ولذلك فنحن نعتبر الموقف الرسمي لمعظم البلدان العربية والإسلامية، لم يرقَ أبدًا إلى الحدِّ الأدنى من الموقف المطلوب، إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع من يحركهم اليهود. الموقف من اليهود أنفسهم، من العدو الإسرائيلي، من اللوبي اليهودي الصهيوني في العالم، من أمريكا وإسرائيل، يجب أن يكون موقفًا صارمًا، وحاسمًا، وحازمًا، ثم من أتباعهم؛ من يتحرك معهم، من يخضع لهم، سواءً في السويد، أو الدنمارك، أو في أي بلدٍ أوروبي، يتحرك معهم تحت إطار تحركهم العدائي لرسالة اللّٰه، لكتب اللّٰه، لرسل اللّٰه وأنبياء الله، المفترَض أن يكون هناك موقف حاسم.
عندما تهرَّب الكثير من الزعماء، تهرَّبت الكثير من الأنظمة في العالم الإسلامي، من أن يتبنوا موقفًا هو في الحد الأدنى: قطع العلاقات الدبلوماسية، والمقاطعة الاقتصادية، هذا يبيِّن ويكشف مدى الخلل الكبير، في مستوى الانتماء للإسلام، والوفاء لهذا الانتماء، والمصداقية في هذا الانتماء، أين الغيرة على الإسلام، أين الحمية للإسلام! وإذا كان وصل الحال بكثير من الأنظمة في عالمنا الإسلامي، في المنطقة العربية، وفي غيرها، إلى درجة التهرُّب من اتخاذ موقف بهذا المستوى: قطع علاقات دبلوماسية، ومقاطعة اقتصادية، فماذا يمكن أن يفعله أولئك، من أجل أمتهم، إذا وصلوا إلى هذا المستوى من التفريط واللامبالاة، تجاه أقدس مقدساتهم، فهل هناك شيءٌ آخر يمكن أن يغضبوا من أجله، أن يتخذوا موقفًا لأجله، أن يتحركوا من أجله، لا يمكن أن يكونوا أوفياء لشيءٍ يتعلق بدينهم وأمتهم.
من هو جاهز للتفريط في أقدس المقدسات، سيفرط في أمته، سيفرط في أبناء أمته، سيفرط في الأوطان، والأعراض، والممتلكات، إذا كان ما ينبغي أن تكون حرمته وقدسيته في أعلى القائمة، في المستوى الأعلى، لا أهمية له عندهم، لا ترقى أهميته في نفوسهم إلى درجة أن يتخذوا من أجله موقفًا كذلك الموقف: قطع علاقات دبلوماسية، ومقاطعة اقتصادية، فهل سيتخذون موقفًا لما هو أدنى من ذلك أهميةً، لما هو أقل من ذلك أهميةً، لا يمكن. فلذلك هم يكشفون عن عدم أهليتهم، وعن عدم جدارتهم، لموقع المسؤولية الذي هم فيه، ليسوا أمناء على أمتهم، ليس عندهم اهتمام بقضايا أمتهم، ليس عندهم مبالاة، ولا استشعار للمسؤولية، تجاه أمتهم في دينها، في مقدساتها، وبالتالي فيما دون ذلك من بقية أمورها، هذه مسألة خطيرة جدًّا.
وبقدر ما نراه من هذا التخاذل، لدى أوساط الكثير من الأنظمة، لدى الكثير من الزعماء، يجب أن نكون حذرين من ذلك، أن نعي مسؤوليتنا نحن، وأن ندرك خطورة التقصير، خطورة التفريط، وأن نتحرك في الموقف الصحيح، في الاتجاه الصحيح؛ لأننا لا نرهن مواقفنا المبدئية، والايمانية، والأخلاقية، بمواقف الآخرين؛ من المتخاذلين، من المفرطين، من الذين ابتعدوا عن مبادئ الإسلام، وقيمه، وأخلاقه، ولم يحملوها.
في هذا العصر عندما نرى تحرك طغاة العصر، وهم يعملون بكل وضوح لتدمير القيم والأخلاق، ونشر الرذائل، وتفكيك المجتمع، وإبادة النسل البشري، مسؤوليتنا ونحن نستذكر- من تاريخنا- نهضة أولئك الأعلام العظماء، والهداة الأولياء، الذين نهضوا في ظروفٍ صعبة، وقدَّموا كل التضحيات، بما في ذلك بأنفسهم، فمسؤوليتنا نحن، ونحن نرى طغاة العصر يتحركون بكل وضوح، بكل وقاحة، وهم يحملون لواء الرذيلة، يجاهرون بذلك دون أي ذرة من حياء، لم يبقَ لديهم أي ذرةٍ من حياء أو خجل، فيجاهرون بتنكرهم للأخلاق والقيم، التي هي إنسانية، وفطرية، ودينية، وأتت بها الرسالة الإلهية، ويعرف البشر في كل المجتمعات بفضلها، بشرفها، بقيمتها، ذات قيمة إنسانية عظيمة، ومع ذلك يتنكّرون لها.
فلديهم برامج، وأنشطة، وأعمال كثيرة، سواءً ما يتحركون به من خلال وسائلهم الإعلامية، من خلال جوانب تثقيفية، وفكرية؛ كتابات، وكتب، ومقالات، ومن خلال- أيضًا- نشاطهم عبر المنظمات، وأصبحت هذه المسألة من ضمن الأولويات لدى المنظمات التي تتحرك بها لاختراق المجتمعات: المحاولة بنشر الفساد، بالترويض للمجتمعات والشعوب بتقبل الفساد، وكسر حاجز الحياء أمام ذلك، والسعي لتضييع القيم، والأخلاق العظيمة، مكارم الأخلاق التي هي ذات قيمة إنسانية لدى المجتمعات البشرية، وهي ضمن الالتزامات الإيمانية والدينية، السعي لتضييعها. وتفكيك المجتمع البشري، عندما أصبحوا يروجون للشذوذ الجنسي، فاحشة الشذوذ الجنسي، ويحاولون أن يصلوا بها إلى مختلف المجتمعات، هم بذلك أيضًا يستهدفون الأسرة، يستهدفون النسل البشري، يعملون على تفكيك المجتمع بشكلٍ تام، هي وسيلة استهداف قذرة جدًّا للمجتمعات البشرية، وفي نفس الوقت يهدفون من خلالها إلى تمييع المجتمعات، إلى الوصول بها إلى أسوأ مستوى من الانحطاط؛ لأن ذلك يساعدهم على السيطرة التامة عليها والاستعباد لها.
استهدافهم المستمر للشعوب بالحروب، بنشر الفتن، بنهب الثروات، بحرمان الشعوب من خيراتها، من ثرواتها، وما ينتج عن ذلك من مظالم كبيرة، وبالدرجة الأولى في عالمنا الإسلامي، الأمة الإسلامية استُهدِفت بالدرجة الأولى بهذا الشكل من الاستهداف: بالحروب، والفتن، والمشاكل، والأزمات، ونهب الثروات والخيرات، سواءً في العالم العربي، أو في مختلف المناطق الأخرى من آسيا، أو في أفريقيا. هناك ظلم عام استهدف الكثير من الشعوب والبلدان، وهناك أيضًا على مستوى الاستهداف للمسلمين، في مختلف الأوطان والبلدان بشكلٍ أكبر، وهذه مسألة واضحة ومعروفة. في عالمنا العربي هناك فلسطين، ظُلم على مدى عشرات السنين، من أسوأ أنواع الظلم، ظلم واضح، لا غموض فيه ولا خفاء، استباحة وقتل يومي للشعب الفلسطيني، اغتصاب للأرض والممتلكات بشكلٍ واضح ومكشوف، ومع ذلك يقف الغرب بشكلٍ عام بكل وضوح، مناصرًا، ودافعًا، ومحاميًا، وداعمًا للعدو الإسرائيلي.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
القاها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد 1445هـ