عبدالفتاح حيدرة
قد دفعنا جميعا الثمن غاليا عبر تسع سنوات ، لكي لا نعيش رخاص ومهانين ، وبعد تسعة اعوام من العدوان والحصار على بلدنا اليمن ، جأت الهدن لتبقى سياسة التجويع متحكمة في كل شئ ، والجوع هو صراع البقاء او الموت وهو الفك المفترس وهو الطاعون بل هو أكبر من ذلك بكثير، ذلك لأنه لا يقتصر فقط على الصراع من أجل الحياة بل يزداد نقمة، إذ نتحول جميعا في سياقه إلى أدوات بشرية متوحشة، نتقاتل على لقمة خبز، أو أكثر نهما من مجرد الجوع العادي، وليس أمامنا من حل إلا أن نركن التضحيات والبطولات والاعداء جانبا لنفعل كل شيئ لسد الرمق، وهذا هو مايريدة العدو مننا تحديدا، ان نتقاتل ولا نقاتله، لذلك علينا ان نعي جيدا انه في مسألة الجوع هناك دول و مؤسسات شكلية تتنافس على حق الحياة اليمنية بالحصار والعدوان والقتل وأخرى بالسرقة والنهب والفساد..
الحقيقة هنا إني أريد أن أترفق أكثر فأهدئ من روع الناس بما ينتظرهم إذا بقيو على هذه الحالة صامتين ، وبدون ان يطالبوا ببناء مؤسسات دولة يمنية حقيقية توفر لهم ما يسد الرمق، ولو تطلب الأمر الخروج بالدعوة الشعبية والتفويض الشعبي للقيادة والجيش اليمني بضرب العدو في كل مفصل حتى يوقف عدوانه ويفك حصاره، لأن الجوع كما يقولون كافر، لا يؤمن بشيئ ولا يهدأ إلا بسد الرمق، والمثل يقول إذا جاعت البطون تاهت العقول، وهذا يعني إحتلال العقل بالفوضى، اي تدمير الوعي، وتمرد السلوك و الأخلاق والقيم والمشروع الثوري ، ولذلك أرى أنه لا إستثناء في القاعدة مطلقا فالجوع هو البطل الشرير المتحكم في كل شيئ ، قد يمنعه الضعف من إرتكاب جريمته فيموت دون تضحية، لأن هناك فرق بين الجوع والشبع، فكلاهما يؤديان في بعض الوقت إلى فساد الأخلاق، فاللهو بالشبع مفسدة لكن الجوع كارثة وشتان الفرق بينهما، وصحيح ان الدين هنا جزء أصيل من حياة البشر ، ولا ينكر دوره وأهميته إلا عديم عقل..
من المعلوم هنا أن المشكلة ليست في الدين بقدر ما هي في من يحاولون إخراج الدين من دوره ليمارس أدورا أخرى ليست منه وليس منها، وهناك مقولة شهيرة تقول "لو عالج الطبيب جميع المرضى بنفس الدواء لمات معظمهم " ، لذا لا يمكن أن نقحم الدين فيما يخصه وما لا يخصه، لا يمكن أن نقحم الدين والتدين في مسألة العلوم الإدارية والاقتصادية الا من باب الاخلاقيات ، يا سادتي ان أزمتنا السياسية تكمن في النخبة القديمة التي لم تعد صالحة، وكذلك الجديدة ما زالت غير مؤهلة، نحن في اليمن سوف نتطرف يمينا أو نتطرف يسارا، لا وسط ولا اعتدال، وهذا راجع بالأساس لكون بيئة التجويع متطرفة وغير معتدلة، ربما تكون الأحداث والظروف هي التي ستدفعنا لحالة من التطرف هذا ، إلا أن النتيجة في النهاية هي أن الغالبية العظمى سوف تكون متطرفة ، أيًا كانت الجهة التي يتحرك فيها هذا التطرف، والسماح بإستمرار الجوع و التجويع والحصار سوف يخلق لنا بيئة ومناخ للتطرف القذر، ذلك التطرف الذي لا يرى أمامه سوى كيف يأكل فقط ولو على حساب جميع قضاياه..