المجتمع الذي استقبل الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وآمن به، واستعد لنصرته، واستجاب له، وحمل راية الإسلام: هو مجتمع الأنصار، قرأنا بالأمس النص القرآني العظيم قول الله -سبحانه وتعالى-: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: الآية9]، وكررنا في كثيرٍ من المحاضرات قول النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- المروي عنه: (إنَّكم ما علمتم– وهو يخاطب الأنصار- إنَّكم ما علمتم تكثرون حين الفزع، وتقلِّون عند الطمع)، هذه المواصفات من أهم المواصفات على الإطلاق للمجتمعات التي تمتلك المؤهلات للنهوض بالمشاريع المهمة والعظيمة، وبمشروع بهذا المستوى: رسالة الله -سبحانه وتعالى- ومنهجه العظيم، مواصفات يجب أن نركِّز عليها.
عندما يكون المجتمع مجتمعاً معطاءً، وليس مجتمعاً طامعاً، وليس مجتمعاً مادياً يعبد المال، يمثِّل المال بالنسبة له والأطماع المادية بالنسبة له صنماً يجعله فوق كل شيء. |لا| مجتمع متحرر من كل ذلك، مجتمعاً يؤثر القيم ومكارم الأخلاق، والمبادئ عنده أغلى من كل الدنيا، على هذا المستوى من العطاء، هذا المجتمع يمكن أن يكون نواة لمجتمع كبير؛ لأنه مجتمع قابل، لا يعيش الأنانية، لا يعيش الطمع، وهو مجتمع معطاء وصبور، يواجه التحديات والصعوبات، عنده تحمل، عنده صبر، ليس مجتمعاً بمجرد أن يعيش ظروفاً صعبة، أو مشاكل معينة، أو أزمات معينة؛ ينهار، يستسلم، يخنع، وليس مجتمعاً طامعاً، بمجرد أن يرى المال هنا أو هناك، أو الاغراءات المادية هنا أو هناك؛ فيبيع كل شيء في مقابل ذلك، ويتبنى المواقف الباطلة. |لا| على العكس من ذلك، {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ}، إلى هذا المستوى من العطاء والتضحية والتقدمة، {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، حتى في الظروف الصعبة، كذلك عبارة: (تكثرون حين الفزع، وتقلِّون عند الطمع) من أعظم العبارات، من أعظم الأوصاف على الإطلاق، مجتمع كهذا مجتمع عظيم، مجتمع مهم.
في ذلك المجتمع بدأ النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- بتأسيس أمةً جديدة تحمل المشروع الإلهي، ولم يدخل في حسابات الأنصار ما قد يدخل في حسابات الآخرين، وما دخل في حسابات أهل مكة: المخاوف من حمل هذا المشروع الإلهي، والإيمان به، والنصرة لرسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وأنَّ هذا سيتسبب في مشاكل كبيرة، وأنَّ هذا سيتسبب لهم في أن يدخلوا في عداء مع كل محيطهم من القبائل والبلدان، وأنَّ هذه الرسالة ستكون مشروعاً تختلف به مع كل ما هو سائد في الساحة بكلها؛ وبالتالي مشاكل مع القبائل الأخرى، مع البلدان الأخرى، مع محيطهم العربي بكله، مع محيطهم العالمي، مع الدول الكبرى. هم يدركون أنَّه سيمثل مشكلةً مع الجميع، لكنَّ هذه المخاوف لم تكن بمستوى أن تؤثِّر عليهم لتبعدهم عن نيل هذا الشرف العظيم، لماذا؟ لأنه بالقدر الذي نجد فيه كل هذه التحديات، وكل هذه الأخطار، وكل هذه المخاوف التي قد تؤثِّر على الكثير من الناس في حساباتهم وتقديراتهم للأمور، هناك عناصر قوة في المشروع الإلهي تتفوق وتتغلب على كل تلك التحديات، وهذا ما يغيب عن البعض، هذا ما يغيب عن البعض.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الثالثة: بمناسبة الهجرة النبوية 1441هـ