مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

محمد القعمي

هل هي الأقدار أن يبدأ الميلاد من داخل بيت الله الحرام؟! أم أن العناية الإلهية تقف وراء ذهاب فاطمة بنت أسد أم الإمام علي عليه السلام في آخر أيام حملها به إلى الحرم لتطوف بالبيت ويأتيها المخاض هناك وفي لحظة لعلها لم تكن تتوقع أوان الوضع لأنه لايزال هناك أيام لموعد ولادة الميمون المبارك ؟! هو الله سبحانه وتعالى الذي أراد أن تكون البداية من داخل حرمه وبيته الذي جعله مهوى قلوب الأنام ومناخ الأمن والسلام وموطن مسك الختام عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام ، العظماء في مثل الرجل الذي يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ، لا يمكن أن تكون الأمور مبنية على الصدف ..

 

لنعود إلى طواف فاطمة بنت أسد والدة الإمام علي عليه السلام حول الكعبة ، وأحاول أن أقرأ خطواتها من بيتها إلى بيت ربها فأستشف من آثارها رجاء فاطمة برب البيت أن يجعل جنينها مباركا زاكيا وأرى في عربيتها عشق القوة والفروسية والشجاعة ، وشغف الحكمة والفصاحة والبلاغة ، كانت تسير وهي تحدث نفسها عن الجنين الذي تحمله وكلها أمل أن يكون أسداً كأبيها ، آثرت أن تتوجه إلى الله قبل أن تضعه ، لتبتهل وتدعو وتتمنى منه وترجو بشأن ما في بطنها ، فهل ياترى أن فاطمة بنت أسد وهو تطوف أرادت ما أرادته أم مريم عليها السلام ('إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) [سورة آل عمران]

 

حتى نرى تجليات هذا النذر من لحظة انشقاق جدار الكعبة وكأنه إشارة على قبول نذرها ، ليكون جوف البيت الحرام مسقط رأسه الشريف ، وليكون أول هواء يتنفسه علي عليه السلام هو ذلك الهواء البارد المنعش داخل الكعبة في ظل ضيافة أكرم الأكرمين وتحت رعاية أرحم الراحمين

 

وتضع فاطمة عليا في ذلك المكان الطاهر لنرى من خلاله طهارة علي وفي ذلك الموقع المقدس المعظم لنرى عبره قداسة علي وعظمة علي فهل يعقل أن ذلك كان مصادفة بعد هذا الحادث العظيم والذي لم يسبق أن وقع لغير فاطمة وعلي ولم يذكر فيما بعد أن حصل لغيرهما هل يعقل أن يكون كل ذلك صدفة؟! لا أعتقد على الإطلاق أمام ما جرى إلا أن ذلك كان بترتيب من العلي القدير وبإيحاء من العلي الحكيم ، وبتوجيه من العلي العظيم ، الذي يدبر الأمر وإليه يرجع الأمر وهو القادر على ما يشاء والمحيط بكل شيء علما ، اقتضت إرادته تكريم هذا الجنين فإن له إلى جانب خاتم المرسلين شأن عظيم في نصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله وهو ذاته العظيم الذي رسم له خاتمة المطاف أن يصعد شهيدا في شهر رمضان ، شهر تنزل القرآن الذي قاتل على تنزيله وقاتل على تأويله وانتصر له في مراحل التنزيل وفيما بعد حتى ليلة الفوز في محراب الشهادة ومعراج الطهارة والعبادة ، ولحظة اللقاء بمحبوب الكرامة والسعادة ..

 

هذا التحليق في فضاء علي عليه السلام أخذنا إلى فلك النور وسدرة المنتهى ، ولايزال لنا في مكة ومع فاطمة بنت أسد ووليدها حديث ..

 

كانت فاطمة بنت أسد قبل أن يرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابن عمه القادم الجديد وصاحب التكريم الفريد إذ كان ميلاده في الكعبة المشرفة هو الميلاد الوحيد ، كانت قد سمته حيدرة ليوحى لنا هذا الاسم بصفات البطولة والشجاعة والإقدام والقوة وشدة البأس فالحيدرة اسم من أسماء الأسد أي أنها سمته على اسم أبيها ، فلما وصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورآه ، عرف أنه علي ، فسماه علي بأمر العلي ..

 

وفاطمة بنت أسد هي زوجة أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكافله وناصره وحاميه ، وهذا التقدير الإلهي أتاح لها المجال أن تحضى وتتشرف برعاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتربيته وكانت بشهادة النبي لها تمنحه من حنانها وحبها وعطفها واهتمامها ولطفها ، ما عوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد الأم فلم يشعر بما يشعر به اليتيم ، حين يتعرض ولو لبعض الجفاء غير المقصود من بعض قرابته ، لأنه كان في بيت عمه أبي طالب صغيرهم المدلل ووحيدهم المفضل ، وفتاهم وولدهم المكرم المجلل ..

 

وما رأى نفسه في ذلك البيت إلا الجوهرة الفريدة والدرة النفيسة ، فكانوا يحرصون عليه بأشد ما يكون الحرص وبما لا يكون مثله مع أي واحد من أولاد أبي طالب ، وإذا غاب عن عيونهم تحركت لواعج الشوق وإذا تأخر عنهم ثارت أسباب الخوف والقلق عليه ..

 

فكان ينال من مشاعر الحب وعظيم الاهتمام والرعاية والرفق والعناية ما لايحصل عليه غيره من أولاد ذلك البيت الذي نشأ فيه وترعرع فتنفس أنفاسهم وتنفسوا أنفاسه ونال علي عليه السلام حصته منها إذ كانت أمه فاطمة صاحبة الحظ الأوفر والنصيب الأكثر منها لقربها منه قرب الأم من ولدها ..

 

ولهذا لم تعارض ولم تمانع أو تتأثر وتجد في نفسها لتغيير النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاسم الذي أعطته لوليدها من حيدرة إلى علي ونحن ما عرفنا هذا الاسم إلا حين برز الإمام علي يوم خيبر ذلك اليوم الذي نال فيه علي وسام الرجولة والمحبة ولقب الكرار والفاتح الذي يفتح على يديه ، في تلك اللحظة التي ارتجز فيها يجيب مرحب اليهودي فقال أنا الذي سمتني أمي حيدرة ...

 

ولولا ذلك الموقف البطولي والجواب الرجولي وتلك الأرجوزة ما عرفنا أن أمه أسمته حيدرة ، ما يدل على أنها رضوان الله عليها كانت تحب ما يحبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وترضا ما يرضاه وتختار ما يختاره وتميل إلى جهة ميله ، وترغب في كل ما يرغب ويهوى ، ولهذا لم يتردد حيدرة بعد أن اختار له النبي اسم علي ليكون هو اسمه الذي عرف به واشتهر ، حتى كان علي هو الذي تكلم به في يوم خيبر ومنذ ذلك الحين اقترن به حيدر اقتران الصفة بالموصوف ، والمدح له إذ كان بالشجاعة وشدة البأس معروف ..

 

أما علي فإنه يذكرنا بالعلي ، ويشدنا إلى العلي ، ويسمو بنا سمو الهدي العلي ..

 

وكأن صاحب الذوق البديع والإحساس الرفيع كأنه حين ينطق هذا الاسم يشعر بعلو المعنى وشرف المبنى ، وكأنه على اللسان يجري جريان حلاوة اللغة في فصاحتها وبلاغتها وفي سهولة اللفظ وسمو المعنى يجعلك كلما قلت : علي ؛ ارتفع منسوب الحلاوة ومستوى التذوق ، فكأنه يجري على الأفواه ليذكر بالعلي ، ويذكر بسمو الأخلاق ، وعظمة الفضائل ، وكرم الشمائل ، وشرف القيم والمبادئ ..

 

وكأنك حين تردد هذا الاسم مع استشعارك لعلو المعنى ، ومعرفتك لفضيلة المبنى ، تكاد تشعر بأنك ترتفع إلى الأعلى وتحلق في عالم علي المضيء في صفحات الأيام المشرق في سجل التاريخ ، علي في ما اختص به في الولادة والتسمية والنسب والقرابة والتربية على يد خلاصة الرسالات وصفوة النبوات ، وتحت سمع وبصر نور الهدى وكمال الفضل وتمام الشرف ، تجد فعلا أنه كان متميزاً متفرداً في كل نواحي الفضل وجوانب الشرف وكل ما يمدح به ويُثنى به عليه لايبلغ قدره ، ولايرقى إلى منزلته ولا يصل إلى رفيع مقامه ، كل ثناء ومدح قيل في علي ويقال في علي هو دون ما استحقه وناله وارتقى إليه بإيمانه الذي بدا في مسارعته إلى الإسلام وظهر في استجابته لخير الأنام وتجلى ليلة الهجرة ، ليكون أول من آمن وأول من فدى الرسول والرسالة ، وطرح نفسه على فراش يتربص به الموت من جميع الجهات ، ويحاصره أربعون فتى من أشجع فتيان العرب ، وتتهيأ للهجوم عليه أربعون سيفاً مصلتاً مشحوذاً تلمع المنايا على أسنتها ، ويسيل الموت من حدتها ، لتكون له أولية الفداء لنراه لا يبالي بالموت قبل أن يقول مقولته المشهورة ، إذن لا أبالي وقعت على الموت أو وقع الموت عليْ 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر