القرآن الكريم كتاب مترابط ببعضه البعض لا يقبل التجزئة, ولم يُقدّم بطريقة مجزأة, أو مبوّبة على طريقة التبويب المعروف في كتب الفقه والحديث وغيرها, بل تُقدّم المواضيع فيه بشكل مترابط, ومتعدّد, ومتنوّع, وكلّ قضية لها علاقة بالأخرى, ونحن بحاجة إلى أن نستوعب هذه المواضيع, وتترسّخ في أذهاننا, لأنّه لا يكفي أن نعرف موضوعاً واحداً فقط, بل نحتاج إلى المعرفة بكلّ هذه المواضيع على هذا النحو الذي يقدّمه القرآن الكريم, يقول السيد: (القرآن الكريم مواضيعه مترابطة, وأنت تحتاج إلى أن تكون هذه المواضيع بمجملها في ذهنيتك, لا يكفي موضوع واحد منها أن تعرفه, تحتاج إلى معرفة هذه المواضيع على هذا النحو الذي قدم في القرآن الكريم) سورة الأنعام الدرس الرابع والعشرون.
لهذا لا يصحّ أن نتعامل مع القرآن الكريم بطريقة مجزأةٍ, ومقسّمة, ومبوّبة كما هي عليه الكتب, والمؤلّفات الأخرى, فالقرآن الكريم تجده يتناول مواضيع متعدّدة, ومتنوعة في الصّفحة الواحدة, والسّورة الواحدة, لكنّها كلّها تصبّ في قالبٍ واحد, وموضوعٍ واحد, هو النّفس والحياة يقول السيد: (إذاً لا نرى بأنه من المناسب أن نتناول كل سورة ونقول هذه السورة هي تتناول موضوع كذا وكذا, ثم نأتي إلى سورة أخرى ونقول هذه تتناول موضوع كذا وكذا, لأنك تجد داخل هذه السور مواضيع متعددة, وتجدها في الأخير هي تصب في موضوع واحد, والقرآن كله يصب في موضوع واحد هو النفس, هو هذه الحياه) سورة الأنعام الدرس الرابع والعشرون.
ويؤكّد السّيد أنّ القرآن الكريم جديرٌ بأن يعتمد الناس عليه, ويهتدوا به لأنّه يقدّم القضايا والمواضيع بشكل واضح, ومتكامل, ويعتبر عطاؤه العطاء المتجدّد, والمستمر في حركة النّاس في الحياة, ويقدّم المواضيع بشكل مترابط, فنجد الموضوع داخل السّورة مرتبطاً ببقية المواضيع داخل السّورة نفسها, ومواضيع السّورة مرتبطة ببقية المواضيع في السّور الأخرى, فيُقدّم المواضيع, والقضايا برؤية مترابطة مع بعضها البعض, وتأتي المواضيع المتنوّعة والمتعدّدة داخل القرآن الكريم الفقهيّة, والتشريعيّة, والإيمانيّة, والعباديّة, والأخلاقيّة وإلى آخره, تأتي داخل المواضيع الكبرى كالجهاد في سبيل الله, والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر, والصّلاة, والزّكاة, والحجّ, والإنفاق وإلى آخره, كلّها تأتي ممتزجه مع بعض, ويؤكّد السّيد أنّ النّظرة الجزئية, أو المُجزأة للقرآن الكريم هي نظرة أصوليّة سيئة, وسلبية تتنافى مع شموليّة القرآن الكريم, ومناهجه, يقول السيد: (إذاً رأينا كيف أن الناس عندما يعتمدون على القرآن أليس بالشكل الذي يعتبر جديراً بأن يعتمد الناس عليه، ويهتدوا به؟ يقدم الأشياء بشكل واضح، وبشكل متكامل، كم ذكر عن بني إسرائيل! شخصهم بشكل كامل، إضافة إلى ما سيأتي في بقية السور، أحياناً يتناول في أي سورة من السور الكبيرة، يتناول ولو بجزء من المواضيع الأخرى الكبيرة خارج الموضوع الخاص الذي تعطيه السورة أولوية؛ ليبقى الموضوع في ذهنيتك مرتبطاً، تبقى الأمور مرتبطة، مثلما نقول الآن، الآن قرأنا سور تناولت في مواضيعها الرئيسية، ولا نستطيع أن نقول - وهو فعلاً - أن نقول: أننا استوعبنا كلما يمكن أن تعطيه هذه السور أبداً، هذه السور لا يمكن أن نقول: أننا استوعبنا كلما يمكن أن تعطيه، لو نرجع إليها مرة ثانية، ونرجع مرة ثالثة، وشهر بعد شهر، وفي حركة الناس في الحياة، تجدها نهراً - كما قال الإمام علي - نهراً يتدفق، لا ينضب على الإطلاق, فعندما ندخل في هذه السورة، موضوع هذه السورة هو موضوع مرتبط بالمواضيع السابقة، والمواضيع السابقة مرتبطة ببقية المواضيع في السور الأخرى، وهكذا، ليس هناك تجزئة في القرآن، حتى لاحظ كيف يقدم الأحكام التشريعية التي هي محط اهتمام الناس، الأحكام التشريعية تلك، الفقهية، فهو يقدمها في داخل المواضيع الكبرى، ويشبكها بشكل ممتزج مع كل المواضيع، هكذا تجد، وكما نقول دائما: نحن نريد من خلال أن نعرف هدى الله سبحانه وتعالى الذي يأتي في نفس الوقت يهدي بتبيين، ويهدي في إعطاء منهج، منهج لحركة الناس في سبيل أن يكونوا قوامين بالقسط، في سبيل أن يكونوا مصلحين في أرضه، في سبيل أن يكونوا مصلحين لعباده، هذه النظرة الشاملة، تقدم القضية برؤية مترابطة مع بعضها بعض، تعني فعلاً بأن ما حصل في ثقافتنا من رؤية تجزيئية، ومنبعها: أصول الفقه، الرؤية التجزيئية، النظرة إلى كل قضية بخصوصها، وإلى كل قضية لوحدها، ويرى هذه القضية لوحدها، وتلك لوحدها، وتلك لوحدها في معظم ما قدم، أن هذه تعتبر نظرة سيئة وسلبية بشكل كبير، النظرة التجزيئية هي النظرة التي قدمها منطق أصول الفقه، بينما تجد القرآن الكريم كيف منطقه؟ كيف أسلوبه؟ أليس هو يعطيك الرؤية الشاملة، ويقدم القضايا أمامك مترابطة، أنت عندما ترى عنواناً كبيراً مثلاً جهاد في سبيل الله، أليس هذا عنواناً كبيراً؟ لاحظ كيف يرفقه بعناوين كثيرة، ومواضيع أخرى كثيرة جداً جداً، تجعل هذه القضية عندك في الأخير قضية تشتاق إليها، وليس أنك تبحث كيف تتخلص منها) سورة الأنعام الدرس الرابع والعشرون.
ويؤكّد السّيد أنّ اتجاه القرآن الكريم واحد, ويتناول مختلف المواضيع في نفس الإتجاه الواحد بشكل مترابط ينسجم مع فطرة الإنسان في العلم, والمعرفة, لأنّ الإنسان يحتاج للمعرفة الشّاملة بمختلف القضايا, ويؤكّد السّيد أنّ هذا الترابط, والتشابك الموضوعي, والمنهجي داخل كلّ سور, وآيات القرآن الكريم من حكمة الله سبحانه وتعالى بحيث لا تستطيع أيّ جهة أن تتحكّم فيه, أو تفصل النّاس عن بعض أجزائه, ومواضيعه يقول السيد: (القرآن كله إتجاهه واحد, وتتناول صوره مختلف المواضيع, لم يأتي على طريقة التبويب لكل موضوع باب خاص, لأن المواضيع مترابطة, والقضايا مترابطة, والإنسان بحاجة إلى معرفة شاملة لمختلف القضايا, وقد يكون من حكمة الله سبحانه وتعالى أن يكون القرآن على هذا النحو، ولما يعلم بأن كل إنسان من عباده بحاجة إلى أن تقدم له هذه المعارف جملة، وليكون بالشكل الذي لا يمكن لأي جهة أن تتحكم فيه، أو تفصل الناس عن أبواب معينة أو أجزاء معينة منه، أو فصول معينة منه، لو كان مفصلاً، يعني - مثلاً - لو أن القرآن جاء: [باب التوحيد] بعده [باب الصلاة] [باب الطهارة] باب بعد باب بعد باب إلى أن يصل [باب الجهاد] لربما كان هذا الباب مما تمنع قراءة سوره، أو مما لا يسمح بطباعته، فيأتي هذا القرآن العظيم هكذا مدمج) سورة المائدة الدرس الحادي والعشرون.
ويُقدّم السّيد نموذجاً لهذا الترابط الموضوعيّ داخل سُور القرآن الكريم، لأنّه كتاب حكيم بكلّ ما تعنيه الكلمة، ولا يستطيع أحدٌ اختراقه على الإطلاق فيقول: (وأنت تقرأ سورة البقرة ترى فيها بني إسرائيل، وجهاد، وصلاه، وإنفاق, وصيام, ونكاح, وطلاق, وأشياء من هذه .... إلي آخره, تدخل سورة آل عمران نفس الشيء تدخل سورة النساء, المائدة, وهكذا القرآن حكيم بكل ما تعنيه الكلمة ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ﴾[فصلت: من الآية42] ليس معهم مدخل عليه على الإطلاق) سورة المائدة الدرس الحادي والعشرون.
ويضيف السّيد أنّ القرآن الكريم يُقدّم المواضيع بشكلٍ متكاملٍ, ومُتنوّع, ومُتكرّر حتّى يجعل لدى الإنسان معرفة, وإحاطة شاملة بمختلف القضايا, وهذا الأسلوب له تأثير نفسيّ, ومعنويّ, ووجدانيّ, وتربويّ على الإنسان فتبقى مشاعره, وذهنيّته متشبّعة, ومزدحمة بكلّ هذه المواضيع, ويحصل على المعرفة الشّاملة, والكاملة بالدّين, فيندفع للعمل والتّحرّك فيها بشكلٍ متكاملٍ على أساس الأولويّات الّتي يقدّمها القرآن الكريم, ويترك أثرها في النّفوس يقول السيد: ([سورة المائدة] قد سمعنا منها آيات، وتجد فيها حديثاً في نفس الوقت عن بني إسرائيل، إضافة إلى أحكام أخرى فيما يتعلق بمأكولات، ومشروبات، ونكاح، وأشياء من هذه، لماذا يأتي هذا الموضوع متكرراً؟؛ لأن الإنسان يحتاج إلى أن يكون ذهنه مستحضراً للأشياء هذه كلها؛ لأنها مترابطة، فلا يكون ذهنك متجهاً إلى ما يسمى: [فقه] وأنت ناسي قضايا الأعداء، هذا الذي حصل بالنسبة لنا كمسلمين فعلاً، عندما فصلت الأشياء وقدمت فنون، الفقه اعتبر هناك كتب مستقلة لوحده، وكتب أصبحت طويلة عريضة، مجلدات بمئات المجلدات، وإذا قد الإنسان منشغل فيها، وذهنه يسيطر عليه أقوال أصحابها، والترجيحات داخلها، ونسي القضايا الأخرى، هنا يذكر لك قضية فقهية على ما نفهم في الزمن هذا، أو حسب مصطلحاتنا، وهو في نفس الوقت يأتي لك بحديث يذكر لك أعداء، منافقين، يهود، نصارى، مشركين، أو بعنوان آخر أهل الكتاب مثلاً، من كل الفئات؛ ليبقى الإنسان هكذا ذهنه، ذهنه يستوعب، وذهنه واسع، ومداركه واسعة، لا يجلس ذهنه فقط مشغولاً بموضوع معين, هذه قضية لمست فعلاً، منهم من يتحول إلى نحوي بحت وغارق في النحو ووجوه النحو وأشياء من هذه، ومنهم من يتحول إلى فقيه مستغرق ذهنه ومسيطر على مشاعره وكل تفكيره قضايا أحكام شرعية فقهية، وناسين قضايا أخرى هامة جداً، هي أساس في أن يكون لهذه اللغة التي أنت تسهر على أن تعرف أحكام مفرداتها، سواء باعتبار الصيغة، أو باعتبار النطق، أو هذا الفقه الذي أنت تسهر لمعرفة أحكامه، قد تصبح في الأخير تموت بين يديك، إذا كنت تجهل القضايا الأخرى، قضايا إقامة الدين؛ لأن الفقه معناه: أن يفقه الناس هذا الدين، هذا هو الفقه، كتاب الفقه هو القرآن، كتاب الفقه بكل ما تعنيه الكلمة، وبمعناها العربي القرآني يعني: فهم الدين بشكل عام، بدءاً من معرفة الله سبحانه وتعالى، لا يعتقد واحد بأنه هنا يحصل تكرير لمجرد التكرير، التكرير له أهمية كبيرة في تأثيره في النفس، وأهمية من الناحية التربوية، أن تجلس أنت تستعرض، مشاعرك مليئة بهذه المعلومات التي تراها مترابطة، واهتمامك بها يكون اهتماماً بها جميعاً، وليس ببعضها دون بعض، يكون اهتمامك بها أيضاً على أساس أولويات، على حسب ما تتركه تربية القرآن من أثر في نفسية الإنسان في النظر إلى القضايا، هذه هامة، وهذه أهم، هذه هامة اليوم وغداً هي أهم، وهكذا) سورة المائدة الدرس الواحد والعشرون.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.