[وهكذا سيحصل في كل عصر لأي فئة وإن انطلقوا تحت اسم أنهم جنود لله، وأنصار لله، إذا ما كان إيمانهم ناقصاً، سيجنون على العمل الذي انطلقوا فيه، سيجنون على الأمة التي يتحركون في أوساطها، سيجنون على الأجيال من بعدهم، وهم من انطلقوا باسم أنهم يريدون أن ينصروا الله، وأن يكونوا من جنده لكن إيمانهم ناقص، ووعيهم ناقص].
في كل عصر، ليست المسألة فقط في زمن معاوية وعمرو بن العاص، في عصر الإمام علي (عليه السلام)، بل في هذا العصر أكثر خطورة، في هذا الزمن أكثر خطورة لأي فئة، حتى لو انطلقوا مجاهدين تحت عنوان جهاد، تحت عنوان أنصار لله، نقص الإيمان ونقص الوعي يمكن أن يترك نفس الأثر الذي تركه في الخوارج، نفس الأثر يؤثر عليك الأخرون بدعاية، إما تجاه قيادتك، أو تجاه النهج والمسيرة التي تنتمي إليها، أو تجاه هذه الأمة التي تتحرك في أوساطها، والجناية خطيرة.
أحياناً تكون جناية الإنسان تمتد آثارها فيكون جرمه جرم كبير، يتحمل ذنب كبير وذنب عظيم نتيجة قصور وعيه، ونقص إيمانه، تمتد آثار موقفه في الأجيال، ليس فقط في عصره وفي مرحلته، ولا تبقى حدود موقفه وتصرفه السيئ المتأثر بما هو من جانب الآخرين, لا تبقى فقط في مستوى واقعه، وفي مستوى مرحلته, بل تمتد عبر الأجيال, عبر الأجيال، فيتعاظم الذنب، وفعلاً يظهر في كثير من المواقف والأعمال أن آثارها هي التي تجعلها كبيرة جداً، آثارها أكبر منها، آثار بعض الأعمال، بعض المواقف السيئة آثارها أكبر منها، وتجعلها خطرة جداً وتحولها إلى ذنب فظيع، وعظيم.
ثم قال (رضوان الله عليه): [إذا كان ولابد كما هو الحال بالنسبة لواقعنا والأمة في مواجهة صريحة مع اليهود والنصارى، مع أمريكا وإسرائيل ونحن في زمنٍ التضليل فيه بلغ ذروته في أساليبه الماكرة، في وسائله الخبيثة، في خداعه الشديد، فإن المواجهة تتطلب جنداً يكونون على مستوى عال من الوعي].
هذا هو واقعنا، مرحلتنا، زماننا، نحن في زمن بلغ التضليل فيه ذروته، المضلون في هذا العصر أخطر من المضلين في كل عصر، زمن الدجل والتضليل، وأصبح لديهم وسائل كبيرة، خطيرة، مؤثرات كثيرة، إمكانيات لنشر التضليل كبيرة وكثيرة، حتى لديهم مدارس وجامعات في علم النفس، يدرسون الواقع النفسي للناس، ويحرصون دائماً على استقراء الواقع الذي يعيشه الناس، ما هو واقعهم؟ ماذا يقولون؟ يعملون استبيانات دقيقة جداً عن الواقع ويحاولون أن يعرفوا واقع الناس بشكل دقيق، ومن ثم يرسمون خططهم الخبيثة والماكرة للتأثير على الناس، وإيصال الباطل والضلال بالشكل المؤثر، وفق أساليب مؤثرة ومقبولة في المجتمع.
هم يعرفون ويقيّمون واقع أي مجتمع ، مثلاً يدركون في واقعنا كمجاهدين أن بعض الدعايات لا يمكن أن تنفق، بعض الأساليب لا يمكن أن تنفق، مستوى الوعي لدينا كمجاهدين جعلنا في مستوى نعرفها وتفتضح أمامنا، يحرصون على استغلال أشياء أخرى يمكن أن تنفق، يمكن أن يكون لها قابلية، يمكن أن تؤثر، ويتعاملون مع كل مجتمع بما يمكن أن ينفق فيه، ولهذا حتى الحالات التي من خلال حديث الناس وكلام المجاهدين فيما بينهم في مجالسهم، أو اجتماعاتهم، أو لقاءاتهم، أو ما شابه، حتى من خلال الاتصالات, اتصالات الجوالات وما يقال فيها، يحرصون أن يكتشفوا كل الثغرات التي يمكن أن ينفذوا من خلالها إلى التأثير في داخل واقعنا كمجاهدين.
أهم ما يركز عليه الأعداء دائماً أهم ما يركزون عليه هو الواقع الداخلي، هذا أهم ما يركزون عليه، وأهم ما يراهنون عليه، وأهم ما يعتمدون عليه، وأهم ما يشجعهم للعدوان هو دائماً الواقع الداخلي، ولهذا في بعض اللقاءات كنا نتحدث عن أهمية قول الله سبحانه وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}(المائدة : من الأية105) لا يضركم، لا يمكن أن يلحقنا الضرر حتى وإن كانوا وإن دخلوا معنا في مواجهة لا يلحقنا ضرر من ذلك، بل ننتصر، ونغلب بالنصر من الله، والتأييد من الله، أكبر خطر وأكبر ما ينفذ منه الأعداء ويؤثرون منه هو الوضع الداخلي.
نؤكد في كثير من اللقاءات والحديث على أن على كل فرد مجاهد أن يتعامل بمسئولية فيما يقول، فيما يقول. الله سبحانه وتعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا}(الأحزاب : الأية70) وقولوا قولاً سديداً، يتعامل الإنسان بمسئولية فيما يقول، احذروا التهاون، الأعداء يستفيدون حتى مما يلحظون أن فيه تذمر، عندما يلحظون كلام من البعض في البعض، أو عبارات تعبر عن استياء، وتعبر عن تذمر، يستغلونها استغلال كبير، يبحثون عن كل ثغرة، أعينهم مفتوحة على الواقع ويحاولون أن يستغلوا أي ثغرة داخل المجاهدين أو داخل المجتمع, ويشتغلون من خلالها, يعرفون كيف يفعلونها بشكل غير مباشر, غير مباشر.
هم يعرفون أن الأسلوب المباشر غير مقبول عند كثير من الناس، بالذات المجاهدين والمجتمع المؤمن والمتفاعل معهم، يدركون أنها لا تنفق كثير من الدعايات، كثير من الأساليب المباشرة، فيتحركون بشكل غير مباشر، ليعمموا في الواقع الداخلي توجهات وانشدادات نحو قضايا معينة تصرف الناس عن اهتماماتهم الكبرى, فيبقى البعض من المجاهدين كل شغله، كل اهتمامه، كل انتقاده موجه إلى قضايا محدودة ومعينة، ولم يعد عنده اهتمام بالقضايا الكبرى، ولا المسائل المهمة، ناقم على تصرف معين، أو قضايا معينة، أو أمور معينة، ولم يعد عنده اهتمام بقضايا أخرى، ويشتغل بالطريق التي تسر قلوب الأعداء, تسر قلوب الأعداء، وهو يقدم لهم هدية ثمينة، وخدمة جليلة، وهو لا يشعر وهو لا يشعر، يتصور أنه بذلك إنما يحاول أن يروح عن نفسه ويخرج حالة الغضب.
التصرفات التي يتصرفها البعض إما من المحسوبين على المجاهدين، أو في أوساط المجتمع، أيضاً تصرفات تخدم الأعداء. يجب أن يحرص الإنسان على أن لا يكون خادماً لأعدائه، أن لا يقدم خدمة لأعدائه، لا بقول، ولا بتصرف، يتعامل بمسئولية عالية، أي إشكالات، أو أخطاء، أو تصرفات أو أي شيء تحتاج إلى حلول ومعالجات يمكن أن تحل, يمكن أن تعالج حتى لو احتاجت إلى وقت، لكن أن تتحول الحالة إلى حالة سلبية تستغل ويكون التعامل معها بطريقة تخدم الأعداء، وترضيهم، هذه مسألة خطيرة جداً. وحينها يصبح الانشغال إلى حد كبير بأشياء بعيداً عن الاهتمامات الكبرى، القضايا الأساسية، تتحول الاهتمامات إلى اهتمامات ثانية، والانشغال بأشياء ثانية، وهكذا.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس مــــــن هـــدي القرآن الكريــــــــــم
في ضلال دعاء مكارم الأخلاق - الدرس الأول.
الدرس الخامس
ألقاها السيد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بتاريخ: 6/جماد أول/1434هـ
اليمن – صعدة.