أما واقع المعرضين عن الدعاء والالتجاء إلى الله فهم من كانوا بدلاً من الالتجاء إلى الله يلتجئون إلى غيره, تنصرف اتجاهاتهم وآمالهم في الحياة إلى غيره, يعتمدون على غيره, ثم هم الخاسرين, عندما يصلون إلى عذاب الله وهم في أشد حال وأسوأ حال وأقسى وضع وأهون وضع في حال العذاب الشديد، وهم يعانون من ألم العذاب وقسوته هناك يدركون كم كانت خسارتهم فادحة, كم كان يجب عليهم أن يلتجئوا إلى الله قبل فوات الأوان, هناك يدعون ويهتمون بالدعاء وحتى بخشوع وهم يحترقون في نار جهنم, وقد احترقت أجسادهم واحترقت حتى ألسنتهم وهم مثقلون بالسلاسل والقيود, وهم يعانون آلام العذاب بكل أنواعه, هناك يضرعون وهناك زالت عنهم القسوة, وهناك يبكون وهناك يدعون الله لكن بعد فوات الأوان كما حكى الله سبحانه وتعالى عنهم في واقعهم: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ [المؤمنون:106-107].
الله أعلم؛ لا يستطيع الإنسان أن يتصوَّر ما هم عليه في تلك الحال من تذلُّل وشعور بالحاجة إلى الله, ومعاناة وشقاء, حالة رهيبة جداً, لكنهم دعوا بعد فوات الأوان, لم يبقَ هناك فرصة, لا ينفع هناك الدعاء ولا التذلل ولا التضرع ولا الالتجاء ولا الاستغاثة لو بلغ خشوعهم ما بلغ, لو بلغ تذلُّلهم ما بلغ, لو بلغت حالة الإقبال منهم إلى الله والالتجاء إليه ما بلغت لا يفيدهم ذلك ﴿قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون:108] فات الأوان.
هو في الدنيا قال لنا: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ لم يرجعوا في وقت الرجوع, ولم يتضرعوا في وقته, في الدنيا هنا, وأمامك الفرصة للتضرع والرجوع الصادق إلى الله سبحانه وتعالى, والاستقامة والدعاء, هناك وهم يحترقون بنار جهنم, ويتعذبون ومثقلون بالسلاسل والقيود, بألسنتهم المحترقة وشفاههم المحترقة يتضرعون فلا يُقبل منهم ذلك, بل يُمنعون من الدعاء لله, ﴿قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ ممنوع عليكم حتى أن تكلموني حتى أن تدعوني, هكذا يمنعهم الله حتى من أن يضرعوا إليه بالدعاء.
﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الفَائِزُونَ﴾ [المؤمنون:109-111] كان فريق من عبادي يدعون متضرعين مستقيمين ملتجئين وصابرين في مسارهم الإيماني وهم يتحركون فيما عليهم من عبادات ومسؤوليات وأنتم تسخرون منهم وتضحكون منهم, تسخرون بهم فيما هم عليه من أعمال, فيما هم عليه من تحرك في واقع حياتهم, ينشدون رضا الله ورحمته ومغفرته والسلامة من عذابه, تسخرون منهم في دعائهم في تضرعهم في إقبالهم إلى الله سبحانه وتعالى, وافتتنتم بذلك حتى أنسوكم ذكري, فالنتيجة: أنهم فازوا، أما أنتم فلا.
يصل الحال بهم إلى أن يطلبوا من الملائكة من خزنة جهنم أن يدعوا لهم, بعدما مُنعوا هم من الدعاء ولم يعد مسموحاً لهم أن يدعوا الله, أو أن يطلبوا منه الرحمة وأن يخرجهم مما هم فيه من العذاب ويئسوا من الخروج تماماً, فالتجأوا إلى الملائكة إلى خزنة جهنم يطلبون منهم هم أن يدعوا الله ليخفف عنهم ولو يوماً, يوماً واحداً من العذاب ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ العَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا﴾ [غافر:49-50] لا نستجيز أن ندعوا لكم، ليس بالإمكان أن ندعوا لكم، ادعوا لأنفسكم أنتم, وهم قد يئسوا لا يفيدهم الدعاء لأنفسهم ولا ينفعهم بشيء؛ لأنه قد فات الأوان.
إذاً قبل فوات الأوان والإنسان هنا في الدنيا والله قد أعطاه الفرصة ولا يدري الإنسان ولا يعلم متى سيفارق هذه الحياة, من المهم أن يحرص الإنسان على الالتجاء إلى الله, التجاء ودعاء بعمل واستقامة على تلك القاعدة المهمة ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة:186]، فمن واقع الاستجابة, ومن الواقع الإيماني والاستجابة الكاملة, وليس الاستجابة الجزئية التي يكتفي الإنسان فيها بشكل وظواهر محدودة من الدين, ثم يتنصل عن مسؤوليات وعبادات والتزامات مهمة, استجابة متكاملة وعبودية لله وإذعان لله وتسليم لأمره, يتحرك الإنسان وكله أمل، وكله رجاء في الله سبحانه وتعالى، خائفاً راغباً راهباً راجياً, مدركاً أن الأمر كله لله, أن أمر السموات والأرض وأمر الحياة, وأمر كل شئون الحياة بيد الله سبحانه وتعالى, لا ملاذ للإنسان إلاَّ هو, فليدعوه وليرجوه وليتوكل عليه وليعتمد عليه ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس:107].
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بعنوان الدعاء/ 10 رمضان 1433هـ.