بشير ربيع الصانع
في خضم العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، ووسط صمت دولي مريب وتواطؤ غربي وعربي مفضوح، تقف اليمنُ بثبات وشموخ في طليعة الجبهة المدافعة عن القضية الفلسطينية، لا بالكلمات فقط، بل بالفعل والسلاح.
فمنذ اللحظة الأولى للعدوان، فتحت صنعاء جبهة ردّ فعلية أربكت الحسابات الصهيونية، ودفعت العدوّ إلى التعامل مع اليمن كقوة عسكرية فاعلة لا يمكن تجاوزها.
وقد ظهر هذا التحول الكبير في العمليات الصاروخية النوعية، حَيثُ دخلت الصواريخ الفرط صوتية اليمنية إلى خط المواجهة، بسرعة تصل إلى 16 ماخ، متجاوزة كافة منظومات الدفاع الجوي المعروفة، لتصيب أهدافا حساسة داخل الكيان المحتلّ بدقة مذهلة، أبرزها مطار اللد في العمق الفلسطيني. وقد فُرض عليه الحصار؛ مما أَدَّى إلى اضطراب حركة الملاحة الجوية وتوقف بعض الشركات العالمية عن تسيير رحلاتها من وإلى المطار. هذه الصواريخ، التي تم تصنيعها محليًّا رغم الحصار الخانق، لم تعد مُجَـرّد أدوات ردع، بل تحولت إلى سلاح استراتيجي مبادر، يرسم قواعد اشتباك جديدة في المنطقة.
وإلى جانب هذه القوة الصاروخية الخارقة، كان لسلاح الطائرات المسيّرة الهجومية اليمنية حضور لافت، حَيثُ نفذت عشرات العمليات المباشرة ضد أهداف عسكرية ومنشآت صهيونية.
وقد اعترف العدوّ مرارًا بعجزه عن التصدي لها، خَاصَّة مع تطورها تقنيًّا، واعتمادها مسارات خفية وأنظمة تمويه وتشويش معقدة يصعب رصدها أَو إسقاطها.
أما في جبهة البحر، حَيثُ راهن العدوّ طويلًا على هيمنته، فقد بادرت اليمن إلى فرض حصار شامل على الكيان الصهيوني، ومنعت مرور أية سفن مرتبطة به أَو تتعامل معه، من مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، وُصُـولًا إلى المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط.
هذه السياسة الحاسمة تُوّجت بعمليات نوعية أَدَّت إلى إغراق سفن صهيونية، وأجبرت شركات شحن دولية على تغيير مساراتها، في ضربة مزدوجة اقتصادية وأمنية.
ونتيجة لهذه الضربات البحرية، أعلن عن تعطيل ميناء أم الرشراش (إيلات) بالكامل، فيما أعلن الناطق العسكري اليمني أن ميناء حيفا بات في قائمة الحظر البحري.
وفي تطور غير مسبوق في التاريخ العسكري الحديث، فاجأت اليمن العالم باستخدام صواريخ بالستية لضرب أهداف بحرية متحَرّكة، بدقة فائقة. وهو ما أقرّ به خبراء عسكريون أمريكيون وغربيون، مؤكّـدين أن هذه هي المرة الأولى التي يُستخدم فيها هذا النوع من الصواريخ ضد أهداف متحَرّكة في عرض البحر، بما يتطلبه من قدرة خارقة على التوجيه والمتابعة والتحكم. هذا التطور النوعي أدخل الصواريخ البالستية مرحلة جديدة تمامًا، وأعاد تعريف استخدامها من ضرب أهداف ثابتة إلى التعامل مع تهديدات بحرية في غاية التعقيد.
وفي خضم هذه التطورات اللافتة، لم تغب المفاجآت القادمة عن تصريحات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حَيثُ أعلن في أحد خطاباته المواكبة لمعركة طوفان الأقصى عن قرب دخول سلاح بري جديد لم يشهد له العالم مثيلًا من قبل، في إشارة واضحة إلى تحول مرتقب على مستوى المواجهات البرية، أما متى وأين؟ فذلك ما ستكشفه الميادين في حينه.
ومن أبرز الميادين التي شهدت تطورًا استثنائيًّا أَيْـضًا، المنظومة الدفاعية اليمنية، التي لم تعد مُجَـرّد منظومة بدائية، بل أصبحت نظامًا متطورًا للدفاع الجوي، بشهادة الأعداء أنفسهم. فقد أثبتت التجارب الأخيرة قدرتها على رصد واعتراض الطائرات الحديثة، بما في ذلك الطائرات الشبحية، التي تُعد من أبرز مخرجات التكنولوجيا الأميركية.
وقد أكّـد خبراء عسكريون أمريكيون أن هذه المنظومات كادت أن تُسقط طائرات شبحية متقدمة؛ ما دفع واشنطن إلى عقد تفاهم غير مباشر مع صنعاء عبر سلطنة عُمان، يقضي بعدم استهداف السفن الأمريكية مقابل وقف استهداف اليمن، في اعتراف غير معلن بعدم قدرتها على تحقيق أهدافها عسكريًّا.
هذا الانسحاب الأمريكي لم يكن مجاملة، بل خيارًا اضطراريًّا بعد الفشل الميداني، وإدراكًا متأخرًا أن استمرار العدوان سيمنح صنعاء فرصة ذهبية لتطوير قدراتها الدفاعية عبر التجربة العملية في مواجهة أحدث الطائرات الأمريكية.
وقد تجلّى ذلك بوضوح خلال العدوان الأخير على اليمن، حين حاول الكيان الصهيوني توسيع دائرة الاستهداف إلى أكثر من محافظة، لكنه اضطر لاحقًا إلى تقليص عدوانه ليقتصر على محافظة الحديدة فقط، نتيجة فشله في اختراق الدفاعات الجوية اليمنية أَو تحقيق نتائج عسكرية ذات قيمة.
وفي هذا السياق، خرج الناطق الرسمي للقوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، ببيان رسمي، أكّـد فيه أن الدفاعات اليمنية تصدت لعدد كبير من الطائرات المعادية، وأفشلت معظم محاولاتها، ما أجبر العدوّ على التحول لاستخدام الطائرات المسيّرة بدلًا من المقاتلات الحديثة في استهداف ميناء الحديدة خلال هجومه الأخير يوم الاثنين، ١٤٤٧/١/٢٦هـ. وهو ما يعكس حجم الخسارة والارتباك الذي يعيشه الكيان، والتكلفة العالية التي يتحملها عند أي تفكير في المساس بالأراضي اليمنية.
وهكذا، من البر إلى البحر إلى الجو، ومن الميدان إلى التكنولوجيا إلى الرؤية القيادية، ترسم اليمن معادلتها الجديدة:
العدوان على غزة لن يمر دون ثمن.. والرد سيكون مفتوحًا وبكل الوسائل.
فكل سلاح يُختبر اليوم في معركة فلسطين، هو اليوم يأتي تجسيدًا للوفاء والالتزام الأخلاقي، وكذلك تأكيدًا على أن اليمن بات قوةً عسكرية إقليمية متكاملة الأبعاد، تصنع سلاحها، وتُحدّد توقيت المعركة، وتفرض معادلات الردع من موقع القوة والثقة، لا من موقع التبعية أَو التقليد.
وفي زمن التواطؤ والارتهان، تخرج اليمنُ من بين الأنقاض لتقول للعالم، وما النصرُ إلا من عند الله، يمنحه لعباده إذَا صدقوا الوعد، وأعدّوا العُدة، وتوكَّلوا عليه حق التوكل.
ولله عاقبة الأمور.