نأتي إلى العملية التوثيقية هذه، العملية التوثيقية هذه كل إنسان يجهز له ملف سواء عبرنا عنه كتابا، مثل ما في آيات أخرى كثيرة، أو صحيفة هذا الصحف نشرت، وهذا الملف بالتأكيد أنه وثقت فيه كل أعمالك وتصرفاتك وبشكل دقيق وتام وعملية توثيقية قد تكون، أشبه ما تكون بعملية الفيديو، الصوت والصورة، هناك من الآيات ما يدل على ذلك، الله سبحانه وتعالى قال في صورة النجم: (وأن ليس للإنسان إلى ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزآه الجزاء الأوفى) سوف يرى، يعني يوم القيامة ما تحتاج المسألة أنك تقرأ العبارات، وفعل يوم كذا كذا وتصرف كذا وفي لحظة كذا توجه إلى كذا مجبر طويل عريض، قد ترى نفسك بالصوت والصورة، تشاهد نفسك وأنت تعمل ذلك العمل المخزي الذي حرصت على أن يكون في جو مكتوم ومستور، وقد تفضح بذلك أمام الملأ وأمام الناس، أمام مشهد البشرية بكلها، من أنبياء ومرسلين وصديقين وصالحين وطالحين ومؤمنين وكافرين وأمام الجميع، ما الذين عملت وتخزى على نفسك، يأتي الإنسان يوم القيامة ومن أهم محطات يوم القيامة ومشاهد يوم القيامة هي اللحظة التي سيستلم الإنسان ملفه، كتابه الذي وثقت فيه جميع أعماله، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن يوم القيامة: (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية)، فما من أحد يستطيع أن يختفي، مع كثرة الجمع، ولا يمكن أن يخفي شيئا أيضا مما قد عمل، (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقروا كتابيه) عند عملية توزيع الكتب والصحف والملفات هذه، الإنسان كعلامة، إما أن يتناول هذا الكتاب ويعطى هذا الكتاب بيمينه، يعطيه الملائكة تفضل استلمه بيمينك، ويمد يمينه ليستلم هذا الملف، وإما أن يعطى هذا الكتاب شماله ومن وراء ظهره أيضا، إما أن يأتي من يتولى هذه المهمة يوم القيامة من ملائكة الله ليعطيك كتابك وصحيفة عملك من أمامك، يأتي إليك ويقبل عليك من أمامك، فيعطيك وتتناول باليمين، وإما أن يأتي إليك من خلفك، من وراء ظهرك، وعلى أن تتناوله بيدك الشمال، علامة أن يعطى الإنسان كتابه بيمينه علامة إيجابية، جعلها الله علامة إيجابية، علامة اليُمن، علامة الخير علامة الفوز، علامة البركة، وأن يأتيك هذا الموكل من الملائكة من أمامك لأنك لك من العمل ما يشرفك وتلقى الله أبيض الوجه، وعندك من الأعمال المشرفة والمقبولة والصالحة فيقول: (هاؤم اقروا كتابيه) تبتهج وترتاح، ويتضمن هذا الملف الأعمال الصالحة، الأعمال المشرفة الأعمال التي ابتهجت بها، أدركت قيمتها رأيت ثمرتها، وأعمال ليس فيها ما يخزيك ويشينك، لا، فابتهجت وارتحت وسعدت واستبشرت، وذهبت إلى الآخرين في الحشر في ساحة الحشر، من الزملاء من الأصحاب من الناس، (هاؤم اقروا كتابيه)، هاؤم تساوي عبارة هالكم، تفضلوا شوفوا كتابي، اطلعوا عليه، ما فيه من أعمال صالحة تبيض وجهي، أنا اليوم مبتهج بكل تلك الأعمال التي عملتها وفعلتها وقلتها وتصرفت بها، وهذا كله لماذا؟ كيف توفقت لهذه الأعمال، كيف كان كتابي يحوي هذه الأعمال الشريفة العظيمة المشرفة، (إني ظننت أني ملاق حسابيه)، لأني في الدنيا حسبت حساب أنني سأحاسب على كل ما علمت، ولأني حسبت هذا الحساب كنت مسؤولا على تصرفاتي، ومنتبها فحرصت على أن أعمل الأعمال الصالحة والمسؤولة وأن أتوب وأنيب وأقلع عن الأعمال السيئة، (فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية)، فاز وكان مصيره ومآبه إلى هذا المآب، (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية وأما من أوتي كتابه بشماله)، ومن وراء ظهره في آية أخرى كذلك، (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره)، هذا كيف سيكون موقفه؟، استاء، شاف كثير من الأعمال والمواقف السيئة والحماقات والتصرفات الغبية واللا مسؤولة، والمدنسة التي انجر إليها بهوى نفسه وطمع نفسه ورغبات نفسه وشهوات نفسه وغضبه وطيشه وتعامله اللامسئوول، كيف سيقول، كيف سيتصرف؟ سيصيح، سيقول: (يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية)، يصيح يندم، يشعر بالهلاك، قال في آية أخرى: (فسوف يدعوا ثبورا)، يصيح واهلاكاه، اليوم هلاكي اليوم ورطتي، أعمال سيئة، ليتني لم أطلع عليها، ليتني لم أقرها ولم أدر بها ولم أعرف بها، وأشياء كثيرة قد نسي الكثير منها لأنه كان مستهترا ولا مباليا ولا يهتم بأعماله وتصرفاته، ينسى الكثير ويغفل عن الكثير ولا يسأل نفسه في الدنيا ويحاسب نفسه لخلص نفسه هنا، ليخلص نفسه فيتوب وينيب ويقلع، لا، ورط نفسه، (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون لا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصها) يصيحون من هذه المسألة، يصيحون من الدقة العجيبة والإحاطة الكاملة بكل ما قد عمل، يصيح الإنسان، حتى أشياء يستغرب كان يتهاون بها كان لا يحسب حسابها، كان يعتبرها أشياء عادية أو لا يبالي بالآخرين، جريء بها يعملها بكل جرأة وإذا بها قد حسبت وسيحاسب عليها ويجازى عليها، (يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها)، (ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) مسألة مهمة، مع هذه العملية التوثيقية، مع شهادة الملائكة مع شهادة الشهود من البشر، هناك عملية توثيقية عجيبة أخرى، الإنسان أعضاؤه جوارحه ستشهد عليه، وفيها كأن الله ضمن خلقه لها جعل فيها عملية توثيقية، جعل فيها قدرة توثيقية، آلية معينة للتوثيق، فأنت في الوقت الذي تعمل ما تعمل، يتوثق من حينه، مثلا بصرك، ألا نشوف اليوم الكاميرات، الكاميرات يمكن أن تنظر منها فترى في الوقت الذي هي فيه آلة رؤية، يمكن أن تعمل فيها تسجيل، أن تجعلها في حالة تسجيل، قد تكون أبصارنا هذه قد تكون في الوقت الذي نرى بها هناك أيضا عملية تسجيل لما نراه، عملية تسجيل لرؤيتنا، لإدراكنا لما نراه وندركه وما ننظر فيه، سمعنا كذلك، عملية سمع وعملية تسجيل، بقية جوارحنا وأعضائنا فيها عملية توثيق، الله جل شأنه بعد الحساب عبر الصحف وعبر الملائكة وعبر الشهود من البشر يبقى الإنسان يجادل أمامه جهنم، أمامه الخسارة الأبدية والرهيبة والعذاب الشديد وخائف جدا، خوف ورعب شديد، (إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين)، من شدة خوفهم تطلع قلوبهم إلى الحناجر، يصل قلبك حنجرتك من شدة الخوف، إذا الإنسان غير موفق والعياذ بالله، فيبقى يجادل ويتشبث بجداله وإنكاره وجحوده ومكابرته حتى مرحلة معينة، تبدأ أعضاؤك بالشهادة عليك، فتشهد أنت على نفسك، فلا يمكنك حينها المكابرة ولا الجدال، (اليوم نختم على أفواههم)، أنت مع ذلك الجدال والهذرفة والمناكرة، (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها)، بعدها يختم على فمك وتمنع من الكلام ولا تستطيع النطق، اسكت اسمع، هناك شهود عليك، من؟ من هذه المرة؟ (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم)، تبدأ يداك بالتكلم وتؤدي شهادتها عليك، قد تقول أنا ما عملت كذا ولم أفعل كذا ووالله لم ألمس كذا ولم أقرب كذا ولم أفعل كذا، فتشهد عليك يداك بما عملت بهما وتصرفت بهما من تصرف وأصابعك، من كل ما حصل من تصرفات عبر هذه الجوارح، (وتشهد أرجلهم) ثم الرجلان تشهدان كل منهما تؤدي شهادتها بما عملت بها، (وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون)، يقول الله سبحانه وتعالى (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم)، حتى الجلد (بما كانوا يعملون)، ويندهش الإنسان، يندهش باتت جوارحه تشهد عليه، ورأى الأدلة والشواهد من نفسه على نفسه ومن جسده على نفسه ومن جوارحه بما عملت، يحتار يندهش، يصاب بالذهول، يستغرب، بل يدخل في خصام مع نفسه، (وقالوا لجلودهم)، قالوا لجلودهم، يتخاصم مع جلده، تصل إلى هذه الدرجة، (لم شهدتم علينا)، كيف يا جلدي تشهد علي؟ (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا)، يجيبك جلدك، تجيبهم جلودهم، قالوا، الجلود نطقت وأجابت وردت عليهم وخاصمتهم (قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء)، والذي يمنح كل شيء، القدرة على النطق، فينطق حين منحه القدرة على أن ينطق (قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة)، هو الذي خلقكم وأنطقكم، أنطقنا نفس الشيء، مثل ما منحكم القدرة على النطق، منحنا كجلود القدرة على النطق (وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون) أمور ما كانت عند الإنسان يحسب حسابه، لا يحسب حساب أن يشهد عليه سمعه ولا أن يشهد عليه بصره ولا أن يشهد عليه جلده ويخاصمه جلده ويثبت عليه الإدانات جلده، ما كان يحسب حساب هذه الأمور، لأنه لم يكن يحسب حساب ما هو أهم منها، والذي هو رقابة الله، وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم، ما كنت تستتر من سمعك لا يشهد عليك، وأين ستستتر من سمعك؟ ولا أبصاركم ولا جلودكم، ما كنت تستتر من جلدك، وتتركه هناك وتختفي عنه هناك لتفعل ما تريد أن تفعل، وهل سيمكن ذلك، لكن هناك ما هو أقرب من ذلك وأشد رقابة من ذلك، (ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون) هذه الغفلة، الغفلة عن رقابة الله، اللا مبالة بالله التجاهل لله، النسيان لله (وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم)، أهلككم، وصلتم إلى الهلاك، في الحياة لم تعودوا مبالين مستهترين، ما رغب به وعنده قدرة أن يعمله عمله، ما رغب به من تصرف ولديه القدرة عليه فعله، لا يبالي، لا يستحي، لا يحسب حساب الله، وإذا حسب حسابات معينة، حاول أن يتداركها هي وأن يعمل احتياطاته تجاهها ويكتفي بذلك ثم لا يحسب حساب الله (أرداكم فأصبحتم من الخاسرين)، الخسران الرهيب، فإن يصبروا، وصلوا إلى جهنم ليحترقوا في نار الله أبد الأبد، لو كانت المسألة أنك ستدخل في فرن، فرن، فرن فقط لإنضاج الخبز لكانت كارثة أما جهنم بكلها فما بالك، فإن يصبروا، تريد أن تصبر فالنار مثوى لهم، ما هناك من قدرة على الصبر، عذاب شديد لا قدرة على الصبر عليه، ولا ينفعك الصبر فيه ولا الصراخ كذلك، العذاب والألم الدائم، (وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين)، إذا حاولوا أن يتوبوا، أن ينيبوا أن يرجعوا إلى الله، فاتت الفرصة، فرصتنا هي اليوم، اليوم فرصتنا، الإنسان بالتسويف والغفلة واللامبالاة والاستهتار والإهمال وسكر الهوى وسكر الملذات والغفلة والتبلد لا ينفعه ذلك، هذه الكارثة على الإنسان، اليوم في هذه الحياة، والآن ونحن في شهر رمضان فرصة لأن يحاسب الإنسان نفسه وأن يراجع حساباته، أن ينيب إلى الله، أن يرسخ في وجدانه الرقابة الإلهية، في إيمانه الشهود الإلهي والحضور الإلهي، إن الله رقيب عليك ويعلم بك، ثم أنت دائما محاط بهذه الرقابة، الملائكة معك، أين ما ذهبت وأين ما اتجهت لا يمكن أن تطردهم من حولك ولا أن تغلق في وجههم الأبواب وتدخل لوحدك، حاضرون معك أين ما أنت، يوثقون ما تفعل، ثم هذا التوثيق المركب فيك في خلقك، ويوم القيامة ينطق حتى جلدك، إذن يجب أن نحسب حسابنا في هذه الحياة لنتعامل بمسؤولية، فنحرص على العمل بمسؤولية والتكلم بمسؤولية والتصرف بمسؤولية والقيام بمسؤولياتنا في هذه الحياة والانتباه في هذه الحياة والحذر من الغفلة في هذه الحياة والإنابة حين الزلل وتدارك ما زل فيه الإنسان.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
المحاضرة الرمضانية التاسعة (استشعار الرقابة الإلهية)
القاها السيد / عبد الملك بدر الدين الحوثي - رمضان 1438هـ 09-06-2017.