هذه الشهادة ليست مجرد توجه من الإنسان برغبة مادية بحتة، يعني: إنسان لم يكن يهمه من الشهادة إلا معانقة الحور العين، وإلا الوصول إلى تلك الماديات. |لا|، العنوان الواضح في الآيات القرآنية، سواءً في قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ}، أو {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله}، هذا العنوان العظيم، المهم، الكبير، المقدس، وهو: (فِي سَبِيلِ اللّهِ)، يوضح أن للشهيد قضية، وله هدف، وله مبتغى، ليس مجرد شخص لم يكن يفكر أبداً بأي شيء، ولا يهمه شيء، ولا يرتبط بشيء ما عدا ذلك الهدف المادي الذي استعجل للذهاب إليه، وكان مستعجلاً جدًّا للرحيل إليه. |لا|، الشهيد له مبدأ، له قضية، له أخلاق، له قيم، له أهداف، وهو ينطلق على أساسٍ من تلك القضية؛ فيضحي وهو يحمل تلك القضية، هذه القضية يُعبّر عنها في أنها قضية عادلة، وفي أنها قضية مشروعة، وفي أنها قضية مُحِقة، وفي أن الهدف فيها هدفٌ مقدس، بهذا العنوان الشامل الجامع، وهو: (فِي سَبِيلِ اللّهِ)، لا يمكن أن يكون هناك عنوان يعبّر عن: حق، وعدل، وصدق، وهدف مقدس، وتوجه صالح، وعمل مشروع، مثلما يعبّر هذا العنوان: (فِي سَبِيلِ اللّهِ)؛ لأن الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- وهو الملك الحق المبين، هو الحق، ومنه الحق، وهو الذي يرسم لعباده الحق، وهو -جلّ شأنه- هو ملك السموات والأرض، وهو الذي يشرع لعباده الشريعة الحق، ليرسم لهم معالم الحق، يعلمهم العدل، يقدم لهم في تعليماته، في توجيهاته، فيما يأمرهم، فيما ينهاهم، فيما يفصل بينهم، في كل ما يقدمه لهم… العدل، العدل في كل شيء، العدل في كل شؤون حياتهم، العدل في كل المواضيع التي يمكن أن تكون ذات خلاف، أو محل صراع، أو يمكن أن يحدث بشأنها اختلافات ونزاعات، الحق من الله، هو الحق، ولا حق غيره، العدل فيما يقدمه لعباده، هو العدل بما تعنيه الكلمة، لا حيف فيه، ولا جور فيه، ولا ظلم فيه.
والله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- رسم لعباده في هذه الحياة المبادئ التي تمثل المبادئ الحق لكل من يريد الحق في هذه الحياة، من يريد أن يكون ويهمه أن يكون على الحق في هذه الحياة، فالله رسم- من خلال أنبيائه ورسله وكتبه- المبادئ الحق، التي من التزم بها من البشرية، أياً كان، من أي صُقعٍ وأي قُطرٍ وأي منطقةٍ في العالم، من يلتزم بتلك المبادئ هي مبادئ حق، ورسم لهم طريق العدالة، وحدد لهم حدود العدالة، التي إن التزموا بها- أيضاً- كانوا على العدل، وحذَّرهم من الظلم، ونهاهم عنه بكل أشكاله، الظلم بكل أشكاله، بكل أساليبه: ما كان منه يطال الإنسان في نفسه وحياته: مثل قتل، أو مثل سجن، أو مثل أذى بالتعذيب، أو أي وسيلة من وسائل الظلم الذي يمسّ الإنسان مباشرة في حياته، أو في جسده، أوفي نفسه، أو ما يمسه في حقٍ من حقوقه في الحياة هذه: في ماله، أو في عرضه… أو غير ذلك.
يحدد متى يمكن أن يعاقب هذا الإنسان بحق، وأن يجازى بعدل، ومتى لا يجوز ذلك أبداً، وعلى كُلٍ.. في سبيل الله، هو: عنوان للطريقة التي رسمها الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- من ارتبط بها، والتزم بها، وسار على أساسها، والتزم بها في هذه الحياة، التزم بها سلوكاً، التزم بها موقفاً، وهي مجموعة من القيم الأخلاقية والإنسانية والفطرية، والتعاليم العادلة، والتعاليم التي هي: عدلٌ، وصدقٌ، وحقٌ، وخيرٌ، وفلاحٌ، ورشدٌ، وزكاءٌ؛ لا حيف فيها، لا مساوئ فيها، لا خزي فيها، لا عار فيها، كلها شرف لهذا الإنسان، كلها خير لهذا الإنسان، كلها تعبر عن مصلحة حقيقية لهذا الإنسان، وللبشرية جمعاء أيضاً، فمن لقي الله في هذا الطريق، على أساسٍ من هذه المبادئ والقيم والأخلاق، ملتزماً بها، يعتبر عند الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- شهيداً، يحظى بهذا النعيم، بهذا التكريم، بهذه الرعاية، بهذه الضيافة، بعدها نعيم يمتد إلى الأبد إلى ما لا نهاية له نهائياً أبداً، (جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ).
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
كلمة السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
في الذكرى السنوية للشهيد 1439هـ