عاملٌ آخر من عامل الانجذاب هو الترَفُ، المال، الحرص على الحصول على شيء من حُطام هذه الدنيا، في العادة معظم هؤلاء المستكبرين الفئة المؤثرة الفئة السلطوية منهم التي لها تأثيرٌ كبير في واقع الناس وتحكم كبير، فئة تتمتع بقوة المال بقوة النفوذ بقوة السلطة ويمثل عاملَ المال عاملاً مؤثراً جداً، وهذه الفئة هي توصفُ في القرآن الكريم بالمترفين أَيْضاً، هؤلاء المترفون الذين لديهم استحواذ واستئثار وحرص على الجمع والادخار وعلى الثروة وعلى التوظيف لهذه الثروة بالاتجاه الخطأ ونزعة استعلائية ونزعة بطر ونزعة غرور بما لديهم من مال ونزعة استعلاء بما لديهم من ثروة هؤلاء هم أَسَاساً يشكلون النواة الرئيسية داخل فئة المستكبرين، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى "وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا" على مدى التأريخ كله في كُلّ زمن "إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا"، فكان لديهم النزعة الاستعلائية بما أنهم الأكثر مالاً الأكثر ثروة ان يكونوا هم فوق المجتمع بكله، المتحكمين بالمجتمع، النافذين في المجتمع المسيطرين على المجتمع الفارضين لرؤاهم ورغباتهم وأطماعهم وشهواتهم وأهوائهم بشكل عام عَلى المجتمع "وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ" وينشط المستكبرون لضمان استحواذهم على الناس وسيطرتهم ويسعون إلى الاستحواذ الكامل على الإنْسَان من حولهم على المجتمعات من حولهم التحكم بها في عقائدها في توجهاتها في مواقفها في سياساتها في كُلّ شئون حياتها وهذه حالة سيئة جداً هذه حالة استعباد حالة تضليل رهيبة جداً، والقرآن الكريم يحكي لنا كيف كان هذا من أَهم العوامل المؤثرة التي حالت بين الكثير من الضعفاء والمستضعفين من فئات المجتمع الأُخْــرَى وبين الاقبال إلى الحق، تقبل الحق الايمان بالحق كيف كان هذا عاملاً مهماً ومؤثراً في التظليل بالناس فيقول الله سبحانه وتعالى "وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ "، لا إله الا الله في موقف القيامة موقف الحساب والجزاء، حيث الكل في مقام الاستسلام والاذعان لله بالعبودية والخضوع التام ورب العالمين "موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول"، يتجادلون ويتناقشون ويتخاصمون "يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ"، فالذين استضعفوا فخضعوا وتأثروا واذعنوا واستسلموا للذين استكبروا فاطاعوهم واتبعوهم وخضعوا لهم يوم القيامة يرون أنفسهم في حالة الخسران والندم الشديد فيخاطبون المستكبرين يلقون باللائمة عليهم وهُم في حالة تغيض وغضب رأوا أنفسَهم قد خسروا كُلّ شيء لمصلحة أُولئك المستكبرين فكانوا خاسرين في الآخرة كما خسروا في الدنيا لولا أنتم لكنا مؤمنين "قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ"، هل علينا اللائمة هل علينا المسئولية أنتم قد وصل اليكم الهدى وصل اليكم صوت الحق وصلت اليكم رسالة الله لاستنقاذكم وخلاصكم وهدايتكم لم يكن دورنا على المستوى الذي يحول تماماً دون وصول الهدى إليكم وصل إليكم الهدى لكنكم لم تقبلوا به فاخترتم الاتجاه الآخر، اخترتم طريقتنا والسير معنا والخضوع لنا بل كنتم مجرمين كنتم أنتم منحرفين من أصلكم واخترتم طريق الإجرام لأنكم مجرمين (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا.. يلقون من جديد باللائمة عليهم أنهم بمكرهم بمساعيهم باستخدامهم كل الوسائل لتأثير والتضليل التي تنحرف بالإنسان لدرجة الكفر بالله سبحانه وتعالى، إلى درجة اتخاذ الأنداد من دون الله سبحانه وتعالى.
ولذلك نلحظ بأهمية المسألة، الأهمية الكبرى أنها هي كانت العامل الرئيس في الانحرافات الكبرى في واقع البشر لدرجة عجيبة جداً.
لو نأتي على مدى التأريخ إلى الأقوام والأمم التي كانت وثنية وعبدة الأصنام وعبدة الشمس أو القمر أو المخلوقات أو الأشجار أو المجسمات أو أي كان.. الأمم الوثنية هذه هل كانت إلى الأحجار إلى الأصنام إلى المجسمات الأخرى تنجذب من نفسها، فئات المجتمع، عامة المجتمعات، هل كانت تنجذب من نفسها نحو الصنم، لا.
الصنم الحجري الذي كان موجوداً في الواقع العربي والذي لا يزال موجوداً في أو كان موجوداً عبر التاريخ أقوام أخرى كحالة عجيبة جداً أن يتجه البشر ليصنعوا أحيانا هم أو يشتروا أحياناً أخرى صنماً حجرياً فيجعلون منه آلهة.
حالة غريبة، غريبة جداً، من أغرب الحالات في واقع البشرية، هل هي حالة انجذاب نحو الصنم؟ لأن الصنم الحجري أثر عليهم، أقنعهم، تحدث إليهم، أغراهم، خاطبهم، قدم لهم إغراءات معينة، قدم أشياء معينة أثرت عليهم، لا، لا يوجد أصلاً ما يمكن أن يعزز هذا الارتباط أو يصنع هذا التوجه الغريب جداً بعبادة جمادات، كائنات أخرى مخلوقة، الإنسان أرقى منه، الإنسان أرقى من الصنم وأرقى من الحجر وأرقى من الكائنات والجمادات الأخر، فكيف كان يحدث ذلك؟
هذا هو شغل المستكبرين، المضلين وهم كانوا يفعلون ذلك لأنهم يفرضون واقعاً معينا على الإنسان يضمن لهم التحكم التام بهذا الإنسان، والصرف له والإبعاد له عن كل ما يحرره من العبودية لهم، فنجد في حركة الرسل والأنبياء كيف كانوا يلحظون ذلك.. لأنها بالدرجة الأولى حالة انجذاب وحالة تبعية.
نبي الله ابراهيم عليه السلام يخاطب قومه فيقول لهم: (وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا)، بفعل هذا الارتباط، بحكم هذه الروابط والعلاقات والتبعية التي أثرت لهذه الدرجة، بهذا المستوى، فاتخذوا من دون الله أوثاناً نتيجة هذا الانجذاب، هذه المودة، هذا الحب الغبي، الجاهل.
"مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين".
نبي الله نوح عليه السلام وهو يشكو الله سبحانه وتعالى بعد 950 عاما من جهوده في هداية قومه: (قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) – هذه مشكلتهم، اتبعوا أولئك المستكبرين من ذوي الثروة والجاه والسلطة والتأثير من ذلك الموقع.. موقع السلطة الثروة والاقتدار المادي،ـ واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا.. ومكروا مكراً كبارا، وقالوا – أولئك- لا تذرن آلهتكم، ولا تذرن وداً ولا سواعا ولا يغوث ونسرا وقد أضلوا كثيراً"، كان هذا إضلالاً منهم..
في حركة النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وما واجهه مع تلك الفئة المستكبرة، يقول الله سبحانه وتعالى: (وانطلق الملا منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشي يراد، ما سمعنا بهذا في الملة الأخرة إن هذا إلا اختلاق، أأنزل عليه الذكر من بيننا – انطلق الملأ منهم، الفئة المستكبرة، الملأ، تحركوا هم، ولو تركوا المجتمع ولم يحاولوا أن يضغطوا عليه وأن يؤثروا فيه لكان أقرب بكل تأكيد إلى الاستجابة، ولكن لا يعني ذلك أنه لا لوم على المجتمع.. ولا لوم على المستضعفين، المستضعفين لا مبرر لهم في هذا الانجذاب الأعمى، الضعفاء الذين انجذبوا بفقرهم إلى أولئك ليخدموهم، ليخضعوا أنفسهم لهم، ليكونوا معهم في كل شيء حتى، في الباطل، حتى في الظلم، حتى في الفساد، حتى في الطغيان، الذين انجذبوا بدافع القوة أو نحو القوة، رأوا في أولئك أقوياء، لا مبرر لهم.. لأنهم إنما استقووا بهم، استقووا بثرواتهم وهذا من أهم المسائل التي يجب أن يلتفت إليها الضعفاء والمستضعفون الذين هم يشكلون الفئة الواسعة في المجتمعات، أن أولئك كانوا مستأثرين بثروتكم أيها الضعفاء وكانوا أقوياء عسكرياً وسلطوياً حينما يجعلون منكم أنتم جيوشاً لهم، أذرعة لهم، أيادي لهم، يبطشون بكم، ويظلمون بواسطتكم، فلو تحرر المستضعفون لكانوا هم أقوياء؛ لأن أولئك إنما استقووا بهم ولكانوا هم الذين ينعمون بثرواتهم التي استأثر بها أولئك عليهم وهذا ما يحدث في كل زمان حتى في زماننا هذا، إئت إلى الأنظمة المستكبرة، إئت إلى أمريكا إلى اسرائيل إئت إلى الأنظمة المستكبرة في واقعنا العربية والإسلامي، نفس المسألة، استثأروا بثروة الأمة، فرأى فيهم الكثير من الفقراء أنهم أغنياء بما حازوه من ثروة، أخذوا فيها الكثير والكثير على الضعفاء وعلى حقوقهم وعلى حسابهم، وإئت إلى قوتهم العسكرية كيف شكّلونها من المجتمعات.. تسعون بالمائة أو قد يكون 99 % منهم من الضعفاء أو أن الكثير من الأغنياء يذهب ليتجند لا.
حالة الاستقطاب دائما ما تكون نشطة بين هذه الفئة الواسعة، فئة الضعفاء، هذه الفئة ترى خسارتها كبيرة يوم القيامة؛ لأنها ترى أن أولئك نعموا، عندما تذهب حالة العمى، عندما يستفيقون الضعفاء الذين أتبعوا المستكبرين، عندما يستفيقون يوم القيامة من غفلتهم يدركون أن أولئك إن ما كانوا أقويات وتمتعوا بما تمتعوا به في الدنيا من ثرواتهم وبهم، أما هم فكانوا خاسرين.
يقول الله عز وجل حاكياً عن مشهد القيامة: (وبرزوا لله جميعاً، -برزوا في ساحة الحساب، في موقف الحساب، في عرصة القيامة، برزوا لله جميعاً للحساب والسؤال، حينها أدرك الضعفاء خسارتهم، خسروا كل شيء لصالح ما متع به المستكبرون.
وبرزوا لله جميعاً، فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً – كنا في الدنيا لكم تبعاً- وتبعيتنا هذه العمياء، تبعيتنا لكم في الباطل في الظلم في الغلط في الاستكبار، تبعيتنا لكم التي شكلت مصدر قوة لكم، ساعدتكم على الهيمنة، وعلى الظلم، وعلى الطغيان، وعلى التحكم بعباد الله وعلى التحكم بالناس، كانت خسارتنا كبيرة، كان ذنبنا، كان سبب هلاكنا.
اليوم ما الذي ستقدمونه لنا في الآخرة في مقابل ما قدمتوه لنا في الدنيا.. قاتلنا من أجلكم في الدنيا، تمكنا من ظلم الناس والهيمنة عليهم ونهب خيراتهم وثرواتهم.. اليوم ما الذي ستقدمونه في المقابل. (إنا كنا لكم تبعاً، فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء . ولو بعضاً من العذاب، قالوا لو هدانا الله لهديناكم، قالوا ليس بإمكاننا اليوم أن نقدم لكم أي شيء.. الشيء الذي يمكن أن يفيدنا ويفيدكم جميعاً في الدنيا، كان هو الهدى الذي جاء من الله، كان هو رسالة الله، توجيهات الله، تعليمات الله، التي أرادت لهذا الإنسان الحرية من الاستعباد والحرية من الاستغلال الظالم والحرية من الاستبداد والحرية من الامتهان وأرادت وقدمت مشروع العدل في الحياة.. سواء عليهم أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص.
يوم أتى بالأجنبي إلى بلده، ويوم رأى نفسَه لا يستطيع أن يتخذَ أي قرار إلا بعد موافقة ذلك الأجنبي، قد يرى نفسَه أنه عبقري في ذلك، ليس عبقرياً، أن تبيع نفسك، أن تبيع أرضك، أن تبيع ثروتك، والله إن الذي يعطونكم من الفلوس لا يساوي شَيئاً بجانب ما يأخذونه ويريدونه من الثروات على مدى المستقبل، أُولئك القوم حسبوا حسابَ المستقبل، يا قوم، اعرفوا ما هو الذي تقدمونه لهم، إنكم تخسرون، إن الذي يعطونكم هو القليل من الأموال، لكن الذي يريدونه هو الكثير الكثير المختزنة في باطن الأرض في حضرموت وفي شبوة، وهو ما يمكن أن تكسبوه أنتم لو كنتم أحراراً واخترتم لأنفسكم سبيلَ الحرية، لَكنتم أنتم من تستفيدون من هذه الثروة، لا أن تعطوها لهم مقابلَ القليل القليل.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من خطاب السيدُ القائد / عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة رأس السنة الهجرية:1438هـ.