الشيء الآخر: أننا كمسلمين عندما نستذكر، أو نعود إلى واقعنا من جانب، وإلى ما ينبغي أن نكون عليه من جانبٍ آخر، نجد أن الأصالة الحقيقية التي يمكننا أن نعود إليها بكل اطمئنانٍ وثقة، هي فيما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في حركته بالرسالة الإلهية، وفيما قدَّمه لنا القرآن الكريم؛ لأننا نعاني في واقعنا الداخلي كأمة من حالة الزيف، من حالة التضليل الرهيبة والهائلة، نتيجة لسيطرة الطاغوت، ونتيجة للتبعية التي عليها قطاعات واسعة من أبناء الأمة، وفئات واسعة من أبناء الأمة، أصبحت من واقع انتمائها للإسلام وللأمة في حالة تبعية واضحة ومكشوفة لأعداء الأمة، فهي تعمل لصالح الأعداء، ولكن في داخل واقع الأمة، وجزء كبير جدًّا مما نعانيه كأمةٍ مسلمة في هذا العصر هو من تلك القوى الظلامية والمنافقة، التي هي مرتبطة بالأعداء بشكل واضح، كما هو حال من يرتبطون اليوم من: حكومات، وجماعات، وكيانات، وأنظمة، وشخصيات… من كل فئات الأمة ومكوناتها مرتبطون بأمريكا بشكلٍ علنيٍ واضح، ويتحركون من هذا المنطلق: من منطلق ارتباطهم بأمريكا، فيما يخدم مصالح أمريكا، وأجندة أمريكا، ومؤامرات أمريكا، فيشتغلون في داخل الأمة على هذا الأساس.
من يثيرون الفتن اليوم في داخل الأمة من هم؟ من يلعبون أقذر وأسوء دور في تفكيك الأمة، وتفتيتها، وبعثرتها، وإغراقها في المشاكل والأزمات، ويعملون بأقصى ما يستطيعون إلى تسخير كل الإمكانات في داخل الأمة: الاقتصادية، والبشرية، والإعلامية، وتعبئة وحشد كل الطاقات في خدمة أمريكا، من هم؟ مكونات وكيانات بشكل حكومات وجماعات واتجاهات متعددة من داخل الأمة، ينتمون للإسلام، ويعملون لمصلحة أمريكا.
سيطرة الطاغوت، والتبعية لمكونات واسعة من داخل الأمة لأعداء الأمة، تبعيتهم لأعداء الأمة مثَّل مشكلة كبيرة جدًّا في واقع الأمة، ولعب لعبةً كبيرة في تقديم عملية تزييف كبيرة لصنع اتجاهات تحسب على الإسلام، وما هي من الإسلام، وتحسب على أنها هي ما يعبِّر عن الدين الإسلامي، وهي انحراف- بكل ما تعنيه الكلمة- عن حقيقة ما عليه الدين الإسلامي، فالأصالة في امتداد الإسلام تتحقق من خلال عودتنا إلى الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في حركته بالإسلام، مع القرآن الكريم كمنهج، هذا يفيدنا.
وإذًا، كان حديثنا بالأمس ركَّز على أن من المعالم البارزة والرئيسية والجلية والواضحة والكبيرة في القرآن، في عناوين الإسلام ومبادئه الرئيسية، في حركة الرسول، وفي ما ترجمه بالفعل وبالقول على أرض الواقع: التحرر من الطاغوت، والاستقلال والانفصال عن أي حالة تبعية خارج الساحة الإسلامية لأعداء الأمة، هذا كان معلمًا واضحًا في حركة الرسول، وعلى أساسه كانت هجرته، لم يبقَ في مكة ليتأقلم مع وضعية هي وضعية سيطرة للطاغوت، ويبني واقعه على أساس من المصالح المشتركة مع الطاغوت، والتأقلم بالتنازل عن مبادئ وقيم وتشريعات إلهية، والإبقاء على بعضٍ، وإزاحة البعض الآخر الذي ينزعج منه الطاغوت، ثم الدخول في عملية تأقلم مع الطاغوت. لم يفعل ذلك أبدًا، واتجه في مسيرته بالإسلام اتجاهًا واضحًا، حتى مكَّنه الله من تحطيم كل كيانات الطاغوت، وساد الإسلام في الجزيرة العربية بكلها.
أيضًا كان من المعالم البارزة والرئيسية: أنَّ الإسلام دين نور ووعي وبصيرة، وعندما نعود إلى أعظم ما في الإسلام هو القرآن، ويعتبر مصدرًا رئيسيًا للإسلام، والقرآن الكريم هو نور الله لعباده، سمَّاه بصائر، وسمَّاه نورًا، {قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} [الأنعام: من الآية104]، ومن أعظم ما في القرآن الكريم أنه يصنع لدى الإنسان وعيًا عاليًا جدًّا تجاه مفاهيم الإسلام الصحيحة والسليمة، وأيضًا تجاه الواقع من حوله، وتجاه التشخيص للناس، لفئاتهم، يشرح لنا شرحًا واضحًا وواسعًا جدًّا عن المنافقين، عن الذين في قلوبهم مرض، عن أصحاب الادعاءات الكاذبة، الذين يحاولون أن يستغلوا الأمة، تصنيف دقيق وواضح، وتشخيص بصفات وعلامات وسمات تشخِّص لنا كل فئة من الفئات، سواءً من الفئات المحسوبة على المسلمين والإسلام، أو الفئات الأخرى، من خارج الأمة الإسلامية، ثم يحدد لنا الموقف الصحيح من كل فئة من تلك الفئات، يقدِّم وعيًا عاليًا يحمي الأمة من الاستغلال، ومن الخداع، ومن التضليل، يحمي الأمة من أن تتحول إلى أداة لصالح أي طاغية، أو مجرم، أو منافق، أو عميل، أو خائن… والأمة أحوج ما تكون إلى الوعي في كل شيء، وإلى البصيرة في كل شيء، وحاجة مُلِحَّة، وحاجة ماسَّة جدًّا، الاستفادة من القرآن الكريم في ذلك مسألة ضرورية جدًّا، وإلَّا فالبديل هو الضلال، وهو العمى، وهو أن يكون لدى الإنسان قابلية لأن يخدعه أي مخادع، ويضلَّه أي مضل، يهودي، وإلَّا منافق، ويضلك بكل بساطة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
الكلمة الثانية بمناسبة الهجرة النبوية 1440هـ – 2