ماجد حميد الكحلاني
في درسه القيّم حول دعاء مكارم الأخلاق، الذي ألقاه السيد حسين بدرالدين الحوثي بتاريخ 2 فبراير 2002م، سلط الضوء على المعاني العميقة التي طرحها الإمام زين العابدين (عليه السلام) في دعائه الشهير. حيث يقول: "اللهم صل على محمد وآل محمد، ومتعني بهدىً صالح لا أستبدل به".
هذا الدعاء يحمل في طياته دعوة حية لكل مؤمن للتمسك بالهدى والحق في جميع جوانب حياته.
الهدى في هذا الدعاء لا يعني مجرد معرفة الحق، بل هو السعي المستمر نحو الاستقامة عليه، والتمتع به على مستوى الروح والسلوك. فالإمام زين العابدين يدعونا في دعائه لأن نتمتع بهدى صالح لا نستبدل به شيئا من هذه الدنيا، لأنه ليس هناك أي شيء يمكن أن يعادل سعادة الشخص الذي يسير على الطريق المستقيم ويشعر في أعماقه بالطمأنينة التي تأتي من الهداية الإلهية. فالهدى الذي نتحدث عنه ليس شيئا مؤقتا أو عرضيا، بل هو مصدر للسكينة والراحة في الحياة، ولهذا فإن الإمام يعبر عن تلك المتعة التي تنبع من السير في طريق الحق.
ومع ذلك، يوضح الشهيد القائ. حسين بدرالدين الحوثي في درسه أن هناك خطرا كبيرا في أن يستبدل الإنسان هدى الله بشيء من الدنيا، حتى وإن كان ذلك في شكل منصب أو مال أو شهرة. فمن خلال آيات القرآن الكريم، نجد تحذيرًا صريحًا من هذا التبادل الفاسد، حيث يُقال عن بني إسرائيل الذين استبدلوا هدى الله بمال قليل "يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا". فهذه التنازلات عن الهداية هي أشبه ببيع النفس بثمَن بخس لا يساوي شيئا، وتعتبر من أسوأ أنواع الضلال.
إن الحديث عن طريقة الحق في دعاء الإمام زين العابدين يكتسب أهمية كبيرة في ضوء معاناة العديد من الناس اليوم من ضغوطات الحياة. فيقول الإمام: "وطريقة حقٍ لا أزيغ عنها". هذا الدعاء يعكس أهمية الاستقامة على طريق الحق مهما كانت الصعوبات التي قد يواجهها الإنسان. فالطريق المستقيم، على الرغم من تحدياته، هو الطريق الذي يضمن لصاحبه الأمان الداخلي، ويؤهله لأن ينعم بعطاء الله في الدنيا والآخرة. إن الالتزام بهذا الطريق لا يعنى فقط الوقوف في وجه التحديات، بل هو دعوة للاستمرار في السعي نحو الإيمان الحق والتفكير العميق في كيفية تحقيق هذه الاستقامة.
وفي هذا الصدد، يحذر الشهيد القائد رضوان الله عليه من محاولة الهروب من طريق الحق، أو البحث عن مبررات لتزيغ عنه، لأن ذلك يعتبر "خسارة عظيمة". فالقرآن الكريم يؤكد أن من استقاموا على طريق الحق سيبشرهم الله بالجنة وبحياة مليئة بالطمأنينة.
في قوله تعالى: "تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ". وهذا يشير إلى أن الذين لا يزيغون عن الحق هم وحدهم من يستحقون هذه البشارة العظيمة.
الدرس الذي قدمه الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي يتجاوز كونه مجرد حديث عن فضائل الدعاء أو طريق الحق، بل هو دعوة حية لكل منا للرجوع إلى الذات، والتأكد من أننا نسير على الطريق الصحيح، وأننا لا نسمح لأي ضغوط أو إغراءات دنيوية أن تؤثر على تمسكنا بالهدى الذي نزل من عند الله. فالإنسان الذي يبيع دينه وهداه بثمن زهيد يضيع نفسه في نهاية المطاف، ويخسر أعظم ما يمكن أن يمتلكه: طريق الحق الذي يقوده إلى رضوان الله والجنة.
إن الطريق إلى الاستقامة ليس سهلاً، ولكنه الطريق الوحيد الذي يضمن لنا السلام الداخلي والراحة النفسية في هذا العالم، فضلاً عن الأجر العظيم في الآخرة. ومن هنا، يأتي دورنا في الحفاظ على هويتنا الإيمانية والتمسك بالقيم التي تحثنا على السير في طريق الحق دون انحراف، مهما كانت المغريات أو التحديات التي قد نواجهها.