لا يروق للكثير من أبناء أمتنا هذا التوجه المسؤول، لا يروق لهم، ونسبة كبيرة جدًّا من أبناء الأمة هي متجهة في واقع حياتها، في طريقتها في التدين، بناءً على شطب هذا الجانب بالكامل، بمعنى: الكثير من أبناء الأمة الإسلامية يريدون إسلامًا ليس فيه أي مسؤولية، إسلام فيه الصلاة والصيام وبعض العبادات، ولا يزال بعضهم اليوم بالكاد يقوم حتى بهذه، بقية الجوانب الأخرى لا يريد أن يكون له أي دور فيها، ولا أن يتحمل فيها أي مسؤولية نهائيًا، ولا يلتفت بأي شكلٍ من الأشكال لا إلى مسألة الجهاد، وإقامة العدل، وإقامة الحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفق مفهومها الصحيح القرآني، وليس المفهوم المحرف الداعشي والتكفيري، أو المفاهيم التي يقدِّمها الجامدون، والذين يسعون إلى أن يجمِّدوا حتى هذه المفاهيم الفاعلة والحيوية والعظيمة والمهمة، وأن يطبعوها بطابعهم في الجمود، والسكوت، والقعود، والتخاذل، والتنصل عن المسؤولية. |لا|، بمفهومها الصحيح القرآني، بمفهومها الذي نرى فيه القدوة الأول والعظيم رسول الله -صلى الله وسلم عليه وعلى آله-.
لا يروق للبعض من الناس أن يسمع حتى الكلام عن هذه المواضيع، ولا أن يحضر مسجدًا فيه خطبة تتحدث عن هذا الموضوع، أو فيه نشاط تثقيفي يركِّز على هذا الجانب، ولكن إذا قرَّر الإنسان أن يتجاهل هذه المسألة، هل سيفيده ذلك، هل سيعفيه ذلك أمام الله -سبحانه وتعالى- عن تحمل المسؤولية، وعن الحساب والجزاء يوم القيام؟ |لا|، |لا|.
القرآن عندما يخاطبنا عن مدى أهمية هذه المسألة وموقعها من الدين نفسه، نرى الشيء العجيب، نرى مثل قول الله -سبحانه وتعالى-: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: الآية142]، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ)، الذين يريدون الاقتصار على بعضٍ من الدين، وشطب كل الجوانب الأخرى المهمة والكبيرة في هذا الدين، فيقول لك: [الحمد لله أصبحنا نصلي ونصوم، الحمد لله خلاص يجب أن تكون أبواب الجنة مفتحة لنا، وأول ما نصل ندخل بكل سرعة، والَّا من باب الطوارئ، إذا به باب طوارئ، بكل استعجال يعني] الله يقول: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، يعني: لابدَّ من هذا الجانب من الدين، جانبٌ أساسيٌ لابدَّ منه في أن يتقبل الله منك دينك، في أن يتقبل الله منك عملك، في أن تكون من عباد الله المتقين، في أن تكون فعلًا مطيعًا لله، لا تكون من العصاة الذين عصوا الله -سبحانه وتعالى- في جوانب أساسية، وتوجيهات إلزامية ومهمة وعظيمة.
ونجد مثلاً أن البعض– كما قلنا في كثيرٍ من كلماتنا- يريدون إيمان الأعراب، {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 14 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ 15}[الحجرات: 14-15]، البعض يريدون في مسيرة حياتهم هذا الاتجاه الذي يتنصلون فيه عن المسؤولية، والذي يقتصرون فيه على بعضٍ من الدين، والبعض الآخر |لا|، البعض الآخر هلكوا بالاتجاه المنحرف والمحرِّف على مثل ما عليه التكفيريون، الذين يحرِّفون حتى جانب المسؤولية، فيجيِّرونه ويسخِّرونه لخدمة أعداء الأمة، وللإضرار بالأمة.
هذا الجانب الأساس الذي يحاول الكثير أن يتهرب منه، وأن يتنصل عنه، بالرغم من المساحة الواسعة في القرآن الكريم للحديث عنه، وبالرغم من أنه أيضًا في حركة رسول الله، ونشاط رسول الله، وعمل رسول الله، أخذ مساحة كبيرة وبارزة في حياة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو القدوة، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}[الأحزاب: الآية21]، هو هذا الجانب, جانب مهم بحساب الدين، نحتاج إليه لأن نؤدِّي ديننا بشكل صحيح يقبله الله منا، وجانبٌ ضروريٌ في واقع الحياة، لا يمكن أن ندفع عن أنفسنا الاستبعاد، ولا الظلم، ولا الذل، ولا الهوان، ولا القهر، ولا الاضطهاد، إلَّا بإحياء هذا الجانب، إذا عطَّلنا هذا الجانب؛ تحوَّلنا في هذه الحياة إلى واقع بئيس- بكل ما تعنيه الكلمة- تحت سيطرة مطلقة للطاغوت والاستكبار، وأصبحنا ضحية للطغاة والمتسلطين والظلمين، يستعبدوننا، ويذلوننا، ويعملون بنا كلما يشاءون ويريدون، ونحن في موقع الضعف والاستكانة والذلة، وليس في موقع القوة.
سنكمل الحديث– إن شاء الله- في المحاضرة القادمة حول هذا الموضوع على أساس ما ورد في القرآن الكريم، وعلى أساس حركة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- والذي كانت مسيرته من بعد الهجرة- من مكة إلى المدينة- كلها مسيرة جهاد حتى آخر لحظة من حياته، حتى وهو على فراش الوفاة.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لأن نتمسك بكتاب الله، ونهتدي بهدي الله، ونقتدي برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأن يجيرنا من الضلال ومن المضلِّين، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
الكلمة الثالثة بمناسبة الهجرة النبوية 1440هـ – 3