مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، ورضي الله عن صحبه المنتجبين.

أيها الإخوة الأعزاء: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

نبارك لكم حلول هذا الشهر المبارك، ونسأل الله سبحانه وتعالى بفضله ورحمته أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، إنه سميع الدعاء،

 

هذا الشهر المبارك الذي هو منحةٌ من الله لعباده، ونعمةٌ كبيرةٌ على عباده المؤمنين، شهر الرحمة، شهر المغفرة، شهر نزول القرآن الكريم، موسم خيرٍ عظيم، وفتحه الله سبحانه وتعالى لكل عباده، للإنابة والرجوع إليه، للعمل على تعزيز حالة التقوى، والاستقامة والصلاح، للقربة إلى الله سبحانه وتعالى، والسعي في صالح الأعمال.

 

وعندما نتأمل عظيم المنحة الإلهية على عباد الله بهذا الشهر بما فيه من الأجر وما له من الفضل، عندما نراجع خطاب رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، الذي روي عنه أنه خطب في آخر جمعةٍ من شهر شعبان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أيها الناس إنه قد أظلكم شهرٌ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، وهو شهر رمضان، فرض الله عز وجل صيامه، وجعل قيام ليلةٍ منه بتطوع صلاة كمن تطوع سبعين ليلةً فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوع فيه بخَصلةٍ من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضةً من فرائض الله عز وجل فيما سواه، ومن أدى فريضةً من فرائض الله عز وجل فيه كمن أدى سبعين فريضةً من فرائض الله عز وجل فيما سواه من الشهور، وهو شهر الصبر، وإن الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وهو شهرٌ يزيد الله تعالى فيه في رزق المؤمن، ومن فطَّر فيه مؤمناً صائماً كان له عند الله عز وجل بذلك عتق رقبة، فقيل له : يا رسول الله ليس كلنا يقدر على أن يفطر صائماً. فقال: إن الله تعالى كريم يعطي هذا الثواب من لا يقدر إلا على مَذقةٍ من لبنٍ يفطَّر بها صائماً، أو بشربةٍ من ماء عذبٍ، أو تميراتٍ لا يقدر على أكثر من ذلك .. إلى أن قال: فهو شهرٌ أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره إجابة وعتق من النار)).

 

عندما نعود إلى محتويات ومضامين هذا الخطاب، ومعالم هذه النصوص المهمة، نجد أن الله سبحانه وتعالى برحمته وفضله فتح باب خير كبير لعباده المؤمنين في هذا الشهر الكريم،

أولاً على مستوى مضاعفة الأجر والثواب، فقد ضاعف الله الأجر، وأجزل الثواب، على كل عملٍ من الأعمال الصالحة التي فيها رضاه، سواءً على مستوى الأعمال العبادية كالصلوات وما شابه، أو على مستوى الأعمال الإنسانية من مثل العطاء والبذل، والإنفاق، الصدقة، كل أعمال البر والإحسان، ومن ذلك إطعام الطعام، توفير الطعام لمن يحتاج إليه، وعلى مستوى توفير حاجة الصائمين من الطعام لفطرهم، أجر عظيم ضاعف الله الأجور لسبعين ضعفاً، كذلك جعل مستوى العمل التطوعي في فضله وأجره ومكانته، بقدر العمل الذي هو من الفرائض المفروضة المحتومة فيما سواه من الشهور. يعني: باب خيرٍ كبير.

 

عندما يوفَّق الإنسان في هذا الشهر لأعمال البر المتنوعة على المستوى التطوعي وعلى مستوى الفرائض المفروضة، فهو خلال شهر رمضان قد يحقق لنفسه من خلال عمله وبرحمة الله، وبالتقبل من الله سبحانه وتعالى رصيداً عظيماً من الأجر والثواب، والله رحيمٌ بعباده، ونحن أمة محمد في آخر الزمان أصحاب الأعمار القصيرة، ليس هناك أعمار كما كان في السابق في الأمم الماضية أعمار طويلة، يتاح للإنسان أن يعمل فيها الكثير الكثير من الأعمال، لكن الله سبحانه وتعالى جعل لنا مواسم من الخير، تُضاعف فيها أجور الأعمال، ويصبح للعمل وزنه وقيمته وفضله مضاعفاً بأضعاف كثيرة، والله واسع الخير واسع البر، واسع الرحمة، واسع الفضل، ذو الفضل العظيم، فهي فرصة أتاحها الله سبحانه وتعالى لنا، هذا على مستوى العمل وفضله ومكانته وأجره.

 

المحطة الثانية من المحطات المهمة في هذا الخطاب عندما قال (صلوات الله عليه وعلى آله): ((وهو شهر الصبر، وإن الصبر ثوابه الجنة)) في شهر رمضان وهو محطة تربوية مهمة، نتعلم الصبر ونروّض أنفسنا على الصبر، والصبر الذي هو أساسيٌ في تحقق الإيمان، وفي اكتمال الإيمان، وفي الثبات على الإيمان، الصبر الذي نحتاجه في الصبر على طاعة الله، فيما يواجهنا من مشاق، أو الصبر عن معصية الله سبحانه وتعالى من خلال الضغط على النفس، والسيطرة عليها، ومنعها من التورط فيما هو عصيان لله سبحانه وتعالى، الصبر في مواجهة أعباء المسئولية، مسئوليتنا الكبرى في واقع الحياة، وواجباتنا المهمة في الحياة التي تحتاج إلى صبر، الصبر في مواجهة المحن والآلام والشدائد والمصائب، الصبر الذي نحتاج إليه، والصبر بأهميته الكبيرة، أهميته الكبيرة التي شبهها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فيما ورد عنه عن الصبر أنه: ((من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد)) ففي شهر رمضان نروّض أنفسنا على الصبر، ونعودها على أن تصبر على متاعب الجوع والظمأ، ومتاعب الجهد البدني والنفسي وما شابه، هذه واحدة من فوائد شهر رمضان المبارك.

 

من الفوائد الأخرى لهذا الشهر الكريم، أنه شهر المواساة، شهرٌ ينخلع فيه الإنسان من ضغط الأنانية، الأنانية فيما كان الإنسان لا يفكر إلا في نفسه، ولا تهمه إلا نفسه، ولا يحرص إلا على ما يوفره لنفسه، نتعلم المواساة والإيثار، والبذل والعطاء والإحسان، لنربي أنفسنا على الإحسان، لنربي أنفسنا على العطاء، لنربي أنفسنا على المعروف حتى نخرج من حالة الحرص، وحتى نخرج من حالة الشح {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الحشر:9)، ولربما تساعد الإنسان حالة الجوع التي شعر بها في صيامه، وحالة الظمأ، وحالة الحاجة التي شعر بها أثناء الصيام إلى أن يحس بأوجاع الآخرين، بظروفهم، بمعاناتهم، بجوعهم، بحاجتهم، وبالتالي ومع الأجواء الإيمانية وأجواء الخير والعبادة، وبركة هذا الشهر الملموسة، قد يوفق الإنسان لأن يواسي الآخرين، يبذل لهم من المعروف ما يبتغي به رضى الله، ما يقصد به وجه الله سبحانه وتعالى، ما يريد به أن يتقرب إلى الله، ليقيه من عذابه، ليدفع عن نفسه العذاب والشقاء.

 

كل هذه الحالات يمكن للإنسان أن يهتم بها في هذا الشهر الكريم، يتربى عليها، يألفها، يتعود عليها، ثم يصبح ما بعد شهر رمضان الكريم امتداداً لشهر رمضان الكريم وإن لم يكن بمستواه، لكن الحالة التي اكتسبها الإنسان، حالة التربية على الخير والبذل والعطاء، حالة التجاوز للأنانية، للشح، للبخل، وحالة التروض على الصبر تؤهل الإنسان للعمل والاستقامة والصلاح فيما بقي من عامه، وفيما بعد شهر رمضان إلى المحطة الأخرى من شهر قادم إن بلغ الإنسان ذلك.

 

هذا هو شهر رمضان، موسم خيرٍ وبركة، ومضاعفة للأجر والثواب، وسلمٌ للارتقاء الإيماني والقربة إلى سبحانه وتعالى فيما يُقرِّب إليه من صالح الأعمال، هذا الشهر المبارك لو يتم التعاطي معه بوعي بمقاصده، وعيٍ بأهميته، وتفاعلٍ معه بالقدر اللازم، لو نعكس أثره في الواقع لساعد على حل كثيرٍ من المشكلات.

 

هذا الشهر هو مدرسةٌ تربوية، وله غايةٌ كبرى، ذات أهمية كبيرة جداً هي التقوى، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:183) يوجه الله سبحانه وتعالى نداءه وتوجيهه وأمره في هذه الآية المباركة إلى عباده المؤمنين {الَّذِينَ آَمَنُوا} بحكم انتمائهم للإيمان الذي يترتب عليه الالتزام بطاعة الله سبحانه وتعالى، وتنفيذ أوامره، والالتزام بتوجيهاته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}(البقرة:183) فريضة مكتوبة، محتومة، وواجبة، وهي كانت فريضةً سابقةً على الأمم السابقة من قبلنا {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:183) وهذا للأسف ما يغفل عنه الكثير من الناس، ولا يتـنبهوا له، ولرب حال كثيرٍ، لربما حال كثيرٍ من الصائمين هو قائمٌ على أساس الغفلة تماماً عن هذا الموضوع، عن التقوى وأهميتها، وأنها تمثل غايةً أساسيةً للصيام، وأن الصيام إذا لم تتحقق التقوى كثمرةٍ له، لن تتحقق بقية الأمور الأخرى، لا أجر ولا ثواب ولا شيء يمكن أن يتحقق، إن لم تتحقق هذه الثمرة، إن لم يتحقق في واقعك من صيامك التقوى، فبقية الأمور قد لا تحصل نهائياً، لا أجر ولا ثواب ولا غير ذلك؛ لأن الصيام بنفسه قد يكون هو غير مقبول، ((ولرب صائم حضه من صيامه الجوع والظمأ، وقائمٍ حضه من قيامه السهر والنصب)) .

 

الغايات الأساسية لعبادة الله سبحانه وتعالى، كل عبادة من عبادتنا لله سبحانه وتعالى، وكل فريضة فرضها الله علينا لها غايةٌ ومقاصد، ولها أثر في واقع الحياة يترتب عليها، هذا الأثر في الواقع إذا غاب، إذا لم يتحقق، معناه أنها لم تؤدَ تلك الفريضة بوعيٍ بمقاصدها وكما أمر الله سبحانه وتعالى، يعني: هناك خلل في الأداء، خلل كبير في الأداء عطَّل تلك الفريضة عن ثمرتها الحقيقية العاجلة، أو أن الأعمال هي مجرد أعمال الهدف منها فقط وفقط هو الأجر والثواب؟ لا. لا.

 

لكل عمل، لكل فريضة، لكل ما أمرنا الله به، ووجهنا إليه، وأرشدنا إليه، غاياتٌ في واقع حياتنا، وآثارٌ في واقع حياتنا، ونتائج ملموسة في واقع حياتنا، ولا تنفصل هذه الحالة، النتيجة، الأثر، الثمرة، لا تنفصل أبداً عن تلك الفريضة، عن مضمون ما أمرنا الله به، إلا إذا هناك خلل يجعل ذلك العمل وكأنه لم يكن، وكأنه لم يتحقق، كأنك لم تقم به، ليس مقبولاً منك، ليس مقبولاً منك.

 

فالصيام له هذه الغاية المهمة {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فالتقوى غايةٌ أساسية للصيام، يقبل الصيام إن تحققت، يصبح له هذه الأهمية، وتتحقق فيه هذه النتائج من مضاعفة الأجر والثواب والقربة إلى الله، والفضل العظيم الذي وعد الله به، فما هي التقوى؟

 

التقوى كحالةٍ نفسيةٍ تسيطر على مشاعرنا، الحذر الشديد من أن نقصر أو نهمل أو نبتعد عن ما أرشدنا الله سبحانه وتعالى إليه، التقوى فيما تعنيه من انطلاقة في التحلي بالفضائل، من انطلاقةٍ في كل العبادات التي شرعها الله سبحانه وتعالى لنا، نؤديها بشكلٍ واعٍ، نفهم مقاصد الله سبحانه وتعالى ومقاصد كتابه في تشريعها، وتأتي عبارة { اتَّقُوا اللَّهَ} في القرآن الكريم في مقدمة كل قضيةٍ هامة، وبشكلٍ متكرر، ليوحي للناس بأن المسألة مهمة، فلينطلقوا من منطلق الحذر من الله من أن يقصروا في هذه القضية، سيضربهم هو، سيكون عقابه شديداً عليهم، سيكون غضبه شديداً عليهم، كما في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}(الأنفال:1)، {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}(الأحزاب:70)، {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِه}(آل عمران:102)، تحلوا بالتقوى، كونوا متقين لله، فيما تعنيه كلمة التقوى من مشاعرِ الحذر من التقصير فيما أمرنا الله أن نعمل من أجله.

 

التقوى فيما تعنيه الابتعاد عما يوقعنا في سخطه وعقابه، هذه هي التقوى، حالة من الحذر، وعي بأن الله سبحانه وتعالى .. وعيٌ وإيمان بأن الله سبحانه وتعالى يعاقبنا ويؤاخذنا فيما إذا عصيناه في أمرٍ من أوامره، إذا تجاوزنا حداً من حدوده، إذا تنصلنا عن مسئوليات أمرنا بها وفرضها علينا، فالتقوى لها هذا المدلول الشامل والواسع، فتتناول كل واقع حياتنا لتجعل منه واقعاً مستقيماً نتحرك فيه على أساس الشعور بالمسئولية، والإيمان بالله، وأنه يعاقب ويؤاخذ، ونتعاطى على أساس المسئولية بعيداً عن حالة الانفلات، حالة الانفلات من التقيد بأوامر الله، الانفلات عن الالتزام بالأخلاق والمبادئ، الانفلات الذي يتحول فيه الإنسان إلى ألعوبةٍ بيد الشيطان، إلى عبدٍ لشهوات نفسه، وهوى نفسه، ورغبات نفسه.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

 

من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.

بعنوان (التقوى)
القاها بتاريخ: 2/ رمضان/1434هـ

اليمن - صعدة .


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر