الله سبحانه وتعالى جعل في سنته وطريقته مع عباده أن يجلي واقعهم ويبين حقيقتهم فيما هم عليه من خلال هذه السنة الإلهية وهي سنة الاختبار الكاشف الذي يجلي حقيقة ما كل إنسان عليه وما ينتمي إليه وما هو في واقعه وداخله هناك كثير من الأعمال يمكن لكثير من الناس أن يقوم بها لا تحتاج إلى إيمان كبير لا تحتاج إلى قيم راسخة لا تحتاج إلى دافع كبير حتى يتمكن الإنسان من القيام بها وبالذات عندما يكون الواقع العام في مجتمع معين كالمجتمع الإسلامي يتعود الإنسان فيه منذ نشأته منذ طفولته المبكرة على أشياء عبادية معينة وتتحول إلى روتين اعتيادي في حياته ولا تمثل حينها أي مشكلة عليه بل قد يدخل في مشكلة فيما لو أخل بها مثلا في مجتمعنا الإسلامي كم نسبة المصلين نسبة عالية جدا هذا أمر جيد والصلاة خير العمل والمطلوب الاهتمام بها ولكن الخطأ إذا فصلت عن جانب المسؤولية أو إذا أصبحت عملا روتينيا اعتياديا لا يحاول الإنسان أن ينتفع منه أن يتأثر به أن ينشد من خلاله إلى الله سبحانه وتعالى، في الجو الاعتيادي والروتيني الذي ينشأ عليه المجتمع المسلم منذ الطفولة والإنسان يعتاد مثلا أن يذهب إلى المسجد وأن يصلي حالة عاملة لدى الكثير من الناس لا يتطلب الأمر أن يحتاج الإنسان إلى اندفاع إيماني كبير انشداد عظيم إلى الله في المحبة لله والخوف من الله والرغبة فيما عند الله والإيمان باليوم الآخر والتربي على قيم وعلى أخلاق معينة حتى يستطيع الإنسان أن يذهب إلى المسجد للصلاة أو أن يصلي، لا، يعني ولو التعود مستوى التعود يكفي أن تصلي ما بالك والمسألة عادية بالذات إذا كانت الأجواء أجواء طبيعية ليس هناك ما يمثل مشكلة في سبيل أدائك للصلاة لن تدفع في مقابل ذلك شيئا من أمنك ولا استقرارك ولا أي شيء آخر وهكذا البعض من الأعمال الروتينية الاعتيادية التي يؤديها الإنسان بمقتضى التعود وبمقتضى أنه استمر عليها كروتين لفترة طويلة في حياته وألفها في واقعها الاجتماعي يمكن أن يؤديها بشكل طبيعي وأدائها في مثل هذا الظرف أمر اعتيادي كما قلنا لا يحتاج إلى مستوى عالي من الإيمان ثم تجد كثيرا من الأعمال التي أداؤها أمر اعتيادي ليس فيه مشقة بالغة ولا خطورة ولا يحتاج إلى دفع ثمن، يعني لا يحتاج القيام بها إلى مخزون إيماني إلى دافع إيماني كبير ولا يحتاج إلى كلفة لكن عندما تأتي إلى بعض من الأعمال التي إما أن الإنسان سيدفع لها مثلا من ماله أو يعرض فيها حياته للخطر أو يواجه فيها صعوبات ومشاق وتحديات الكثير من الناس يحجمون عن أداء مثل هذه الأعمال ولا يتوفر لديهم الاندفاع الكبير للقيام بها لأن الدافع هذا هو دافع إيماني يحتاج إلى أن تكون محبتك لله سبحانه وتعالى على مستوى يفوق أي محبة لأي شيء آخر حتى لا يمثل أي شيء آخر مما تحبه عائقا بينك وبين أداء ذلك العمل وتحمل تلك المسؤولية أحيانا الخوف يمكن أن يؤثر عليك الخوف في ثباتك على موقف معين أو اندفاعك لموقف معين يحتاج هذا لأن يكون خوفك من الله سبحانه وتعالى أكثر من خوفك من أي شيء آخر حتى تتفوق على عقدة الخوف في نفسك من تلك الأشياء الأخرى الذي قد يؤثر عليك وأن يحول بينك وبين ذلك العمل أو تحمل تلك المسؤولية.
الرغبة والأمل والطمع كذلك مثلا يحتاج الأمر إذا كنت في سبيل موقف معين تضحي بمصلحة معينة هذا أمر يؤثر على الكثير من الناس يحتاج إلى أن يكون أملك بالله ورجاءك فيما عند الله يفوق أطماعك الأخرى واتجاهاتك وميولك الأخرى إلى مصلحة هنا أو مصلحة هناك، لأنك في واقعك الإيماني منشد إلى مصلحة أكبر وأعظم وأبقى عند الله سبحانه وتعالى حتى انشدادك إلى الله في الحالة الإيمانية والنفسية والوجدانية في تعظيمك لله سبحانه وتعالى وإجلالك لله وتكبيرك لله سبحانه وتعالى يجعلك منشدا إلى الله فوق كل شيء. فالأعمال التي قد تحتاج إما إلى كلفة مالية أو تضحية بمصالح معينة مادية أو منصب أو أي شيء من هذا القبيل أو مواجهة تحديات وأخطار إما على النفس وإما على الإيمان وإما على المنزل وإما على أي شيء مما هو غالً لدى هذا الإنسان وعزيز على هذا الإنسان هنا المحك هنا يتبين واقع الإنسان هنا تتجلى حقيقة ما عليه من قيم وأخلاق هل يمتلك فعلا الإيمان بالله سبحانه وتعالى الذي يستطيع من خلاله وبهداية الله وبمعونة الله وبتوفيق الله أن يتغلب على تلك المؤثرات عليه إذا كان مثلا كان سيضحي بمصلحة من هذه الدنيا مال أو جاه أو منصب في سبيل ثباته على موقف الحق في سبيل نهوضه بمسؤولية معينة هل يمتلك من الإيمان ما يجعله يتغلب على هذا العالم المؤثر وهو خوف فوات تلك المصلحة إذا كان سيتعرض للخطر في مقابل ثباته على هذا الموقف هل خوفه من الله ومحبته لله ستدفعه إلى أن يثبت لو حصل ما حصل مع احتمال تعرض حياته أو ممتلكاته أو شيء مهم لديه للخطر هل سيثبت؟ تتجلى حقيقة الإنسان أولا في انتمائه الإيماني ثم يتجلى واقع الإنسان لأكثر من ذلك أكثر من مجرد الانتماء، أهم ميدان تتجلى فيه حقائق الناس وخباياهم وخفاياهم ويخرج ما في أعماق نفوسهم إلى وقعهم العملي فيما يقولون وما يفعلون أهم ميدان يجلي الناس يكشف الناس يوضح الناس يبين الناس هو ميدان الصراع هو ميدان الصراع، فمثلا في واقع الإيمان والقيم الإيمانية وما عليه المؤمنون تتجلى تلك القيم التي هي في الأساس جذروها في أنفسهم معتقدات ومبادئ ومعاني ووجدان إيماني في محبة لله وخوف من الله وتعظيم لله ونفوس زاكية وصالحه تتجلى تلك القيم في الممارسات في السلوكيات في الأعمال في المواقف وما عليه الخبيثون الإنسان الذي هو خبيث ولو كان ينتمي إلى الإيمان ولو كان يقدم نفسه حتى متدينا يتجلى ويتضح وينكشف ذلك الخبث في واقعه العملي في سلوكياته في مواقفه في أقواله في أفعاله في تصرفاته فيتضح حقيقة ما هو عليه في ظل ظروف اعتيادية ليس فيها حساسيات ولا مشاكل ولا أخطار ولا تحديات ولا انفعالات ما يثير حالة الانفعال لدى الناس قد يظهر الكثير من الناس ما شاء الله العظيم من أهل الخير وأطياب ومؤمنين مؤمنين ولكن عندما تأتي مثل هذه العواصف من الأحداث المزلزلة فيها مخاوف فيها أخطار فيها انفعالات فيها عوامل تحرك هذا الركود والجمود في واقع الناس فيخرج يخرج ما في نفوس الناس وما في قلوبهم وما في أعماق أنفسهم ليتجلى في واقعهم العملي والسلوكي في الأقوال والتصرفات والمواقف والولاءات والعداوات، تظهر كل الأمور ولهذا نجد في هذه الآية المباركة
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
المحاضرة السادسة للسيد عبد الملك بدرالدين الحوثي في ذكرى الهجرة النبوية 1440هـ.