عندما تتصور بناء أمة معناه: أن الإنسان، كل واحد يعتبر لبنة في بناء، لبنة في بناء، سيفهم من ظاهر القرآن الكريم أشياء كثيرة جداً تساعده على أن يلتزم، في نفس الوقت عليه أن يعرف أن مهمة البناء، بناء هذا الكيان، مهمة إقامة هذا الدين، عندما يكون الإنسان هو عبارة عن لبنة في بناء، لإقامة الدين معنى هذا أنها مهمة كبيرة جداً، فيجب أن تعرف بأن هناك مواضيع كثيرة أخرى هي مبنية على هذا الأساس، على أساس ماذا؟ أنها تقدم بالشكل الذي لا بد أن يكونوا أمة واحدة، أن يكونوا كياناً واحداً، أن يكونوا كتلة واحدة.
لأن الكثير من الهدى الذي في القرآن الكريم، عندما ينظر الإنسان فردياً هو، ألست قد ترى أشياء كثيرة جداً منه خارج دائرتك أنت؟ فعلاً، أي بالنظر إليك أنت كشخص، وأنت تفترض بتكليفك الخاص أنت، تقول صلاة ممكن صلاة أصلي مقبولة، صيام ممكن أؤدي الصيام هنا أستطيع من الصباح إلى الليل، ذكر الله ممكن أذكر الله، زكاة ممكن أؤدي، أشياء هذه محدودة، أليست تعتبر محدودة؟ لكن تجد المساحة الواسعة في الدين، تجدها قضية جماعية، خطاب جماعي، مهام جماعية، هذه المهام الجماعية عندما تأتي أنت بنظرتك الفردية إليها سترى بأن هذا مبني على أنه إذا كان هناك استطاعة، وفي الأخير تقول: أنا لست مستطيعاً، وهذا الذي حصل، الذي حصل عند الناس، عندما ترسخت النظرة الفردية، لم يبق لديهم ما يتناولوه إلا الأشياء الفردية، تراهم مصلين، وصائمين، وحاجين، ومزكين، ومتصدقين، الأشياء الأخرى وهي المساحة الواسعة يبدي عليها ورآها وقال: هذا يمكن كذا... مثل: {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} (الصف: من الآية14) {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} (آل عمران: من الآية104) {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}(النساء: من الآية135) {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}(الحج: من الآية78) {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(آل عمران: من الآية167) أليس هو يراها خطاباً لأمة، وبدا عليها.. و قال: [هذا فيما إذا كان واحد مستطيع، وليس باستطاعتي أنا، ورجع.. ورجع.. ورجع..].
لهذا ترى في الأخير أن الذي قعد عنه الناس يمثل نسبة كبيرة جداً من الدين، بسبب هذه النظرة الفردية، إلى درجة أن الأشياء الأخرى لم يعد لها قيمة في واقعنا، وكما نقول أكثر من مرة: بأن الله يذكِّرنا بأن الأعمال هنا في الدنيا، تستطيع أن تعرف أن الأعمال مقبولة، ولها قيمة، أو أنها محبطة، يربط بين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، يقول هناك:{وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}(العنكبوت: من الآية27) فنظرنا إلينا وإذا نحن ملايين مصلين، وملايين يحجون، وملايين يصومون، وكم يشترون من مسابح يسبحون، أسواق تكون في المدينة، وفي مكة يشترونها في [الشوالات] مسابح، ولكن هذه الأمة رأينا واقعها بالشكل الذي يبدو أن كل هذه الأعمال قد فرغت من محتواها، ولم تعد ذات قيمة بالنسبة لواقعها، إذا لم تعد ذات قيمة بالنسبة لواقع الحياة فاعلم بأنها ليست ذات قيمة عند الله؛ لأنه هو الذي وعد أنه إذا كانت الأعمال متكاملة، ومقبولة، سيجعل لها أثرها هنا، وأثرها في الآخرة، فإذا لم نلمس لها أثرها هنا يعني ماذا؟ أنها ليست مقبولة، ليست أداء للدين كما أمر.
إذاً فتجد أنه فعلاً بسبب النظرة الفردية التي رسخها أصول الفقه، جعلت كل إنسان يبدي على الدين واختار الأشياء التي يمكن يأخذها، واعتزل له هناك، وبقية الأشياء يقول: [لا نستطيع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ما يلزمنا] وأشياء من هذه.
إذاً فنفهم جميعاً أن النسبة الكبيرة من الدين هي خطابات جماعية لأمة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} (البقرة: من الآية104) وتجدها فعلاً بالشكل الذي لا يمكن لشخص أن يقوم بها، بمعنى أنه يجب أن تكون أنت ضمن أمة يتحركون في أداء هذه الأشياء التي لا يستطيع أن يقوم بها شخص واحد، حينها ستقبل الأعمال الفردية منك، ستقبل الأعمال الفردية من الناس، بل بدت القضية بشكل آخر، بشكل أنه حتى لو هناك خطايا، أو أشياء، أن الله سيغفرها لمن هم مجاهدون في سبيله، لمن هم متحركون لإقامة القسط، لمن هم يعملون على إعلاء كلمته.
بل رأينا تلك العبادات من أبرزها وأهمها الصلاة، ألم يجعلها بالشكل الذي كيفما أمكن وأنت في ميدان العمل لإعلاء كلمة الله؟ لم يقل: توقفوا، اتركوهم هناك يعملون ما يريدون وابدءوا صلوا ركعات كاملة، بأذكارها كاملة، ولو يحصل ما يحصل! هو قال هناك:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} (البقرة: من الآية239)، هذه الصلاة التي هي كما نراها في القرآن في كثير من المواقع، وهي من أهم العبادات فعلاً لكن هذا مما يعتبر مثلاً واضحاً لنا، عندما تجد العبادة الهامة، وهي الصلاة في حالة العمل لإقامة الدين أديها على الحالة، إذا لم يمكنك أن تصلي وأنت على ظهر الفرس، كما كان في الماضي، أنت في ميدان الجهاد، حضر وقت الصلاة وأنت لا تتمكن فعلاً من أن تصلي أربع ركعات، أو ثلاث ركعات في الأرض فصل على الحالة، وأنت تقاتل، وكبر، واقرأ ما تيسر، وسبح، وهي صحيحة.
ماذا يعني هذا في الأخير؟ يعني بأنه لو قلنا: [لا، نترك هذا المجال، الجهاد في سبيل الله، العمل لإعلاء كلمة الله، ونصلي، نترك ما دام أنه قد يؤدي الموضوع إلى أنه لا يعد يلحق له إلا قراءة هكذا خطف، لا يتمكن حتى من أن يسجد، لم يعد هذا عمل صالح قد هذا قلة خير، اتركونا نتركع، وما لنا دخل!! ] تركعنا سنين، أليس الناس متركعين سنين، ومبنين مساجد، ومليئة بالمصلين؟ وجدنا ليس لها قيمة.
كانت تلك الصلاة التي هي خطف فوق ظهور الخيل، وفي ميدان الجهاد رجالاً، أو ركباناً، تعتبر ذات قيمة كبيرة، وليس فيها لا سجود ولا ركوع، وإنما فقط الحاصل، ذات قيمة كبيرة أفضل من الركعات التي نصليها طويلة، وسجود، ويمتد واحد، ويسبح حتى يشبع، ويقوم ويقعد، ويضيف نوافل؛ لأن هذه ليس لها قيمة، والموضوع الآخر معطل، العمل لإعلاء كلمة الله.
فعندما نفهم فعلاً بأن الهدى هكذا من جهة الله سبحانه وتعالى، في خطاب، في مساحة واسعة من الخطاب جماعي، ومعلوم عند البشر بفطرتهم عندما يقول:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} (آل عمران: من الآية104)،{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} (النساء: من الآية135) أليس معناه: أن يبنوا أنفسهم على أفضل طريقة، ككيان لأمة، ومعلوم عند البدو من البشر، عند البدائيين من البشر، كيف يجب أن يكونوا أمة، ومع هذا تناول القرآن الكريم تعليمات وافية، وخطة وافية، وكاملة في بناء أمة، من الناحية الهيكلية، ومن الناحية التربوية، قدمها بشكل كامل.
إذاً فلتفهم بأن موضوع الهدى هو مبني على هذا، غير طبيعي أن يقال بأن بالإمكان أن تتناول أنت كل شيء في القرآن؛ لأنك ترى معلوماً أمامك تراه أن كثيراً منها، وإن كنت مؤمناً بها لا تستطيع أن تقوم بها أنت؛ لأنها منوطة بالأمة، إذاً أنت من ضمن أمة يعنيً يجب أن يكون الموضوع مرتبطاً بمن؟ بمن هو على رأس تلك الأمة التي تبني نفسها على ما أمر الله في كتابه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ}و{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}.
وجدنا في أيام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) مع أن القرآن نزل بلغة العرب، وهم عرب، ونزل بلغتهم، ألم يكن موضوع الهداية، موضوع هدايتهم، تعليمهم، تزكيتهم، تربيتهم متوقفة على النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ هل أمكن أن يقول كل شخص منهم: هذا كتاب عربي، وبلغتي، وسوف آخذ منه، وأفهمه من غير هذا، ومن غير هذا؟ لا يمكن. إذاً فإذا لم يفهم هذا، أو هذا، أو هذا، لم يفهم من القرآن إلا أشياء معينة، وأشياء أخرى لم يفهمها فيرجع إلى نفسه، ويقول: يكفي، هذا القرآن هو هذا الذي قد فهمناه، فمنه ما فهمناه يمكن نؤديه، وأشياء فهمناها نتركها مكانها.
عندما انطلقوا فعلاً داخل، في مسيرتنا الثقافية قدموا فكرة: أن الله كيف يمكن يخاطب الإنسان بالقرآن ثم لا يفهمه، أليس هكذا؟ معنى هذا أن كل إنسان يستطيع أن يفهم القرآن كاملاً، هذه جاءت من عند المعتزلة. لكن لو تسأل أي واحد منهم، اتفقنا، هذا القرآن أمامك وأمامي، فهمنا منه، أو افترض أننا فهمناه. فهمنا منه أشياء يمكن أن أؤديها فردياً، كيف سيكون العمل بالنسبة للأشياء الكثيرة جداً التي داخله ونراها خطاباً جماعياً، ولا يمكن أن يؤديها إلا أمة؟.
إذاً فكيف الموضوع هنا؟ لمن هذا الموضوع موكول؟ أليس معناه أنه لا بد من أمة، الأمة أليس معناها أن تبنى بناء، وأن تربى تربية؟ إذاً نقول: لا بد أن تكون هذه القضية، إما أن تؤدي إلى أنه فعلاً فهمنا القرآن، لكن فهمنا أن 70% منه يجلس على جنب، أليس هكذا؟ هذا يعتبر غلط، ألا يعتبر غلط؟ بالتأكيد، فهمنا أنه لا بد من أمة، وأن هذا القرآن في منطقه، في أسلوبه، كتاب عملي، وليس كتاباً يمكن تقرأه هكذا كما تقرأ كتاب مجموع فتاوى، أو مجموع قصص، أو أشياء من هذه، كتاب عملي.
نقول: إذاً هنا القرآن الكريم يخاطبنا، وأنا وأنت الأفراد الذين نقول أننا فهمنا القرآن يخاطبنا ضمن أمة، إذاً لا بد أن هناك طريقة لبناء الأمة، ولا بد أن يكون النسبة الكبيرة موكولة إلى من هو موكول إليه توجيه أمة، وتربية أمة؛ لبنائها بهذا الشكل على أساس القرآن.
القضية برزت بالنسبة لمن قالوا هذا الكلام بشكل واقعي، أصبح ملموساً، ورأيناهم فعلاً فشلوا، مثلاً كل واحد عنده أن بإمكانه أن يعرف القرآن، يفهم القرآن، إذاً أنت فهمت القرآن، وهذا فهم القرآن، وذلك فهم القرآن، لكن ماذا قدمتم بعد؟! الذين ادعوا أنهم فهموا القرآن، والإنسان يستطيع أن يفهم القرآن هو كاملاً! سلمنا أنت فهمته، لكن ماذا قدمتم بعد، تراهم صفوفاً مجتهدين، ممن يدعون أنهم يفهمون القرآن كاملاً، ماذا قدموا؟ هل قدموا القرآن؟ هل استطاعوا أن يقدموه؟ وهل استطاعوا أن يبنوا الأمة على أساس القرآن؟ هل استطاعوا أن يهدوا الناس على أساس القرآن؟ هل استطاعوا أن يبنوا أمة قائمة بالقسط؟ بل العكس الذي رأيناه فعلاً، قدموا مفاهيم مغلوطة، جعلت الناس يقعدون عن أن يكونوا قوامين بالقسط، ويتفرقون عن أن يكونوا أمة واحدة تدعوا إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أليس هذا الذي حصل؟.
إذاً فمسألة الهدى هي مبنية على أساس الغاية التي يريدها الله سبحانه وتعالى من وراء هذا القرآن بالنسبة للناس، وكما نقول أكثر من مرة: أنه يجب أن تفهم عندما نسمع الله يقول: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} أن تنظر إلى القرآن أنه كل توجيهاته، وكل أحكامه، وكل تعاليمه مبنية على بناء أمة، وخطاب لأمة، حتى في منطقه، في أسلوبه، أليس هو يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}(الصف: من الآية14) أليس يخاطب أمة؟ عندما يخاطب أمة على هذا النحو ليس معناه أن كل واحد سيأخذ نصيبه من الأمر مثلما حصل بعد، الذي حصل بعد يأتي واحد يقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}(الصف: من الآية14)، هو يعرف أنها خطاب جماعي، ويعتبر أن الجماعة تكون مكونة من أفراد هو واحد منهم، نظر لقسمه من كونوا ووجد بأنه ماذا؟ لا يستطيع أن يكون إذاً فما يلزم! هذا الذي حصل فعلاً؛ ولهذا تجد أنه كثير ممن قرءوا على أساس الثقافة هذه التي نشكو منها دائماً يعرفون أن هذه خطابات جماعية، لكن قد ترسخت لديه النظرة الفردية، وأصبح التكليف لديه يعني ماذا؟ تكليف فردي، الخطاب أن يأخذ ما يخصه من الموضوع، فإذا رأى نفسه بأنه لا يستطيع أن يقوم بنصيبه قال: [إذاً ما يلزم]! أليس هذا في الأخير أدى إلى تجميد القرآن الكريم؟.
أدى قراءة اللغة العربية نفسها، وهم قرءوا اللغة العربية، وفي اللغة العربية يعرف الإنسان الخطاب الجماعي، والخطاب الفردي، أليسوا يعتبرون أن واو الجماعة يعني خطاباً جماعياً {كُونُوا}{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} أما هذه فقد كلمة أمة تعني الجماعة بنفس الصيغة، ومع هذا كان للنظرة الفردية أثرها الكبير في أنه ينظر إلى الخطاب الجماعي، ويرى واحد نفسه واحداً من الجماعة، أخذ نصيبه، ورأى بأنه لا يستطيع، وتركها مكانها، والثاني مثله، وتركوا كل شيء مكانه.
الشيء الذي يجب أن يفهمه الإنسان أنه هكذا القضية: نحن كأفراد نفهم من القرآن أشياء كثيرة، ونفهم من القرآن أنه خطاب لنا جميعاً، وسنظل في إشكالية كيف نعمل حتى نكون بالشكل الذي نؤدي ما أوجب الله علينا في هذه الخطابات، وما وجهنا إليه، أليس هذا يعتبر سؤالاً؟ إذاً، فنعمة من الله؛ ولهذا قال: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} (الليل:12)،{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (القيامة:17) نعمة من الله أن يجعل وهي سنته من يبين لنا القرآن الباقي، إذاً فهل فات علينا شيء؟ هل يعتبر الإنسان أنه فات عليه شيء؟ إذاً نقول: بإمكاننا أن نفهم القرآن لكن بالطريقة هذه، ما نفهم على سبيل التذكر والتدبر، وما نفهم عن طريق قرناء القرآن، هنا سنعرف من القرآن الكثير، وسنعرف كيف نبتني على أساس القرآن، وسنعرف كيف نكون قوامين بالقسط على أساس القرآن، وسنعرف كيف نكون أمة تدعو إلى الخير ـ إلى آخر الآية ـ على أساس القرآن.
أليست هذه هي الفكرة الصحيحة؟ هذه هي الفكرة الصحيحة. فالذين يقولون بالنظرة الفردية لا فهموا هم كل القرآن على ما يقولون، ووجدوا أمامهم أشياء كثيرة، في الأخير يتخلص منها، ويعزلها على جنب، وفاتهم ما كان يمكن أن يفهموه، وأن يكونوا عليه؛ لأن من قيمة القرآن بالنسبة لك أن يصلح واقع لديك، تبتني نفسك على أساسه، يبتني مجتمعك على أساسه، وهذا هو الهدف، هدف رئيسي للقرآن، ليس مجرد فقط أشياء، معلومات داخل أوراق، أن يكون له أثر هناك في واقع الحياة، فاتهم هذا الشيء تماماً، فاعتبر أنه فاتهم أكثر الدين، وأن هذه طريقة تؤدي بالإنسان إلى أن يفوته معرفة أكثر الدين، وإلى أن يفوته معرفة كيف يقدم للأمة ما يبنيها، كيف يقدم للأمة ما يعتبر فعلاً مبرراً لها أمام الله سبحانه وتعالى، وينجيها من غضبه في الدنيا وفي الآخرة.
هنا قال: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأعراف:204)، ولأنها قضية هي تمشي في اتجاه واحد، وقلنا بهذا الكلام سابقاً، أن الله يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} (القمر: من الآية17)، ما هذه واحدة؟ إذاً عندما نسمع آيات من القرآن الكريم، وبإنصات، وتدبّر، وتأمل ستعرف من ظاهرها الكثير، الشيء الذي يقدم لك من غيرك سيكون أيضاً كثير لكن ماذا؟ وفي نفس المجال، لن ترى شيئاً يقدم لك خلاف ظاهر الآيات الذي يحصل لديك بتذكرك الطبيعي، وتدبرك من ظاهر الآيات، معنى هذا يزداد الإنسان معرفة؛ ولهذا كان القرآن الكريم ينزل بلغة العرب، ويفهمون ما يفهمون، وأيضاً يأتي الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول عنه: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} (البقرة: من الآية129) .
التعليم من جهة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مهما كان واسعاً دائماً يكون في نفس الاتجاه، لن تقدم أشياء متناقضة، لن يكون ظاهر القرآن متناقضاً مع ما يقدم من قرناء القرآن، مهما كانت القضية ذات عمق، فيعتبر ما يفهم الإنسان من ظاهر سماعه للتلاوة يعتبر ماذا؟ يعتبر أساساً يجعله يقبل ما يقدم له، ولن تكون القضية متباينة إلا إذا كان من يقدمون القرآن ليسوا من قرناء القرآن. عندما نقول: قرناء القرآن لا يعني فقط أن يكون أي واحد من أهل البيت؛ لأنه وإن كانوا من أهل البيت قد يكون الكثير منهم ليسوا قرناء قرآن، أن يكون هو بخصوصه، كل واحد يدعي أنه بخصوصه قرين قرآن، قرين قرآن،.. إلى آخره.
إن الله كما قال في القرآن نفسه: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} (فاطر: من الآية32) أنه هو يورث، يورث من داخل بني إسرائيل، يورث من داخل آل محمد، ويعتبر مهمة آل محمد كدائرة ـ مثلما قلنا لكم سابقاً ـ مهمة أخرى في موضوع وراثة الكتاب. بنوا إسرائيل مهمتهم كدائرة مهمة أخرى أيضاً بالنسبة لكتب الله، ونحن نقول: إنها عبارة عن دوائر، وتبين من خلال الآية السابقة التي قال الله فيها: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ} (آل عمران: من الآية33) أليست هذه دائرة واسعة؟ {وَآلَ عِمْرَانَ} (آل عمران: من الآية33) أليس آل عمران داخل؟ آل عمران: مريم وأمها وأبوها، تصطفى تلك الدائرة؛ ليأتي من داخلها علَم للأمة، وفي المقدمة بنوا إسرائيل، أليس هذا واضحاً في الموضوع؟.
لهذا يأتي الإنسان يسمع أحياناً أشياء ستراها متنافية مع ظاهر القرآن، متى ما جاء آخرون يقدمون، بعضهم يقدمونه بتحريف متعمد من أجل مثلاً تأقلم مع أهداف سلطة معينة، وبعضهم بسبب ماذا؟ بسبب انحراف ثقافي قائم لديه، يجعله ينظر نظرة معكوسة فيقدم الأشياء بشكل تبدو في الأخير متباينة مع ظاهر القرآن.
فلِتَكون القضية مضمونة بالنسبة للناس أنه بالنسبة للناس لا بد أن يقرؤوا القرآن، وأن يتلوا القرآن، وأن يتعودوا على تلاوة القرآن باستمرار، هذه قضية تعتبر أساسية في ماذا؟ في أنهم يفهمون أشياء كثيرة، وأساسية؛ ليعرفوا من هو الذي يمكن يقدم القرآن بشكل صحيح؛ لأنك عندما تكون هكذا ليس عندك فهم أنت، هذا الفهم الأول، تسمع واحد هناك يتكلم حول آية قد فعلاً يكون يقدمها بطريقة غلط، وتقبل، لو أنك إنسان كنت مثلاً متعود على تلاوة القرآن، وتفهُّمه، وتدبُّره، لعرفت أن هذا ربما معاكس لظاهر آيات سمعتها أنت، وتلوتها أنت.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
[الدرس الثامن والعشرين من دروس رمضان [1 ــ 5] ]
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.