أيضاً رأى الأعمال التي عرضت وأنها هي الأعمال التي يسمى صاحبها بالمحسن أي أعمال إحسان، هي نفسها التي كان لها أثر كبير في الوقاية من جهنم، عندما رأى أولئك نجو من جهنم وساقتهم الملائكة إلى الجنة رآهم نوعية أخرى ممن كانوا مجاهدين، ممن كانوا منفقين، ممن كانوا صابرين، ممن كانوا متقين ومحسنين.
ورأى عنده كثيراً ممن سيساقون إلى جهنم أنهم كانوا وهم اسمهم مؤمنون، ولكن لم ينفع اسم [إيمان] وإلا فقد كنا مؤمنين، بمعنى: مصدقين باليوم الآخر وبالنار، لكن أولئك الذين يساقون إلى الجنة متقون محسنون، ألم يقل هناك: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} الجنة {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وهو يتحدث عن صفاتهم؟
{بَلَى} بلى. أليس هنا يتمنى؟ {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي}، {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً}، {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} (الزمر: من الآية59) في الدنيا، آيات كثيرة في القرآن الكريم، ليس هناك أعظم من القرآن الكريم من كل الكتب التي نزلها الله إلى عباده، وليس هناك أعظم منه في مجال البيان للناس، وبيان صادق لا يمكن أن تقول: هذا الحديث قد يكون موضوعاً، أو هذا الحديث قد يكون معارضاً بأقوى منه، أو عبارات من هذه.
آيات صريحة {جاءتك آياتي} التي تبين لك كيف تكون من المتقين، وكيف تكون من المحسنين، وكيف تنطلق في العمل فيما يرضي الله فتكون بعيداً عن التفريط في جنب الله، وكيف تكون ممن يحرص على الهدى، وليس ممن يتحول إلى ساخر {قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} لكن أنت الذي كذبت {فَكَذَّبْتَ بِهَا} (الزمر: من الآية59).
هذا التكذيب لا يلزم فيه أن تقول: كذب. هل نحن نقول في القرآن: كذب؟ لا أحد منا يقول: كذب أبداً، لكن في واقعنا كالمكذبين، أعمال مهمة تتوقف عليها نجاتنا لا نكاد نعد أنفسنا لأن نصغي للحديث عنها أو لأن نسمعها، ومتى ما سمعناها نكون محاولين كيف نتخلص منها، تعامل من هو مكذب والأصل هو العمل، وإلا فمجرد التصديق باللسان قد لا ينفع.
هل التصديق بالله سبحانه وتعالى والإيمان بالله بمجرد كلام ينفع؟ ألم يقل عن أولئك إنهم كافرون به؟ وهو من حكى عنهم بأنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (الزخرف: من الآية87) أليسوا معترفين بالله، ومؤمنين بالله، ومصدقين بوجوده، وأنه إله؟ الإيمان كله عملي في الإسلام كله، في القرآن كله، الاعتقادات عملية، الإيمان عملي، أما مجرد إيمان لا يتبعه عمل تعتبر كمن ليس بمؤمن.
فإذا كان إيماني بالله لا ينفعني؛ لأنني لم أنطلق في العمل على ما يقتضيه هذا الإيمان فكذلك الإيمان بآيات الله، أو أن الإيمان بآيات الله سيكون أكثر من الإيمان بالله هو؟ الإيمان بآياته وأنت لا تنطلق في ميدان العمل بها ستكون كالمكذب بها،
{بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ} (الزمر: من الآية59) الإنسان يقف أمام آيات الله موقف الرافض لاعتبارات أخرى، وموقف المستكبر الذي يأنف من أن يلتزم بها في واقعه {وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (الزمر: من الآية59) الكفر أساساً هو رفض، فالذي يرفض في واقعه كمن يرفض في منطقه، الذي يقول: لا. هذا ليس بنبي، هذا ليس كلام الله، أليس هذا كفراً؟ في الواقع العملي ما الذي يفرق بينه وبين من قال: نعم هذا نبي وهذا كتاب الله، ولكنه لا يعمل بما جاء به النبي ولا يهتدي بهذا النبي؟ أليسوا في الواقع العملي مستوين؟
{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} نعوذ بالله {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ} (الزمر:60) فقد يكون مما يحمل الإنسان على الكذب على الله حالة ترفع من التزام بما هدى إليه الله، كما هو في داخل المسلمين الآن حالات كثيرة من الكذب على الله سبحانه وتعالى، حالات كثيرة من الكذب على الله في الاعتقادات، في الحديث عن الدين، في الحديث عن المواقف التي يجب أن يقفها المسلمون.
ونحن أيضاً في أعمالنا في مواقفنا كمن يكذب على الله، ألسنا نقول أحياناً: [لو كان هذا صحيحاً لكان سيدي فلان في المقدمة]؟ ألسنا نقول هكذا؟ أي فليس صحيحاً، أليس هكذا؟ ما هو هذا؟ أليس هذا تكذيباً؟ تسير إلى العالم الفلاني فتقول: "يا خبير هذا فلان يقول لازم نعمل كذا وننطلق من أجل نعمل كذا، وأن القرآن قال كذا وكذا" قد يقول لك: لا يلزمك هذا بكله، أو ذالك شيء ربما ليس له فائدة.
أنت قلت في نفسك قبل، أو ستقول للآخرين: [لو كان هذا العمل صحيحا أو لازما لكان سيدي فلان وسيدنا فلان والعالم الفلاني والعلامة الفلاني في المقدمة. ليس لديهم إلا كذب].
ألست إذاً كذبت بهذا؟ أي قلت: هذا غير صحيح فكأنك قلت: هذا عمل لا قيمة له. قلت: هذا عمل ليس لله فيه رضى. هذا نفسه مظهر من مظاهر الكذب على الله، أنت قدمت الموضوع: بأن هذا لا علاقة بينه وبين الله، فأنت كذبت في هذا.
وما أكثر ما يحصل من الناس من ضعاف الإيمان هذه التساؤلات في حالات المواقف العملية! لا أحد يسأل عن الصلاة، أو يسأل عن الصيام، أو عبادات من هذه. ألسنا كلنا ننطلق في أدائها بسهولة، ولا أحد يذهب ليسأل يبحث إذا وجد له مخرجاً منها؟ لكن متى ما جاءت أعمال هي الأعمال المهمة التي تتوقف عليها النجاة، هذه الأعمال التي يتمناها هؤلاء: التقوى، الإحسان، {لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} تبدأ التساؤلات وتبدأ التشكيكات هذه هي من الظلم للنفس، من جهالتي، من جهالتي إذا لم أنطلق على هذا النحو. لماذا أتهرب مما فيه نجاتي من النار؟! لماذا أحاول أن أتهرب مما فيه لله رضى؟! هل أن الله عدو لي فأنا أريد ألا أعمل له إلا أقل ما يمكن؟ "أقاصي" إلى هذا الحد؟ هذه حالة غير طبيعية أبداً.
ممكن أن تسأل فقط لتتأكد هل هذا مشروع أو أنه محرم، حرام لا بأس أنت تريد أن تعرف هل هذا العمل حرام باعتباره ليس مشروعاً باعتباره مخالفاً لشرع الله.
خرج رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) فقاتل وتعرض للآلام، خرج الإمام علي عليه السلام فقاتل ثم قُتِل، فخرج الإمام الحسن فقاتل حتى خذله أصحابه، ثم قُتِل بالسم، فخرج الإمام الحسين فقاتل حتى قُتِل. هل كان لدى أولئك نظرة إلى أنفسهم بأن الإسلام يتمثل في شخصه فلتتوقف كل حركة من أجل ألا يلحقه ألم؛ لأنه إذا ما لحقه شيء فالإسلام ضُرب بكله؟ بل كانوا يرون بأن التضحية بأنفسهم هي الخدمة للإسلام وهي الحفاظ على الإسلام.
نحن مررنا بحالة من هذا كان يقال لنا أيام العمل في [حزب الحق] في بدايته وما زالت القضية ما قد الناس متأكدين هل الحزبية مسموحة أم لا. يقولون: "بطِّلوا با تكلفوا على العلماء، على أحد من العلماء".
أصبحت النظرة: أن الحفاظ على شخص العالم ليبقى حياً هي الحفاظ على الإسلام، ليس كذلك، بل على العالم أن ينطلق هو ويتقدم المجاهدين في سبيل الله هو ثم ليقتل هو. هذا هو العمل للحفاظ على الإسلام، وهذا هو العمل في خدمة الإسلام.
عندما زرنا مدينة [قم] خارج المدينة جسر معترض على الخط فيه يمكن ما لا يقل عن سبعين صورة عالم سقطوا شهداء في سبيل الله، ألم يحفظ الإسلام في إيران عندما سقط العلماء شهداء؟
أن يأتي عالم فيظن أن الحفاظ على شخصه هو يمثل الحفاظ على الإسلام فهذه نظرة مغلوطة، أن يقول لك أو يقول لي: لا تتحرك لأنك ستؤدي بهذا العالم، أو بذلك العالم إلى أن يقتل، فحافظ عليه حرام حافظ عليه، يعتبر حراما ستقضي على الإسلام! لو أنهم خرجوا وصدعوا بالحق لما وصل العامة إلى ما قد وصلوا إليه من الضلال. ألم ينتشر الوهابيون في كل منطقة؟ ألسنا الآن نعيش حالة التهويد للمجتمع؟ حالة الارتداد بعد الإيمان؟ قد يكون هناك علماء لهم عذرهم فيما بينهم وبين الله. لكن أن تكون القاعدة العامة هي القعود، هي ألا تتحرك من أجل ألا يحصل كذا من أجل ألا يكون كذا، هذا هو الذي يضرب الإسلام.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
[الدرس الحادي عشر – معرفة الله – وعده ووعيده]
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ: 17من ذي القعدة 1422هـ
الموافق: 30/1/2002م
اليمن – صعدة.