حينما نعود إلى مسيرة البشر على مدى التاريخ، ونتأمل مجرياتها، وأحداثها، ومفاصلها الكبرى، نجد أن الأحوال في المجتمع البشري تكررت بتكرر أسبابها، ففي كثيرٍ من المراحل عاش المجتمع البشري المعاناة الكبيرة، والمآسي الرهيبة، من الظلم، والفساد، والضلال، ونتج عن ذلك: أن تحول واقع الحياة إلى شقاء، وتأثيرٍ سيءٍ على الإنسان في نفسه أولاً، إلى درجة أن يخسر قيمته الإنسانية، وما وهبه الله من القدرات والمواهب والفطرة، التي تسمو به كإنسانٍ كرمه الله تعالى، وفضله على كثيرٍ من مخلوقاته، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء: الآية70]، وكذلك من تأثيرٍ سيءٍ على ظروف حياته ثانياً.
فغياب الرشد في التفكير، وغياب النوايا والدوافع الحسنة، وغياب الأعمال الصالحة، وفي المقابل ما يأتي من بدائل لها، من أفكارٍ ظلامية، وممارساتٍ وأعمالٍ سيئة، ونوايا ودوافع فاسدة، ثمرتها في واقع الحياة المعاناة الكبيرة، والمظالم الرهيبة، والجرائم الشنيعة، والمفاسد الفظيعة، وكلها تطال حياة الناس بشكلٍ مباشر، وتسبب لهم الشقاء، والعناء الكبير، والتدهور في مختلف مجالات حياتهم، والسبب الحقيقي هو: الانحراف في مسيرة البشر عن هدى الله "سبحانه وتعالى"، وعن تعاليمه، التي هي من منطلق رحمته، وحكمته، وعلمه، ولا يمكن للإنسان الاستغناء عنها، ولا أن يقدم البدائل الأفضل منها، بل إن من لازم التفريط بها أن يشقى، وأن تتدهور حياته، كما بيَّن الله "سبحانه وتعالى" ذلك فيما ذكره عن أول حالة تفريطٍ في قصة أبينا آدم "عليه السلام": {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}[طه: 123-126].
فالله "سبحانه وتعالى" كرَّم الإنسان، واستخلفه في الأرض، وسخَّر له ما في السماوات وما في الأرض، وأسبغ عليه نعمه ظاهرةً وباطنة، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}[لقمان: من الآية20]، وقال تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم: الآية34]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[الأعراف: الآية10].
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
القاها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف 1444هـ