نجد البلدان، بلدان الغرب في أوروبا وأمريكا وغيرها تجد الناس هناك لديهم وعي، وعي من خلال تجارب، هم ناس وهم بشر يعقلون، يفهمون، لكن تجارب، حاول أن تعرف شيئاً من التاريخ عن تلك البلدان تجد أنهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بعد أحداث دامية، وأحداث رهيبة داستهم وأحرقتهم وأنهكتهم.
لكن الإسلام، لكن الحق، لكن نور الله، هو من لا يريد لعباده المؤمنين أن يكونوا على هذا النحو، لا يبصرون إلا بعد أن يقعوا في الحفر، وتطأ أقدامهم الشوك، وبعد أن يتلقوا الضربة بعد الضربة، يقدم لهم النور، ألم يقل عن رسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أنه بعثه للناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وقال عن كتابه الكريم أنه نور؟ هو نور ينير لك الدروب فتعرف الأشياء قبل أن تقع عليك نتائجها السيئة.
ألم يوبخ في القرآن الكريم من يحملون هذه المشاعر الذين لا يبصرون إلا بعد أن يسقطوا على وجوههم؟ فقال في القرآن الكريم عن كثير من أولئك سواء في الدنيا أو في الآخرة من قال عنهم أنهم يقولون بين يدي الله: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} (السجدة: من الآية12).
ولاحظوا هذه قاعدة في هدي الله سبحانه وتعالى - كما نفهم - أنه إذا كان هناك شيء الله يوبخ الناس عليه، أو يعتبره خصلة سيئة في وعيهم، هو من عمل الكثير داخل كتابه على أن يكون عباده المؤمنين بعيدين عن أن يقعوا في مثله، أي هو من أعطاهم وعياً وبصيرة؛ حتى لا يحصل لديهم ما حصل لدى الآخرين، حتى لا يكونوا كأولئك الذين يتحسرون بعد فوات الأوان.
قلنا خلال درس من الدروس: نحن طائفة لديها عقائد، والبعض منا كطلاب علم يعرف الأشياء عبارة عن عقائد مكتوبة في كتاب قرأها هو من كتب أهل البيت ومسلِّم معهم، وماشي معهم، ومصدق معهم، وقد لا يكون وصل في إيمانه بتلك العقيدة إلى درجة عالية، فتراه إذا ما تعرض لشبهة من جانب آخرين يهتز بل قد يتحول، ألم نشاهد كهذا؟ ألم نشاهد أن هناك الكثير من الزيدية منهم من تحول إلى وهابي، ومنهم من تحول إلى علماني متنكر لدينه، ومنهم من تحول إلى اثنا عشري، أو إلى أي مذهب آخر. ما الذي ينقصه؟ ينقصه أنه لم يعمل على أن يبصر ما حوله من الشواهد.
وقلنا: إن هذه الشواهد هذه الأحداث في هذه الدنيا هي تعطيك بصيرة تعرف من خلالها صحة عقائدك، تعرف من خلالها أن تلك العقيدة التي قرأتها واعتقدتها أنها حق لا شك فيه، تلمس الشواهد عليها قائمة، وكثيرة جداً، شواهد كثيرة جداً، جداً، لكن لمن يتأمل، ولمن يستطيع أن يعرف كيف يربط هذا الحدث بهذا الشيء، كيف يعرف العبر في الأحداث، فهذه الأحداث تأملاتك لها تفيدك حتى في الجانب الاعتقادي فتزيدك بصيرة فيما أنت عليه أنه حق.
وهذه قضية مهمة جداً؛ لأنني قد أقرأ في كتاب فأرى عقيدة معينة، وقد يكون الكتاب مختصراً فلم يشرح لي الكثير من الشواهد على صحتها فيصادف أن أجلس في مجلس وفيه شخص من فئة أخرى لكنه ممن يحرص على أن يغير عقيدتي فيتحدث، وعادة عندما يتحدث أي شخص معك من الطوائف الأخرى هو من يحاول أن ينمق كلامه، وأن يقدم لك أشياء بشكل أدلة هي ما يسمى بالشبهة؛ لأنه عادة لا يرقى شيء إلى درجة أن يسمى دليلاً في مواجهة الحق أبداً.
الحق هو الذي يمتلك الدليل وحده على أنه حق، وليس باستطاعة الباطل أن يقدم لنفسه دليلاً يرقى إلى درجة الحق أبداً؛ فلهذا تسمى شبهة، لماذا تسمى شبهة؟ قالوا: لأنها تجعل القضية شبيهة بالحق، فيصبح ما قاله لك ذلك الشخص الوهابي مثلاً وهو ينمق لك الكلام ويسرد عليك الأدلة: أخرجه فلان ورواه فلان، وكانت هذه عقيدة السلف، فلان وفلان والأكثرية من الأمة عليه، وهكذا .. عبارات من هذه، هي شبهة كلها ليست أدلة.
والشبهة هي أيضاً جانب من الباطل هي نفسها لا تستطيع أن تقف في مواجهة الحق، هي بطبيعتها تزهق إذا ما جاء الحق تزهق، لكنها ستصبح لدى الشخص الذي لا يمتلك بصيرة، ولا يتأمل في كل ما حوله لا يقرأ كتاب هذا الكون، لا يقرأ كتاب هذا العالم، لا يقرأ صفحاته، لا يقرأ سطوره، التي هي الأحداث والمتغيرات فيه تصبح تلك الشبهة لديه دليلاً أقوى من دليل الحق.
أليس هذا هو من الجهل؟ أن تصير في واقعك من حيث لا تشعر، تنظر إلى الباطل الذي هو في واقعه باطل فيصبح لديك هو الحق بعينه، والحق الحقيقي الذي كان لديك يصبح هو الباطل، أليس هذا هو الجهل؟
هل أن في الدنيا ما يمكن أن يجعل الباطل في واقعه يصبح حقاً؟ لا. لا يمكن؛ لأن الحق هو من الله، وما كان من الله لا يمكن لأي طرف آخر أن يحصل منه ما يحوله إلى باطل، أو ما يجعل ما لدى ذلك الطرف يقدم نفسه هو الحق الذي لا شك فيه، وما كان من عند الله يبدو محل ارتياب، أو يبدو باطلاً كما أسلفنا، لا يمكن هذا أبداً، إنما أنا بجهلي الذي أرى الحق باطلاً، ويصبح الباطل لدي حقاً؛ لأنها تشتبه عليَّ الأمور، وجاء من شبَّه عليَّ، جاء من لبّس عليَّ.
وفي الوقت نفسه هل أن الحق الذي جاء من الله سبحانه وتعالى جاء هكذا، قدم ليس له شواهد؟ له الشواهد الكثيرة، الشواهد التي لا تكون فقط في عصر واحد ولا في يوم واحد، شواهد كثيرة جداً، جداً تمشي مع الأمة جيلاً بعد جيل؛ لأن الله رحيم بعباده، فهو لن يقدم الحق من عنده بإيجاز وبعبارات مختصرة، ثم لا تكون هناك الشواهد الكثيرة عليه، فيكون مما أدى إلى أن ينطلي عليك الباطل هو أن هذا الحق الذي قدم من عند الله ليس هناك شواهد كثيرة تصل بي إلى درجة ألا أتأثر بالباطل، لكن أنا عندما لا أبصر تلك الشواهد يصبح الحق الذي جاء من عند الله هكذا: حق مجرد لا يمتلك أي شواهد، فيتحول بين عشية وضحاها إلى باطل.
ولهذا روي عن الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وهو يتحدث عن الفتن، والفتن عادة هي أحداث تلتبس فيها الأمور، يلتبس فيها الحق بالباطل لا أن الحق في واقعه اخترق جسمه الباطل فالتبس به، لا. إنما نحن في قصور وعينا قدم الباطل لنا بشكل حق فقبلناه من أي طرف، هكذا يأتي في الفتن، فما الذي سيحصل قال فيه: ((يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافراً، و يمسى مؤمناً ويصبح كافراً)) أليس الكفر باطلاً، والإيمان هو الحق.
عندما تكون في الصبح مؤمناً ثم تصبح في المساء كافراً، أي أنك تنكرت في واقعك لذلك الإيمان الذي كنت عليه في الصباح فأصبح ما كان إيماناً لديك وهو الحق أصبح ماذا؟ أصبح من وجهة نظرك باطلاً، فحل محله في نفسك الكفر، (يصبح الرجل مؤمناَ ويمسي كافراً، و يمسي مؤمناً ويصبح كافراً)
أليس هذا تغيراً سريع؟ تغير سريع، ما الذي هيأ الإنسان إلى أن يتغير هذا التغير السريع خلال ساعات؟ هو لأنه لم يشاهد ما لديه ويبصر ما لديه؛ لأن الله كما أسلفنا إذا ما قدم حقـاً للناس فإنه كما قال عنه: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (فصلت: من الآية53) تأتي الشواهد الكثيرة؛ وإذا ما أبصرت الحق وأنت ممن يتأمل فيبصر الشواهد على الحق فإنك من لا يستطيع أحد أن يغيرك ولا على مدى ألف سنة فضلاً عن أن تتغير خلال أربعة وعشرين ساعة، أو خلال اثني عشر ساعة.
أليس هذا الحديث يدل على أن هناك من يتغير خلال اثني عشر ساعة؟ لأنهم لا يبصرون الشواهد الأخرى على الحق، لكن من يبصر الشواهد على الحق هو من لا يتغير ولا خلال ألف سنة، وكيف يتغير وهو يبصر في كل سنة، بل ربما في كل شهر، بل في كل يوم يبصر الشواهد على ذلك الحق تعززه في نفسه وتقرره في نفسه وتوسع معانيه في نفسه؛ فهو من لا يمكن أن يتغير، بل هو من سيزداد إيماناً، إيماناً، إيماناً كلما طال الزمن وكلما كثرت الأحداث، فإذا ما جاءت الفتن فلتكن كيفما كانت هو من لا يتغير أبداً أمامها؛ لأن لديه أسس من البداية، لديه قواعد من البداية، ولديه الأحداث المتكررة هي من تمكنه في الأخير أن يعرف أن كل ذلك الذي قدم إلي بشكل حق لا شك أنه باطل؛ لأنني أراه من جهة هي في أساسها مبطلة.
مثلاً عندما يقوم أمامك خطيب من طائفة عقيدتها باطلة، في عقيدتها ضلال أنت تعرفه، فيقوم في محراب المسجد ويكون شخصاً قديراً على الكلام ويتكلم بالقرآن، ويسرد الكثير من الأحاديث، ويحلل وينمق كلامه، أنت من لا يمكن أن تتغير به؛ لأنك تعرف أن هذا من أساسه على ضلال فمن كان على ضلال لا يمكن أن يهدي إلى الحق ومن كان على هذا النحو لا يمكن أن أغتر به وأن أقبله قدوة لي وأن أعتمد عليه في ديني؛ لأن المسألة أرقى من هذا، أن المفترض هو أنك لا تقبل من لا يهدي إلى الحق إلا أن يهدى إليه؛ لأن الله قال: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(يونس: من الآية35).
إذا كانت هذه الآية تعني بأنك وأنت تبحث عن قدوة، وأنت تبحث عمَّن تتبع، هنا شخص يقدم الحق، وهنا شخص أيضاً يقدم الحق لكن من الأولى؟ من يهدي إلى الحق أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون؟ فكيف تغتر بمن هو على ضلال في واقعه، وأنت من يريد الله منك أنك لا تكون على هذا النحو: تقبل الحق ممن لا يهدي إليه إلا أن يهدى.
مثل ما يحصل في "الظاهرات" في بعض الأسواق يأتي الشخص الذي "يظهر" من هناك، من تحت و"الدوشان" يطلع فوق يقول: قل كذا .. قال: كذا. وهكذا .. أليس الدوشان لا يهدي إلا أن يُهدى؟ هكذا.
فأنت عندما تكون عارفاً أن ذلك الشخص من أساسه على باطل فأنت من لا يمكن أن تتأثر بالكلام المعسول مهما كان، ومهما كان شكل ذلك الشخص، فلتكن لحيته طويلة، وليكن جسمه سميناً، وليكن مظهره يملأ محراب المسجد، وليكن صوته بالشكل الذي يرن منه المسجد، أنت من لا يمكن أن تنطلي عليك هذه المظاهر، وهذه الشكليات وليسرد عليك الآية تلو الآية، أنت تعرف أن ذلك على ضلال، فإذا كان على ضلال فمعنى ذلك أنه لم يهتد بعد بالقرآن فكيف يمكن أن يهدي إلى الحق من القرآن.
عند من تأتي هذه البصيرة؟ عند من لديه ثوابت، عند من هو مستقيم في عقيدته، عند من لديه رؤية صحيحة وبصيرة نافذة، وهل تكون الرؤية الصحيحة والبصيرة النافذة فقط من خلال أن تقرأ في الكتاب الفلاني؟ لا بد أيضاً من قراءة الأحداث في واقع الحياة، ألم يقل الله في القرآن الكريم وهو الذي هو آيات هي آيات مقروءة أليس كذلك؟ وهي في نفسها حق، وهي تكشف الكثير من الحق، والإنسان المؤمن بها يعرف الحق جلياً، من يعرف كيف يتدبرها وكيف يتأملها، لكن وأيضاً ستكون هناك شواهد في واقع الحياة {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (فصلت: من الآية53).
لا بد لا بد أن نقرأ آيات الله في الآفاق، لا بد أن نقرأ الأحداث حتى نستطيع أن نحصل على البصيرة، وعلى الوعي.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى.
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 28 من ذي القعدة 1422 هـ
الموافق: 10/2/2002م
اليمن – صعدة.