عبدالحكيم عامر
لم يكن اليمن في عام 2015 يملك ما يؤهله للصمود أمام عدوان من التحالف السعودي إماراتي الأمريكي، بكل أنواع الأسلحة، حيث كانوا يعتقدون أن الأمر لن يحتاج أكثر من "عاصفة" تستمر أسابيع، قبل أن تنتهي المسألة بانهيار شامل.
لكن ما لم يكن في الحسبان، هو أن اليمن أطال أمد المعركة، ويحوّلها إلى حرب استنزاف طويلة، يتطور فيه شيئًا فشيئًا من الدفاع إلى الهجوم، ومن الميدان إلى ما هو أوسع: الردع المعلوماتي، والتفوق التكنولوجي، والتأثير الدبلوماسي.
اليوم، بعد عشر سنوات كاملة، تقف أمريكا ـ أمام اليمن ـ عند عتبة الإنهاك والفشل، لم تحقق أهدافها العسكرية، ولم تنجح في كسر إرادة اليمنيين، وها هي تجد نفسها أمام واقع جديد يفرضه اليمن على الأرض وفي الجو والبحر، بل والمعلوماتي.
اليمن الذي صمد عسكريًا، انتقل بخطى ثابتة نحو تطوير صناعته العسكرية، وقدراته الاستخباراتية حيث أصبحت قلقًا حقيقيًا للولايات المتحدة الأمريكية، فتقارير عدة تحدثت عن أن اليمن أصبح لاعبًا معلوماتيًا من الطراز الأول، يمتلك بنك أهداف واسعًا، ويجمع المعلومات من الميدان عبر شبكات إستخباراتية متقدمة بقوة أخطر وأدق.
ولعل المفارقة أن الحرب التي شنتها أمريكا لحماية الكيان المحتل، وإختبار قدرات أسلحتها، فتحوّلت إلى اختبار قاسٍ لفشل هذه الأسلحة، في ظل ما واجهته من تكتيكات يمنية بدائية في الظاهر، لكنها معقدة ومدروسة في الجوهر.
الاتفاق السياسي الأخير بين صنعاء وواشنطن، والذي أعلنه ترامب مؤخرًا، لا يجب النظر إليه كتنازل يمني أو توقف مؤقت، بل كمؤشر لانكسار أمريكي واضح، يُظهر أن الحرب استنفدت أغراضها، وأن أمريكا باتت تبحث عن مخرج يحفظ لها ما تبقى من ماء الوجه، اليمن، في المقابل، لم يقدم تنازلات، بل دخل الاتفاق من موقع القوة، بعد أن فرض حضوره العسكري والإقليمي والدولي.
وهنا تتجلى ملامح النصر الإلهي: عندما تفرض الدولة المحاصرة شروطها، وتجعل من عدوها يعترف بها كند قوي وشجاع، بعدما كان يراها مجرد "إرهاب" يجب إبادتها.
في الأجندة الأمريكية، كان اليمن ساحةً منسية، يمكن تفكيكها بسرعة، للانتقال إلى الملفات الأهم كالصين وروسيا، لكن تطورات السنوات الأخيرة جعلت من اليمن صداعًا دائمًا في رأس البيت الأبيض، فاليمن بات يؤثر في حركة التجارة العالمية، ويهدد أمن الكيان الإسرائيلي، ويزعج القواعد الأمريكية في البحر الأحمر والخليج العربي، كما أصبح رأس حربة لمحور مقاومة يتسع من لبنان إلى العراق إلى غزة.
إن مجمل التحولات تشير بوضوح إلى أن أمريكا فقدت الكثير من أوراقها الرابحة في المنطقة، كسر الحصار على العدو الإسرائيلي وحمايته فشل، والردع البحري انكسر، والهيبة العسكرية تآكلت، والتحالفات السياسية تهشمت، بينما صعد اليمن بثبات وصبر وبخطاب قرآني واضح كلاعب إقليمي يفرض شروطه ويعيد رسم خطوط النفوذ من جديد.
إن سقوط هذه الأوراق الأمريكية لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة مسار تراكمي من العمل الجهادي والمقاومة، والصمود الشعبي، والتكامل بين الجبهة العسكرية والجبهة الإعلامية، وقيادة حكيمة ربطت المعركة بالهوية الإيمانية والمشروع القرآني المقاوم.
أمريكا رفعت راية الفشل والإنكسار والهزيمة رسميًا، وان كانت بلسان شيطانها ترامب بالمراوغة والكذب، لكن الوقائع تتحدث أن اليمن لم يُهزم، بل حقق نصرًا قوياً كسر فية العربدة الأمريكية، وقلب المعادلة التي تحركت من اجلها امريكا في قصفها لليمن وهي توقيف اليمن عن إسنادة لغزة ولكن اليمن بقوة الله ونصرة هو من فرض وأجبر أمريكا بالتخلي عن حماية العدو الإسرائيلي المحتل.
فاليمن فرض توازن جديد في وجه الغطرسة الأمريكية، وبفشل المشروع الأمريكي وفشل أدواته، في مقابل نهوض مشروع قراني مقاوم متكامل يكتب تاريخه من رحم المعاناة والانتصار.