في ظل ذلك الوضع ما الذي تحقق لبلدنا؟ المشاكل الاقتصادية كانت تتفاقم أكثر فأكثر، وهذا معروف، كلنا نعرف، سواءً ما قبل المبادرة أو ما بعد المبادرة، المشاكل الاقتصادية كانت تتفاقم أكثر، المشاكل الأمنية وصلت إلى حد الانهيار الأمني، لم يكن حتى ضباط الأمن والمسؤولون في الأمن في حالة أمن، كانوا هدفاً للاغتيالات، كانت صنعاء وكان غيرها من المدن مسرحاً للجماعات التكفيرية، للاغتيالات، للاختلالات الأمنية المتنوعة بشكلٍ كبير، المشاكل السياسية كانت تتفاقم وبشكلٍ شنيع، الهوية الوطنية تفككت في كل تلك المراحل، ونشأت مشاكل جديدة، العناوين المناطقية برزت في تلك المراحل، ووجدت بيئةً خِصبة، هناك من يشجعها، وهناك من يرعى كل دورها الهدام والتخريبي في داخل البلد، المشاكل بكل أشكالها كانت تتفاقم.
أكثر من ذلك الهوية الإيمانية كانت في حالة خطر، تبعية عمياء للعدو، وهذه التبعية لأمريكا أكبر ما يهدد الهوية الإيمانية، أكبر خطر على شعبنا في هويته الإيمانية كان يتمثل بالتبعية لأمريكا، هذه حقيقة، هذا أمر أكيد لا شك فيه، أكبر خطر يهدد هوية شعبنا الإيمانية، وكان هذا ملاحظاً، الأمريكي كان يركِّز على المناهج التعليمية، وكان يركِّز على السياسة الإعلامية، وكان يركِّز على أنشطة ذات طابع اجتماعي، لكن على نحوٍ هدام، يؤثر على القيم، على الأخلاق، على العادات والتقاليد الحميدة والإيجابية والإيمانية لشعبنا اليمني العزيز، كان يريد أن يسلب من شعبنا الشعور بالكرامة، الشعور بالعزة، الشعور بالاستقلال، كان يريد أن يسلب من شعبنا حياءه، عفته، طهره، قيمه، أخلاقه، وطبيعة الدور الذي تلعبه المنظمات معروف.
حتى على مستوى القدرات العسكرية، حرص الأمريكي على أن يسلب من بلدنا القدرات العسكرية التي تمثِّل سلاحاً لمواجهة أي عدوان خارجي، ونحن وإياكم كجمهور شاهدنا بالأمس ما عرضته القنوات الوطنية والمحلية من مشاهد مخزية للنظام السابق، بعد أن يرسل الأمريكي موظفة أمريكية تأتي إلى اليمن ومعها أعوانها، ويكون دور هذه الموظفة الأمريكية، تلك المرأة الأمريكية أن تتجاوز وتتحدى وتدوس على استقلال هذا البلد، تصل ليسلم إليها سلاح الدفاع الجوي في هذا البلد، ولتشرف هي شخصياً على تدمير سلاح الدفاع الجوي في هذا البلد، ويحضر ما يسمى- آنذاك- بالأمن القومي، ولاحظوا المفارقات العجيبة، الاسم أمن قومي، مهمته ماذا كأمن قومي؟ أن يحمي هذا البلد، وأن يمثِّل هو- بما تعنيه المفردة- أمناً قومياً. يباشر هذا الجهاز بنفسه، بمسؤول من كبار مسؤوليه (عمار)، يذهب هو لينفذ لتلك الموظفة الأمريكية هذه المهمة، وليجمع لها صواريخ وقبضات الدفاع الجوي، لماذا؟ لأن سلاح الدفاع الجوي يستخدم لمواجهة العدوان الخارجي، وأرادوا لهذا البلد في الوقت الذي كان نظامه يواليهم، وسلطته تواليهم، أرادوا له أن يكون مسلوب القدرة في مواجهة أي خطر خارجي، ألَّا يستطيع أن يدافع عن نفسه، فيقدم تلك الأسلحة، وتأتي تلك المرأة الأمريكية لتشرف وتباشر عملية تدمير ذلك السلاح على أرض اليمن، أين هي الوطنية؟! إذا لم يمتلك الإنسان هويةً إيمانية يمكن أن يفرط حتى بوطنيته؛ لأنه لم يعد ذا قيم، ذا أخلاق، ذا مشاعر حرة بما تعنيه الكلمة.
لاحظوا المفارقة الكبيرة كيف اتجهوا في تلك المرحلة إلى تدمير الدفاع الجوي، إلى تدمير القوة الجوية؛ حتى أصبحت الطائرات تتساقط في وضح النهار في صنعاء وفي غير صنعاء بكل بساطة، قال لك: [عطل فني]، قال: [خلل مدري أيش…]، قال لك:… هكذا في غير حرب، كيف اتجهوا إلى إضعاف قوّتنا، وحالة من الإهمال والتسيب بحق القوة البحرية، ثم في نهاية المطاف كانت آخر مرحلة يريدونها استكمال تدمير ما بقي من صواريخ بالستية، لولا أن الثورة الشعبية (ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر) أعاقتهم عن استكمال مسار طويل كانوا يعملون عليه لتجريد هذا البلد من كل القدرات التي تساعده على الدفاع عن نفسه في مواجهة أي عدوان خارجي، هذا على المستوى العسكري، لكنهم لم يكونوا يتحركون على المستوى العسكري فحسب، كان هذا مساراً واحداً من مسارات متعددة، في كل مجال كانوا يتحركون على هذا النحو: سياسات تسلبنا القدرة، تسلبنا عوامل الثبات، تسلبنا التماسك، تصل بنا إلى الانهيار، الانهيار بهذا البلد هو الهدف الرئيسي الذي كانوا يعملون على تحقيقه بمساعدةٍ من عملائهم الذين كانوا في موقع السلطة، وفي موقع القرار، وفي موقع المسؤولية الأولى لحماية هذا الشعب ولحماية هذا البلد.
ولاحظوا، ما أكبرها من كارثة، ما أكبرها من مأساة أن يكون الذين هم في موقع السلطة، في موقع المسؤولية، في موقع القرار، هم الأداة التي يشتغل عبرها الأمريكي، والتي يعتمد عليها الأمريكي في استهدافه لهذا الشعب، ثم أن يكونوا هم من يتحرك كأداة لتنفيذ تلك المؤامرات بحق هذا الشعب في كل شؤون حياته: على المستوى السياسي، على المستوى العسكري، على المستوى الاقتصادي، على المستوى التعليمي والتثقيفي، في السياسة الإعلامية، في الأنشطة ذات الطابع الاجتماعي؛ لتفكيك المجتمع، وتفكيك المنظومة القيمية والأخلاقية، إن الأمريكي لم يكن يركِّز فقط على أن يسلبنا عناصر القوة المادية؛ إنما كان قبل ذلك ومع ذلك وأهم- بالنسبة له- من كل ذلك يسعى لأن يسلبنا القوة المعنوية، القوة الإيمانية: أخلاقنا، قيمنا، مفاهيمنا، حريتنا، شعورنا بالكرامة، شعورنا بالعزة، كان يريد أن يحول أبناء هذا الشعب إلى وضعية يتقبلون فيها السيطرة الخارجية عليهم، الاحتلال الأجنبي لهم، الإذلال لهم، الإهانة لهم، وهذا ما رأينا أثره في البعض ممن لم يعودوا متمسكين بهذه الهوية الإيمانية لهذا الشعب، فتأثروا؛ فرضوا لأنفسهم بالسيطرة الخارجية عليهم من أعدائهم، إمَّا عبر الأمريكي مباشرة، أو عبر عملائه؛ فيكونون عبداً لعبيد الأمريكي، عبيداً لعبيد الأمريكي، هوان كبير، خسة، دناءة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
(يمن الإيمان) بمناسبة جمعة رجب 1441هـ 81 مارس 0202م.