الذين اتخذوا أيضاً خيار الاستسلام هم- أيضاً- اتخذوا الخيار الخاطئ في تنصلهم عن المسؤولية التي أمر الله بها، وحمَّل الله الجميع إياها، اتجاههم ذلك، وخيارهم ذلك، وقرارهم ذلك هو يمثل من جانب خدمة للعدو؛ لأن العدو يريد من الناس: إما أن يقفوا في صفه، أو أن يستسلموا له، العدو يريد من الناس هذا: إما أن يقفوا في صفه جنوداً له، عبيداً له في خدمته، أو مستسلمين له، الذين اتخذوا خيار الاستسلام اتخذوا خياراً خاطئاً، منحرفاً، وأعوج، لا يتطابق- بأي حالٍ من الأحوال- مع التعليمات الإلهية، ولا مع المبادئ الإلهية، ولا مع الأخلاق الإسلامية أبداً، الله يقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: من الآية8]، البعض من هؤلاء يسمون أنفسهم بالحياديين أو المحايدين، ليسوا محايدين، التوصيف الصحيح الذي يعبر عن حقيقة موقفهم هو أنهم مستسلمون، ويصفون بالمستسلمين للعدو؛ لأنهم اتخذوا قراراً أن لا يقفوا ضد هذا العدوان، وأن لا يتصدوا لهذا العدو الغازي والمعتدي والمجرم والآثم، يعني: مستسلمين، ومتنصلين عن المسؤولية، القرآن الكريم لم يقبل بهذا أبداً، لم يقبل بهذا أبداً، ولهذا عندما يقول الله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، لابد من الموقف، لابد من تحمل المسؤولية، لابد من التضحية، لابد من الصبر: الصبر في إطار العمل، في إطار النهوض بالمسؤولية، في إطار التحمل للمسؤولية. والذين يسمون أنفسهم بالمحايدين، واتجهوا اتجاه الاستسلام، والذلة، والخنوع، والتنصل عن المسؤولية، أيضاً موقفهم يكشف حقيقة ما هم عليه، إنهم يعصون الله، إنهم يتنكرون لتلك التوجيهات الله التي ملأت صفحات القرآن الكريم، إنهم لم يصغوا لقوله تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} [التوبة: من الآية41]، إنهم لم يلتفتوا إلى سور في القرآن الكريم بأكملها تربينا كأمةٍ مسلمة على النهوض بالمسؤولية، على التحمل للمسؤولية، على التحرك الجاد في مواجهة التحديات والأخطار، تنكروا لكل ذلك، وبرروا لأنفسهم، وهذه النوعية موجودة في المجتمع المسلم عبر التاريخ بكله، وحتى في زمن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- في الساحة الإسلامية- آنذاك- كانت توجد أمثال هذه النوعية، وكان القرآن الكريم يهاجمها بأشد العبارات، ويكشف سوء موقفها، وخطأ خيارها، وغبائها في توجهها، لدرجة أن القرآن يصفهم بالمطبوع على قلوبهم، يعني: ناس وصلوا إلى مستوى عجيب من التبلد وعدم الإحساس، لم يعودوا في الوضع الطبيعي للإنسان كإنسان يحس بالواقع من حوله، يتفاعل مع ما يجري من حوله، مظالم كبيرة، مآسٍ كبيرة تحرك مشاعره الإنسانية، ومخاطر كبيرة وتحديات كبيرة تدفعه إلى أن يتحرك حتى بالدافع الفطري، {قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ} [آل عمران: من الآية167]، (أَوِ ادْفَعُواْ) هناك خطر حقيقي عليكم، على بلدكم، على شعبكم، إما بالدافع الإيماني واستشعار المسؤولية أمام الله، وإما بالدافع الوطني، الذين اتخذوا خيار الاستسلام هم اتخذوا خياراً خاطئاً، الله توعد عليه في القرآن الكريم بجهنم وبالعذاب: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التوبة: الآية39]، {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: الآية81]، فالله يخبر -جلَّ شأنه- أن عقابه لمن يتخذون هذا القرار وهذا الخيار، الذي هو لصالح العدو بلا شك، ليس حياداً، إنه قرارٌ لصالح العدو؛ لأن مما يريده العدو هو هذا: إما أن تكون في صفه، وإما أن تستسلم له، عندما تتخذ خيار الاستسلام أنت وافقت للعدو، وأعطيته شيئاً أراده، ويريده منك، ويطلبه منك، ويسعى له منك، هذا بعيد عن التربية الإيمانية التي تربي على العزة والكرامة، والتي تربي على نحوٍ عظيم، تربي على استشعار المسؤولية، وليس على التنصل عن المسؤولية والتهرب منها. |لا|، أنت تنتمي لهذا الإسلام، أنظر ما في قرآنه، واقتد برسوله، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } [الأحزاب: الآية21]، تأمل ما ذكره القرآن الكريم عن رسول الله في سورة التوبة، وفي سورة الإنفال، وفي سورة النساء، وفي سورة آل عمران… وفي كثيرٍ من السور القرآنية، اقرأ سورة محمد لتعرف روحية محمد، نفسية محمد، خيارات محمد، قرارات محمد، مواقف محمد رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- هذا هو السبيل الصحيح.
وطبعاً هناك نشاط استقطابي واسع، وهناك تحرك كبير في الساحة في كل الخيارات وفي كل المسارات، قوى العدوان منذ بداية هذا العدوان وهي تسعى للتأثير على ضعاف النفوس وضعاف الإيمان لاستقطابهم نحو الخيانة، ونحو العمالة، ونحو التنكر لشعبهم ولإيمانهم ولقيمهم ولأخلاقهم، وحتى لقيم القبيلة اليمنية الفطرية التي تتشرف بها عبر التاريخ.
للأسف الشديد أصحاب خيار الاستسلام باتوا يروِّجون لهذا الخيار، وباتوا دعاةً لهذا الخيار السلبي والسيء، لم يكفهم أن تقلدوا هذا العار: عار التنصل عن المسؤولية، {رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [التوبة: من الآية87]، لم يكفهم هذا العار، ولم يكتفوا بهذه الخطوة السيئة التي فيها تخاذل، والتي لا تنسجم لا مع القيم، ولا مع مكارم الأخلاق، ولا مع المبادئ الإسلامية، ولا مع التوجيهات الإلهية، والبعض منهم يثبط ويخذل تحت عناوين من هنا أو هناك وأساليب متعددة.
ويقف الشرفاء، والأخيار، والصالحون، والصادقون، والأوفياء، والناس الحقيقيون الذين لا يزالون يحتفظون بفطرتهم الإنسانية في الحد الأدنى، يقفون في الخيار المشرف: التصدي لهذا العدوان، الثبات، الصمود، الصلابة في الموقف، الاستعداد العالي للتضحية، الإباء لأن يتمكن العدو، أو أن نمكِّنه من السيطرة علينا والاستعباد لنا.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد 1440هـ