مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله
غزة في يوم الإعاقة العالمي.. أطراف تُبتر، وأرواح تبحث عن حياة

مـوقع دائرة الثقافة القرآنية - تقارير – 12 جمادى الآخرة 1447هـ
في اليوم العالمي للإعاقة، كان يفترض أن تضاء الشموع احتفاء بقوة الإرادة البشرية، لكن غزة وحدها أطفأت كل أضواء العالم؛ فقد تحوّل هذا اليوم فيها إلى مرآة دامية تكشف الإجرام الصهيوني في ظل المأساة التي يعيشها الجرحى مبتورو الأطراف، أولئك الذين خطّت الحرب أجسادهم بحدّ الحديد والنار، ودفعتهم إلى حياة جديدة لا تشبه شيئًا مما عاشوه من قبل.

في قطاع محاصر، حيث تختزل الحياة بين ركام المنازل وصراخ الأطفال، ظهرت واحدة من أبشع موجات الإعاقة في تاريخ الحروب، أكثر من 6000 حالة بتر خلال عامين فقط؛ ستة آلاف جسد فُصل عن جزء منه قسرًا، وستة آلاف روح تبحث اليوم عن شيء يشبه الاتزان وسط أرض تهتز تحت وقع العدوان والإجرام الصهيوني،  وبين كل أربعة مبتورين يقف طفل صغير بقدم واحدة أو يد مقطوعة. يشكّل 25% من هذه الحالات أطفال لم يسعفهم العمر ليختبروا معنى الجري أو اللعب أو الإمساك بقلم، قبل أن تسقط القذائف عليهم حكمًا بالإعاقة مدى الحياة.

لم تكن الإعاقة في غزة نتيجة مرضٍ أو حادثٍ عابر؛ بل هي طابع النار الذي تركته الصواريخ في العظم والجلد، وهي توقيع المباني المنهارة فوق ساكنيها. آلاف الجرحى فقدوا أطرافهم لأن المستشفيات المدمرة لم تستطع تقديم العلاج الأولي، ولأن الأدوية الحيوية مُنعت من الدخول، فتحولت إصابات كان من الممكن علاجها إلى إعاقات دائمة.

  • انهيار الوضع الصحي

كان "مستشفى حمد للأطراف الصناعية" أحد أهم مرافق التأهيل في غزة، لكن القصف الإسرائيلي لم يترك له أثرًا، توقف المركز تمامًا، ومعه توقفت صناعة الأطراف التي يحتاجها آلاف الجرحى، والأسوأ من ذلك أن العدو لم يكتفِ بالتدمير، بل منع دخول الأطراف الصناعية إلى القطاع، ليبقى الآلاف من مبتوري الأطراف في انتظار عضو لن يصل.

ولأن العدوان الإسرائيلي على غزة يستهدف الجسد والمنظومة كلها، فقد انهارت مراكز التأهيل والعلاج الطبيعي، وتوقفت مستشفيات عدة بينها مستشفى "حمد" للأطراف الصناعية، وتلاشت الأدوات المساعدة التي يحتاجها 7000 معاق جديد يبحثون اليوم عن عكاز أو كرسي متحرك، كما يبحث المنكوب عن طوق نجاة في بحرٍ هائج، حتى الخبراء الذين تدربوا لسنوات خارج القطاع لصناعة الأطراف استشهدوا بالنيران الإسرائيلية، لتغدو الإعاقة بابًا مغلقًا لا يجد من يفتحه.

وليس الجسد وحده من يعاني، فهناك 42 ألف مصاب، إصابات غيّرت حياتهم بالكامل بين بترٍ وعمى وشلل، يحتاجون جميعهم لعلاج غير متوفر في غزة، وهناك 18 ألفًا و500 مريض ينتظرون السفر للعلاج، بينهم 1200 من ذوي الإعاقة؛ ينتظرون على المعابر المغلقة بفعل الحصار الإسرائيلي .

ومع توقف خروج الجرحى ومنع العدو إدخال الأدوية والمضادات الحيوية، تفشت الميكروبات، وأصبح البتر الخيارَ الوحيد لإنقاذ الأرواح. مئات الأطفال ماتوا وهم ينتظرون تصريحًا للعلاج خارج غزة؛ رحلوا قبل أن تكتب لهم الحياة فرصة ثانية، وقبل أن يَفهم العالمُ أن تأخيرًا واحدًا على حاجز العدو يمكن أن يكون مرادفًا لكلمة “موت”.

إنها كارثة إنسانية متكاملة، انهيار في البنية الصحية، غياب للأطراف الصناعية، توقف للتأهيل، حصار يمنع السفر، بيئة نفسية منهارة، ودمار يتسع يومًا بعد يوم. هذه الفئة التي تستحق أكبر قدر من الرحمة والرعاية، تقف الآن في مواجهة قسوة الإجرام الصهيوني وقسوة حصاره الذي يقطع عنها كل سبيل للعلاج والأمل.

  • حين يكون "البتر" الخيارَ الوحيد

 مدير عام وزارة الصحة في قطاع غزة منير البرش، أكد على حجم التحديات الطبية غير المسبوقة التي تواجهها الطواقم الصحية في التعامل مع الجرحى، خصوصًا حالات البتر التي تضاعفت بشكل هائل منذ بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية على القطاع.

وكشف البرش في تصريحات إعلامية أن الظروف القاسية التي فرضها العدوان أحرجت الأطباء ووضعَتهم أمام قرارات موجعة، مؤكدًا أن البتر أصبح -في كثير من الأحيان- الخيار الوحيد لإنقاذ حياة الجريح نتيجة غياب الأدوية والقدرات الجراحية اللازمة.

وأوضح البرش أن المستشفيات تعاني من نقص حاد في الأدوية والمضادات الحيوية، بعد أن منع العدو الإسرائيلي إدخال أصناف أساسية وطارئة، ما أدى إلى انتشار “الميكروبات المقاومة للمضادات” بين المصابين، وهو ما أجبر الأطباء على اللجوء للبتر كحل اضطراري.

وأشار إلى أن البنية الصحية انهارت بشكل واسع، بعد خروج نحو نصف مستشفيات القطاع عن الخدمة، إلى جانب توقف عدد كبير من مراكز التأهيل والعلاج الطبيعي، ما أدى إلى تعطّل برامج إعادة تأهيل الجرحى الذين يحتاجون رعاية طويلة.

وكشف “البرش” عن تسجيل وزارة الصحة 6000 حالة بتر منذ بداية الحرب، من بينهم أطفال ونساء وشباب، وجميعهم بحاجة إلى برامج تأهيل وعلاج طبيعي وأطراف صناعية غير متوفرة داخل القطاع. وبيَّن أن عدد الجرحى الذين يعانون إصابات “غيّرت حياتهم بالكامل”، وتشمل البتر، الشلل، والإعاقات الحركية والحسية، وصل إلى 42 ألف مصاب، وهذه الفئة تواجه خطر فقدان القدرة على الحركة أو الاستقلالية مدى الحياة إذا لم تتوفر لهم خدمات التأهيل بشكل عاجل.

وأوضح “البرش” أن أكثر من 12,500 مريض وجريح يحتاجون للسفر الفوري لاستكمال علاج لا يمكن تقديمه داخل غزة، خصوصًا مرضى الشلل، وإصابات العمود الفقري، وحالات الحروق العميقة، وحالات بتر الأطراف التي تحتاج جراحات دقيقة وتركيب أطراف متقدمة.

وكشف أن معظم طلبات الإجلاء عالقة بسبب المماطلة الإسرائيلية في منح التصاريح، رغم أن الطلبات تُرفع عبر آليات منظمة الصحة العالمية وبإجراءات طبية دقيقة. وبين “البرش” أن مئات الأطفال مرضوا، بل وتوفوا أثناء انتظار الموافقة على خروجهم للعلاج، مؤكدًا أن هذا التأخير يمثل “حكمًا بالإعدام” على عدد كبير من المرضى الذين لا يملكون ترف الوقت أو الانتظار.

  • مرضى العيون مهددون بالعمى

في ذات السياق حذّر مدير مستشفى العيون في غزة من كارثة طبية وشيكة تهدد الآلاف من مرضى العيون في القطاع، في ظل استمرار استهداف المنظومة الصحية ومنع العدو إدخال المستلزمات الطبية وإجلاء المرضى للعلاج خارج غزة. وقال مدير المستشفى  عبد السلام صبّاح إن بين 4000 و5000 مريض مهددون بفقدان البصر كليًا أو جزئيًا خلال الفترة المقبلة، نتيجة تفاقم أمراض العيون الخطيرة التي تتطلب تدخلاً جراحيًا عاجلًا لا تتوفر إمكاناته بفعل الحصار وانهيار القطاع الصحي.

وأوضح المسؤول الطبي أن مستشفى العيون تعرّض لـ "استهداف مباشر عدة مرات خلال حرب الإبادة، ما أدى إلى خروجه عن الخدمة لأشهر طويلة، قبل أن يُعاد تشغيله جزئيًا في أواخر عام 2024 بقدرات محدودة جدًا".

 وقد دمّر العدو البنية التحتية للمستشفى، بما في ذلك المولدات الكهربائية والأجهزة الجراحية وأجهزة التشخيص الدقيقة، فضلًا عن منع دخول الأدوية والمستهلكات الطبية الأساسية،  وأشار إلى أن نقص العلاجات والإبر الجراحية والأجهزة المتخصصة أسهم في تفاقم أمراض مثل ارتفاع ضغط العين، وتلف القرنية، ومشكلات الشبكية، والمياه البيضاء، ما يجعل الآلاف عرضة للإصابة بالعمى الدائم إذا لم يتلقوا الرعاية العاجلة.

  • ختاما

في غزة، تبتر الأقدام وتقطع الأطراف، ويترك آلاف الجرحى ليخوضوا معركة حياتهم بقوة الإرادة وحدها، يتحركون فوق الألم كمن يمشي على شظايا، ويبحثون عن أطراف صناعية لا تأتي، وعن علاج يظل خلف المعابر المغلقة. الإعاقة هنا ليست خيارا ولا قدَرا، وإنما هي نتاج الإجرام الصهيوني المتزايد بالتخاذل والصمت العالمي.

لكن المأساة الأكبر ليست فقط في أطراف مبتورة، بل في ضمير مبتور لدى المجتمع الدولي، فبينما يتكئ العالم على شعارات الإنسانية وحقوق الإنسان، يقف متفرجًا أمام هذا المشهد المروّع، كأن غزة تعرض فيلمًا لا حياة فيه، وكأن أطفالها لا يستحقون التئام الجراح ولا استعادة القدرة على الوقوف.

في غزة إعاقة في الجسد، نعم، لكن في العالم إعاقة أعمق، إعاقة في الأخلاق، في المبادئ، في القيم، وفي القدرة على رؤية الإجرام الصهيوني.

ومادام هذا الصمت العالمي قائمًا، ستظل غزة وحدها تحاول أن تمشي ولو على قدم واحدة، بينما يفشل العالم كله في الوقوف على "قدمين أخلاقيتين".


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر