التوبة هي بداية رجوع، هي الخطوة الأولى على طريق العمل الذي يتمثل في إتباع أحسن ما أنزل الله إلى عباده. ولأن هذا هو الذي يوفر لك أمناً من الوقوع في المعاصي من جديد على النحو الأول، وأنت منطلق لاتباع القرآن الكريم، إلى العمل بالقرآن الكريم بهدايته، بإرشاداته، سيبعدك هذا كثيراً جداً عن معاصي الله سواء ما كان منها ذنوب تقترف أو ما كان منها بشكل تقصير وتفريط.
ألسنا عندما نرجع إلى آيات الله نكتشف تقصيراً كبيـراً لدينـا؟ نكتشـف تقصيـراً كبيراً لدينا، حتى أولئك الذين يظنون بأنهم أصبحوا من أولياء الله كم يكتشف من تقصير كبير لديهم، في ميدان العمل في سبيل الله، في ميدان الجهاد في سبيل الله، في ميدان العمل لإعلاء كلمة الله وإصلاح عباده. ألسنا مقصرين في هذا؟ وهذا تقصير رهيب جداً، تقصير كبير جداً، لا تقبل معه - ربما - أي شيء من الطاعات الأخرى، لا تقبل معه أي طاعة من الطاعات الأخرى.
الإسلام دين مترابط، دين متكامـل لا يقبـل منك هذا وأنـت تـارك لهذا ورافض له، يجب أن تتحرك في كل المجـالات، أن تتحرك بكل إمكانياتك في كل المجالات، لأن الله أنزل إلينا ديناً كاملاً فلماذا يكون تطبيقنا له منقوصاً؟ لو كان يمكن أن يقبل منا المنقوص لأنزل إلينـا جـزءاً مـن الديـن {الْيَـوْمَ أَكْمَلْـتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيـتُ لَكُـمُ الْإِسْـلامَ دِينـاً} (المائدة: من الآية 3) فلماذا هـذا الدين الكامل ننطلق في مجال تطبيقه تطبيقاً منقوصاً؟ وهو ربط رضاه بهذا الدين الكامل، ووعده بالجزاء الحسن في الدنيا وفي الآخرة مرتبط بهذا الدين الكامل.
{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} كأن هذا مما يوحي أيضاً بأن التوبة نفسها لا يكون لها أثر إذا لم تنطلق أنت في اتباع مـا أنـزل الله إليك. وهنا يقول: {مَـا أُنْزِلَ} ولم يقل بعض ما أنزل. هل قال بعض ما أنزل؟ ما الذي أنزل؟ تصفح آيات القرآن الكريم ستجد ماذا أنزل.
في الوقت الذي أنزلت فيه الصلاة والزكاة التي نحن نعملها، ألسنا نعملها؟ أنزل فيه الجهاد، أنزل فيه وحدة الكلمة، أنزل فيه الاعتصام بحبله جميعاً، أنزل فيه النهي عن التفرق، أنزل فيه الأمر بالإنفاق في سبيل الله، أنزل فيه الأمر بالنصيحة والتواصي بالحق، أنزل فيه أشياء كثيرة أخرى هي أكثر مما نعمل.
أعتقد أن ما نضيعه من الإسلام ونتركه هو أكثر بكثير مما نطبقه - حقيقة - تعال واعمل قائمة [جدولاً] بما تحدث عنه القرآن الكريم ودعا عباد الله إليه ثم انظر كم هي التي نطبقها؟ واحدة، اثنتان، ثلاث، أربع، خمس، ست، سبع، من عشرات أو من مئات الأحكام والإرشادات والتوجيهات التي هي تمثل الدين الكامل لله سبحانه وتعالى.
وعندنا يقال في أصولنا: بأن التوبة يجب أن تكون توبة من كل الذنوب {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة: من الآية 27) أن تتوب من ذنب واحد وأنت مصر على ذنوب أخرى، ويجب أن نفهم كلما قلنا: [ذنوب] أن الذنـوب ليسـت فقط تلك التي يتبادر إلى أذهاننا اقتراف معاصي معينة، التقصير من الذنوب الكبيرة، القعود عن العمل في سبيل الله، عن الإنفـاق في سبيله، عن الجهـاد في سبيله، عن الاعتصام بحبله، التقصيـر فيهـا مـن الذنـوب الكبيـرة. {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِـنْ بَعْـدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران: 105). يقال في أصولنا: أن الكبائر: ما توعد الله عليها فهي كبيرة. ألم يتوعد بعذاب عظيم على التفرق والاختلاف؟ فكبيرة، معصية كبيرة.
فعندنا يقولون: بأن التوبة يجب أن تكون من كل المعاصي فتوبة جزئية من المعصية وأنت مصر على معاصي أخرى، أو أنت في وضعية عصيان باعتبارك مقصراً أيضاً تقصيراً لا مبرر لك فيه، فتوبتك لا تقبل حتى من الأشياء التي نحن متفقون في عرفنا على أنها معاصي.
الناس الآن أصبح لديهم عرف: أن تلك الأشياء التـي وجه الله عباده إليها وألزمهم بها لم يعد التخلي عنها معاصي. ألسنا نصف بعضنا بعضاً بأننا مؤمنون، ونقول: [فلان من أولياء الله وفلان رجـال باهر وفلان كذا] ونحن نعلم جميعاً أننا مقصرون في أعمال كبيرة جداً هي أساس الإسلام بكله.
لا يصح أن ندعو بعضنا بعضاً باسم الإيمان ونحن في هذه الحالة، لا لكبير ولا لصغير لا لعالم ولا لجاهل، لا يصح. كيف أسميك مؤمنـاً وأنـت تسمينـي مؤمنـاً، أسميك ولياً من أولياء الله وأنت تسميني ولياً من أولياء الله ونحن جميعاً نعرف أننا مقصرون في العمل في سبيل الله. ألسنا قد تعارفنا على نبذ الكتاب، وقد اتفقنا على أن هذه لم تعد ذنباً ولا معصية؟
الناس هكذا وصل بهم الأمر كلنا اتفقنا على هذا وقد اتفقنا على أن الأشياء الباقية هي ما نسمي بعضنا بعضا فيما إذا كان يؤديها باسم [إيمان] فنقول: [سيدي فلان من أولياء الله. الحاج فلان من أولياء الله] ولا تجد سيدي فلان ولا الحاج فلان يعملون في سبيل الله! فلسنا من أوليائه، ولسنا مؤمنين فعلاً. {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} ألم يقل هكذا في أكثر من آية؟ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: 15).
هنا يصح وسنكون صادقين إذا قلت لك: أنت مؤمن. وتقول لي: أنا مؤمن، لكن نحن كاذبون إذا كنا لا نعمل في سبيل الله، ولا نجدّ في العمل في سبيل الله فتقول لي مؤمناً وأقول لك مؤمناً، هنا قال: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} وحدهم، هم هؤلاء الصادقون في إيمانهم، فأنا وأنت كاذبون، أليس كذلك؟
بعد أن دعا عباده إلى العودة إليه، العودة هي هذه: أن تنيبوا أن تسلموا أن تتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، ويكـرر أن الذنـوب سـواء مـا كانـت بشكـل معاصي، المعاصي التي نحن معترفون بها ومتفقون عليها، أو من المعاصي التي قد تعارفنا على أنها ليست معاصي، يجب أن نتخلص منها وأن نعود إلى الله وإلا فهناك العذاب الـذي كرره في الآية مرتين: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} (الزمر: من الآية 54) {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} (الزمر: من الآية 55).
لاحظ هنا في قول الله: {وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} (الزمر: 55) الحـالة التي نحن فيها. ألسنا متفقين مع أنفسنا ومع بعضنا بعض أننا مؤمنون؟ قد يأتينا العذاب يوم القيامة بغتة ونحن لا نشعر [هه كان احنا مؤمنين كنا نقول: مؤمنين وكل شي سابر ما بالنا !!]
لأنـه فـي اتباع القرآن يحصل هكذا من جانبنا، وهذا مـا نحـن عليه كباراً وصغاراً. أليس كذلك؟ أن جزءاً كبيراً جزءاً كبيراً من القرآن الكريم لا نعمل به إذاً فنحن نسير سيرة ونحن مغمضون على أعيننا، فقد لا تفتح عينيك إلا وجهنم أمامك، من حيث لا تشعر.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
معرفة الله – وعده ووعيده – الدرس العاشر
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 30/01/2002م
اليمن – صعدة