فهد شاكر أبوراس
أصبحت ساحتا الإعلام والتقنية قلبَ المعركة المصيرية لليمن؛ حَيثُ تتحوَّلُ الشاشاتُ والفَضاءُ الإلكتروني إلى جبهات قتال لا تقِلُّ شراسةً عن جبهات الميدان.
في حرب شاملة تهدفُ إلى كسر الإرادَة اليمنية، وبعد أن أثبتت الصواريخُ والطائراتُ وحاملاتها عدمَ قدرتها على حسم المواجهة، جاءت المعركة الجديدة لاستهداف العقل والروح والذاكرة الجماعية.
إنها حملة ممنهجة لتشويه الحقائق وطمس الرواية اليمنية الأصيلة؛ ممَّا يجعل الهجومَ على الإعلام هجومًا على السيادة نفسها.
تسعى قوى العدوان إلى فرض روايتها الوحيدة وإسكات الصوت الحر عبر استراتيجية تجمع بين القصف المادي والاختناق الرقمي؛ وشهدت صنعاء جرائم واضحة باستهداف المكاتب الصحفية والكوادر الإعلامية، في رسالة ترهيب تهدف إلى إفراغ الساحة من الشهود، وخلق ظلام إعلامي يتيح اختلاق الوقائع وترويج الأكاذيب.
الحصار الرقمي وسلاح "التزييف العميق"
لم يتوقف العدوان عند القنابل، بل امتد إلى حصار رقمي يتعمد عرقلة المِنصات المستقلة عبر حجب المواقع وقطع الاتصالات، وتوظيف قوانين قمعية لسحق حرية التعبير.
وفي الوقت نفسه، تتحوَّل التقنية إلى ساحة حرب خفية؛ حَيثُ يُستخدم التقدم الرقمي كسلاح للتجسُّس وتضليل الرأي العام.
ويواجه اليمن اليوم تحدي "الذكاء الاصطناعي المزدوج"؛ فبينما تتبنى المؤسّسات الوطنية أدواتِه لتعزيز الكفاءة، يسعى العدوّ لتحويله إلى أدَاة تدمير عبر إنتاج محتوى مزيّف (صور وفيديوهات عميقة التزوير) يصعب تمييزه؛ بهَدفِ زعزعة الثقة الداخلية.
هذا التضليل لا يهدف فقط إلى تشويه الأحداث، بل إلى تآكل أَسَاس الثقة بين الجمهور والإعلام الموثوق.
فحين يختلط الحقيقي بالمصنوع آليًّا، يفقد الناس القدرة على التمييز؛ ممَّـا يهيئ الأرضية لقبول الروايات المغلوطة ويهدّد التماسك الاجتماعي.
استراتيجية المواجهة: التحصين والوعي
إن المعركة القادمة هي معركة وعي وحذر وتحصين تقني لا تقل أهميّة عن تحصين الحدود.. والدفاع عن الرواية اليمنية يتطلب خطوات استباقية:
تعزيز الأمن الرقمي: كأولوية قومية عليا لحماية أنظمة الاتصالات والبيانات الحيوية من الاختراق.
التأهيل التكنولوجي: تدريب الإعلاميين على أمن المعلومات وأدوات كشف المحتوى المزيَّف والاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي.
التوثيق المحترف: تسجيلُ كُـلّ انتهاك (حجب أَو استهداف) كسلاحٍ قانوني وأخلاقي في المحافل الدولية.
الوَحدة الإعلامية: الالتفافُ حول الإعلام الوطني الموثوق ورفض الانجرار وراء الشائعات التي تزرع الفُرقة.
ختامًا..
إن اليمن الذي دحر أعتى الحملات العسكرية، قادر على الفوز في معركة الإعلام والتقنية.
النصر يحتاج إلى إدراك أن هذه الجبهة جزء لا يتجزأ من حرب الوجود.
يجب أن تتحول كُـلّ مؤسّسة إلى حِصن، وكل مواطن إلى حارس للرواية؛ فالمستقبل لليمن حُرًّا أبيًّا، وسيبقى صوته عاليًا وحقيقته ساطعة لا تغطيها غيوم التضليل.







