يطيقوا عدلك . . خافوك على دنياهم وخفتهم على آخرتك .

***

إنّ تاريخك يا بن ابي طالب لحافل وإن حياتك لصالحة وإنّ ميراثك لعظيم وإنّك لفي مقام كريم . . استوقفت هيبتك الجميع، وبهرتهم صفاتك وأذهلتهم فضائلك حتّى لم يجدوا شيئاً منها في بشر سواك

***

لقد راح ـ سيّدي ـ قوم عاصروك وآخرون جاءوا من بعدهم ينتهلون من علمك ويتعلّمون من حلمك ويقلّدون شجاعتك . . إلاّ أنّهم ـ وإن تمنّوا ـ لا يكونون مثلك أبداً . . وأنّى لهم وخصالك التي صنعتها يد الغيب ، وسمات شخصيتك أفردتها لك السماء ، ومناقبك صاغتها مبادئ الدين الحنيف تحت ظِلال النبوّة المباركة . . كما راحت اُمّتنا واُممٌ أُخرى ، من ديانات أُخر ومذاهب شتّى بمفكِّريها وعلمائها وأدبائها وشعرائها . . يقفون أمام تراثك مبهورين وإزاء عبقريتك متحيّرين . . وقد عرفوا ذلك كلّه ، إلاّ أنّهم أبوا إلاّ أن يقولوا فيك شيئاً . فراحت أفكارهم وأقلامهم ومع سموّها لا تستطيع كشف إلاّ ما ظهر من عظمتك ولا تذكر إلاّ ما بان من شخصيتك ، وهو غني ثريّ عظيم . . أمّا ما خفي فالله ورسوله أعلم به .

وصدق رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذ قال : «يا عليّ ما عرفك إلاّ الله وأنا وما عرفني إلاّ الله وأنت ))

حقّاً ـ سيّدي ـ إنّك نعمة كبرى أنعمتها علينا السماء ، إنّك كنز عظيم غفلنا عنه ، وينبوع لا ينضب جهلنا قدره ، وصورة مضيئة للإسلام والإنسانية بكلّ معانيها الجميلة ، لم نعطها حقّها..

***

لقد أكبرنا ـ سيّدي ـ الإسلام الذي تجسّد فيك ، وفضائلك الرائعة ومناقبك الجميلة ومواقفك الشجاعة والجريئة التي باتت رصيد كلّ خير وعطاء ، وثورة وإباء ، وعدل ورحمة ، وغدوت حياة لأولي الألباب..

إنّ اسمك ـ سيّدي ـ شفاء للنفوس ، وذكراك ضياءٌ للعقول ، وهدى للقلوب ، وحافز للثورة والثوّار مهما كانت صولة الباطل مريرة وقسوته شديدة..

إنّ كلّ ما حولنا يستضيء بنورك ويستهدي بهداك ، وكلّ ما عندنا مدين لمبادئك وقيمك ، التي هي قيم السماء ، فذكراك لا يحدّها حدّ ولا يختصرها زمن . وكيف يكون ذلك وعليّ بين الولادة والشهادة تجده شمساً مضيئةً لا يحجبها شيء ، وقمراً منيراً لا يحبسه سحاب؟!

وتجده إيماناً لا يشوبه شكّ ولا يعتريه ريب ، وكيف يخالط إيمانه ذلك وهو القائل : «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً» .

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر