يقدّم موضوع إعجاز القرآن الكريم في كتب الأصول, والتفسير, وعلوم القرآن على أنّه مرتبط بالجانب البلاغي, فيعتبرونه معجزاً من النّاحية الفنيّة والشّكليّة, فيقولون بأنّه معجز من ناحية البلاغة والفصاحة, وهذه رؤية ضيّقة وقاصرة جدّاً لا يتوقف عليها موضوع اعجاز القرآن الكريم فقط, بل يتجاوزها إلى ما هو أهمّ, وأشمل, وأعظم في كونه حكيم, كتاب أحكمت آياته, وفي منهجه, وطريقته, ونظامه الرّاقي في الحياة, وهنا يقدّم السّيد رؤية جميلة جدّاً حول موضوع إعجاز القرآن الكريم, يبيّن فيها أنّ اعجاز القرآن الكريم واسع وشامل يتجاوز مسألة البلاغة والفصاحة إلى جوانب وقضايا عميقة ترتبط بالقرآن الكريم, فالجانب البلاغي مرتبط بالمعنى, وليس بشكل المفردة, ولا بطول النّص وقصره, وعلى هذا يكون اعجاز القرآن الكريم مرتبط بعمق معانيه وسعتها, إضافة إلى الجوانب الأخرى التربويّة, والثقافيّة, والسّياسيّة, والإقتصاديّة, والإداريّة, والتنظيميّة, وغيرها من القضايا المرتبطة بالرؤية, والمنهجيّة, والنّظام, ممّا جعل القرآن الكريم معجزا في كلّ عصر, وكلّ زمان, وأمام كلّ الوضعيّات, وقد ظهر عجز كلّ الخبراء, والمنظرين, والمختصين عن الإتيان بمثله في كلّ الأزمنة والعصور, وحول هذا الموضوع يتحدّث السيّد فيقول: (وموضوع أن القرآن معجز ليس الموضوع مرتبطاً بالنص اللغوي فقط, عندما يفهم واحد بأن معنى:﴿لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ في جانب الفصاحة مثلاً, الفصاحة! الموضوع أوسع من هذا بكثير, جانب بلاغته, وفي كونه بليغ.. الجانب البلاغي مرتبط بالمعنى.. أليست البلاغة مرتبطة بالمعنى؟ ليست مرتبطة بشكلية المفردة, أو بطول النص, أو بقصره, فالكلام يعتبر بليغاً في كونه يؤدي المعنى بشكل كامل, وبشكل جميل, وفي قالب جميل, ويعبر عن المعنى من جميع جوانبه, هذا يعتبر بليغاً عند العرب.
موضوع أن القرآن مثلاً معجز ليس فقط مرتبطًا بالنص من ناحية الفصاحة والبلاغة, بل في جوانب أخرى, هناك ناس آخرين ليسوا عرباً نهائياً, وترى عندهم خبرات أخرى, مثلاً عندهم خبرات اقتصادية, قانونية, تربوية, أشياء كثيرة من هذه, تنظير فيما يتعلق بوضع أنظمة, سيعرف أي إنسان لديه اهتمام في مجال من المجالات أن القرآن فوقه, وعندما يأتي واحد يضع مثلاً نظرية معينة يجد سلبيات فيها, يجد القرآن فوق هذا, يجد القرآن هو يقدم الطريقة على أحسن ما يمكن.
عندما يقولون: أنه قد كفى أنه أعجز أولئك, وهم سيقولون لنا بأنهم قد عجزوا, والآخرين سيعلمون بأنهم قد عجزوا.. هو معجز في أي زمان, الإنس والجن في أي زمان.
نجد مثلاً موضوع فصاحة وبلاغة, من الناحية الفنية, الجانب الفني فيه, فبالتأكيد لا نحن ولا المعاصرين من أمم أخرى يمتلكون القدرة الفنية في التعبير, أو في إدراك الجانب البلاغي, يكون عندهم قدرة على ماذا؟ قدرة في مجال البلاغة, أليس هذا معلوماً؟.
لا يوجد لدينا نحن قدرة العرب الأوائل في جانب البلاغة؛ ولكن الموضوع أوسع من هذا, قدمت القضية للناس لما فهموا أن الموضوع فقط مرتبط بالجانب الفني فيه, جانب البلاغة: أنه عجز أولئك الأولون, وعجزهم قد هو يكفينا, والأخبار بأنهم عجزوا قد هو يكفينا, ويكفي!. لكنه ما زال معجزاً للبشر جميعاً, الإنس والجن, لا يوجد حتى مسألة الفصحاء أو البلغاء, الإنس والجن.
وبلاغة القرآن الكريم, عندما تأتي تقرأ قصيدة شعرية, ألست ستراها جميلة؟ أليس هناك قصائد شعرية جميلة, لكن فيما تتناوله, في عمق الأشياء, في واقعيتها, في سعتها, هذا شيء ثاني يختص به القرآن.
السورة مثلاً قد يكون لها مثلاً موضوع رئيسي, فيها موضوع رئيسي, هذا الموضوع هو واقعي, قضايا حقائق واقعية, تجد السورة مثلاً تخدم هذا الموضوع من أولها إلى آخرها, وعندما تخدمه هي تشخِّص أي حالة نفسية عند الإنسان, أي تفكير لديه, أي تساؤلات لديه, فيكون فيها من البداية ما يزيح كل تساؤلات لديه فيتقبل الموضوع ويصبح الموضوع عنده مقبولاً.
لاحظ مثلأً سورة [فاطر] سورة فاطر من المواضيع الرئيسية فيها:﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾(فاطر32) موضوع الاصطفاء على هذا النحو, تجد السورة من أولها إلى آخرها تخدم الموضوع بشكل رهيب, وبشكل عجيب, في كل ما يطلع من تساؤلات حول الموضوع.
فالقضية هي في الذهنية قضية تفاوت, أليست قضية تفاوت؟ يبدأ لك بالتفاوت من أول السورة إلى آخرها: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾(فاطر1) أليس هذا أول شيء؟ وهكذا منْزَل, مَنْزل, تصل إلى عند: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ﴾(فاطر27).
تجد السورة تقدم لك أن هذه سنة إلهية, سنة إلهية, وأنه أحياناً المهام نفسها تتطلب تفاوت على هذا النحو, كما أن الملائكة هم رسل, ولديهم مهام متفاوتة, فالمهمة تفرض أن تكون على نحو معين, تكون لائقاً بأداء المهمة ﴿رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ هناك ملائكة معهم من أربعة أجنحة, وملائكة معهم من ثلاثة, أو تقول ثلاثة وثلاثة, وهناك ملائكة معهم من اثنين أجنحة, أليس هذا نفسه تفاوت؟ وهكذا يمشي في الموضوع بشكل واضح.
نأتي إلى الموضوع في نفس السورة, أو المواضيع الرئيسية فيها, تجد السورة تخدم الموضوع من أولها إلى آخرها, تخدمه من أولها إلى آخرها. تطلع لك كلمة: ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بالنسبة لهذا الموضوع الرئيسي أن معناه هام جداً, يعني أن الله سبحانه وتعالى لا يأتي فقط يعمل مثلما يعمل الآخرون, أو أنه يساير تقاليد لدى البشر قائمة! لا, هو مبدع وفاطر, هو فاطر, هو مبدع للأشياء.
هو لا يقلد! رأى العرب يعملوا شيخ, وهو قال: سنعمل لنا شيخ! رآهم يعملوا بيت مَشِيْخ, فقال: ونحن سنصطفي بيت ونقول كذا... لا, هي مسألة من جهة نفسه, وهو عادة ليس مقلد, هو فاطر, فطر السماوات والأرض هذه بكلها, فهل سيقلدك في حاجة بسيطة من هذه؟! وهكذا... إلى آخر السورة.
ترجع للجوانب التربوية التي ما يزال البشر منظِّرين فيها, وباحثين في كيف المنهج الذي يطلع الإنسان بالشكل المطلوب, فلاسفة متفلسفين, ومنظرين منظرين, تربويين, علماء نفس, كلهم مطننين, هؤلاء نفوسهم, هؤلاء لو يأتوا يستعرضون, يستعرضون واقع الإنسان, وواقع الحياة, وما مرت به أعمالهم, ما مرت به نظرياتهم مثلاً من معوقات, وما رأوا من النتائج, ويرجع إلى القرآن, يجد القرآن يقدم القضية بشكل على أجمل وأفضل وأحسن.
هنا تلمس بأنه كلام فوق كل شيء, وكونه فوق يعني ليس من داخلنا, يعني ما حصل القرآن من عندنا, ليس من عند بشر, ولا من عند مخلوق على الإطلاق, لو هو من عند مخلوق من المخلوقين لا فتضح إلى الآن.
ولاحظ كيف يفتضح المفسر, المفسر للقرآن نفسه, الذي فسر لك قبل ألف سنة, تجد الآن بأن الكثير من تفسيراته ليست معقولة, ولاهي مقبولة. ناس في الأخير يقولون: لأن هذا المفسر كان في زمن لا يوجد عندهم إلا الفهم هذا, يأتي الواقع يأتي بأشياء يتجلى من خلاله ما يبرهن على أن المعنى الصحيح لهذه الآية مثلاً هو كذا, أو أن المفسر لم يأت إلا بواحد من معانيها, أو بجزء محدود من معنى واسع لها .. أليس هكذا يتجلى؟ يتجلى, يتجاوزنا القرآن, يتجاوز الناس!.
تفسر أنت في القرن الثالث, ما يأتي القرن الخامس إلا وقد أنت هناك وراء, تفسر في القرن الخامس ما يأتي القرن السادس أو السابع إلا وقد أنت هناك! تفاسير في تفاسيرك يتركها هناك وراء! وهو تجده يستوعب الحياة, يستوعب الحياة, كلما تأتي من أشياء هي تشهد له, كلما يأتي من أشياء هو شاهد عليها من قبل ما تأتي, من قبل أن تأتي هو عنده شهادة, وعنده ما يرشد إليها من قبل أن تأتي.
لا يستطيعون على الإطلاق, لو اجتمعت الإنس والجن في أي زمن, فصحاؤهم, منظروهم, تربويوهم, بلغاؤهم, عباقرتهم ... الخ, ما يستطيعون أبداً أن يأتوا بمثل هذا القرآن.
إلا أنهم يجلسون في الأخير يتحدثون في هذا الموضوع, دائماً في موضوع أنه الجانب البلاغي, أي الجانب الفني فيه, الجانب الفني فيه, في الأخير يقولون: إذاً فقد أعجز أولئك, فكونه أعجزهم قد بلغنا خبرهم أنهم عجزوا ولو أنهم عملوا شيئاً لنقل؛ لتوفر الدواعي إلى نقله. إذاً ما هناك شيء, إذاً هم عجزوا. وتجلس, وكلما يقول لك واحد شيء عن القرآن تقول: [يا خبير أولئك قد عجزوا.. الخ].
تحدى به الآن, حتى جانب الفصاحة قل له: اعمل لك معهد, وتلك اللغة العربية أمامك, بقواعدها, بأساليبها, علِّمهم يكونون عرباً, علمهم يكونون كذا.. ويقوموا يشتغلوا. هل تستطيعون أن تأتوا بمثله؟ لن يستطيعوا. لاستطاعوا أن يعملوا هذه لو المسألة هكذا. أليست قضية قريبة؟ حتى في هذا الجانب أليسوا يعملون معاهد أبحاث في موضوع الدين, يعني فيما بين المسلمين من تراث ديني؟ ليس الدين نفسه, يجب أن تفهم أن الدين نفسه لا يمكن على الإطلاق أن يزيف, لكن فيما بين المسلمين أنفسهم من تراث ديني محسوب دين يقولون: هذه نشغلها وهم يكونون هم عارفين أن ما هي دين. في هذا الموضوع تعمل معاهد, وأبحاث وسنين طويلة.
لو أن القضية يعني مثلاً حتى في هذا, في جانب البلاغة أنه لو يعملون لهم معهد ويدرِّسوا أشخاص, ويعلمونهم اللغة العربية, ويقرؤون أدب اللغة هذه فيصبحوا بلغاء, ويقوموا يشتغلوا. قل لهم يعملوا معهد من هذا؛ لأنه خلِّيه يأخذ له عشر سنين, عشر سنين ممكن, عشرين سنة حتى, وطلعوا لك خمسة, ستة أشخاص بلغاء, ويقولون لهم يصلحوا مثل القرآن, أليسوا سيعملون هذه؟.
لكن لا يستطيعون, ولا يتوقف على هذا الجانب الفني أبداً؛ لأنه مما أظهر فيه, في كونه معجز, في كونه حكيم بشكل لا أحد يستطيع أن يأتي بمثله ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ﴾(النساء82) بلغاء أو غير بلغاء كيفما كانوا ﴿لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾. هذه واحدة من مظاهر أنه فوق, فوق كل ما هو سوى الله, فوق المخلوقين جميعاً ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾. إذاً فهذا هو جانب أعظم من الجانب الفني في النص, أليس أعظم منه؟.
طيب كونه محكم فيما يتناوله على الرغم من سعته, واسع جداً جداً, ومحكم, ولا تجد شيئاً منه إلا وهو يخدم الشيء الآخر, ما تجد تناقض: هذا يناقض هذا, يكون هذا يمشي في اتجاه, وهذا يمشي في اتجاه, وبعد مسافة ألف كيلو يتناقضون هناك, ويتعارضون. هذه لا تحصل, ما تحصل على الإطلاق, وهذا هو الجانب المهم, يعني الجانب المعجز.
لاحظ عندما يقوم من يشتغلون في الدين نفسه, مثلاً يلاحظ أن الجانب, جانب الترغيب والترهيب في القرآن جانب ـ مثلما نقول ـ من المواضيع التي ركز عليها.. فقام يشتغل ترغيب وترهيب, ألم يحصل هذا؟ اشتغلوا ترغيب وترهيب, وفي الأخير تلاحظ أن ما قدموه أن غايته هناك على بعد مسافة تقرب أو تبعد, يختلف مع القرآن على بعد مسافة يختلف مع بعضه بعض في نفس الكتاب حقه!. تقرأ كتاباً من هذه تجد أن كلامه هنا يؤدي إلى خلق حالة نفسية عند الإنسان تختلف عما يؤدي إليه كلامه في موضوع آخر, عندما يلتقي في نقطة معينة, يحصل اختلاف, يحصل تعارض, يحصل تباين!.
هذا هو من الجوانب المهمة فيه: ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾(هود1) أحكمت ليس معناها أنها مشدودة, بصواميل, وأشياء من هذه.. حكيمة جداً جداً, تعطي معاني واسعة, ومعاني واقعية, وحقائق هامة مع الزمن, كلما مشى الزمن تجده ما يزال القرآن أكثر منه, ما يزال القرآن أكثر منه, وأكثر مما يتطلبه الزمن هذا! أكثر مما يتطلبه الزمن نفسه. هذه الآية نفسها هي أيضاً ترسم لنا منهجاً, ما تجد في القرآن آية إلا ولها علاقة بموضوع المنهجية, أي السلوك الذي تسلكه أنت وأنت تتحدث مع الآخرين, أو تدعوا الآخرين, أو تناظر. هنا يقول له: قل, يقدم القرآن سلاحاً. القرآن هو سلاح يحمي الرسول نفسه, هو سلاح يحمي نفسه, بحيث أنه يهزم الجانب الذي يتعلل, يدعي ادعاءات بأنه أساطير الأولين, وأنه مفترى, وأنه سحر, وأنه أشياء من هذه. هذا وسيلة من الوسائل: ﴿قُلْ لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ يعني خلّ اما أنتم, أربعة, خمسة من المشركين من يأتون بعبارات من هذه.
أليس هذا تحدياً؟ أليس هو هذا يستخدم القرآن؟ يقدم القرآن؟ القرآن هو نفسه يكمم أفواهكم, ويلجمكم, وأنتم أعجز من أن تأتوا بشيء من مثله, ولو اجتمعت الجن والإنس كلهم لكانوا عاجزين عن أن يأتوا بشيء من مثله, ولو تعاونوا كلهم, ﴿ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً﴾ في مؤتمر عالمي أنهم يقومون كلهم, يد واحدة, وموقف واحد, يعملون مثل القرآن, ما استطاعوا أبداً.
بـ﴿مثله﴾ فما بالك بمعارض له.. يأتي بمثله، يعني في الاتجاه نفسه, مثلاً هو عنده رؤية صحيحة, أو عنده فكرة أنه يقدم رؤية صحيحة للبشر, يقدم منهجاً للبشر, ما بالك أن يأتي بشيء آخر فيبدوا هو الصحيح, ويضرب منهجية القرآن, فهذا أبعد, هذا أبعد. يعني مثلاً تقول: القرآن يقدم منهجاً للحياة, أليس منهجاً للحياة؟ طيب أنتم ترون أنفسكم مخلصين، مخلصين للبشرية، وتريدون أن تقدموا منهجاً للحياة، لا تستطيعون على الإطلاق أن تأتوا بمثله. أليست هذه درجة؟.
الدرجة الثانية: أنه أنتم تفندوا هذا. طيب أنتم لا تستطيعون أن تأتوا بشيء يبدو يجعل هذا القرآن لا شيء, وتقدموا أنتم شيئاً يعتبر أحسن منه, لا يمكن على الإطلاق. هذا أيضاً أبعد. إذا ما تستطيع أن تأتي بمثله وبمنهجية صحيحة بإخلاص فلن تستطيع أن تجعل منهجية أخرى مغايرة له هي أحسن منه أنت أعجز في هذا.
في الأزمنة هذه يأتي مثلاً مجموعة قانونيين, خبراء في القانون, أو منظرين ويعملون مثلاً دستوراً معيناً, أو قانوناً معيناً, عندما تمر عليه مثلاً ثلاثون سنة, أربعون سنة, يعتبر قد هو قديم, وقد هو بحاجة إلى تغييرات كثيرة, ثلاثون سنة, أربعون سنة, قد ظهر أنه لم يعد متناسباً مع الزمن هذا, بعد ثلاثين سنة, أربعين سنة, تغييرات كثيرة داخله, ما بالك مئات السنيين تمر على القرآن وتجده كلما مشى الزمن كلما اتضح بشكل أفضل وأفضل, وأفضل, كلما تفهمه بشكل أفضل, وكأنه يتناول كل شيء, وكأنه يتناول كل شيء على أرقى, على أرقى مستوى.
قد تترسخ القضية لدينا: [أن القرآن مسكين الله, والدين هذا مسكين الله عوينه ندافع عنه احنا] أليست هكذا تترسخ؟ لا..., القضية أرفع من هذا, أنك أنت, أنت الذي بحاجة إليه, ما هو في فضلك, حقيقة, أنت ملزم أن تسير عليه, أنت محتاج إليه كمنهج في الحياة, أنت محتاج إليه أمام أي إشكالية تواجهك, عدو, أي إشكالية كانت أنت بحاجة إلى هدي الله, أنت بحاجة إلى القرآن.
لو يسلك الناس الطريقة هذه, هي التي ستصدم نفوس الآخرين, خليهم يتمشكلوا مع الباري. هنا يقول لنبيه, عندما يقولون بأن هذا القرآن أساطير, افتراء, أشياء من هذه.. ما هو بيأتي مثل هذا في الزمن هذا؟.
إذا حصل مثل هذا نأتي نغطي المصحف هناك, ونقول: نريد ندافع عنه, مسكين الله, ويأتي يبرز هو كإنسان, كإنسان, يبرز هو كإنسان بتفكيره, بعقليته, بنظرته كإنسان. هنا يقول له: القرآن هو سلاح لك أنت, أنت قل لهم: أنا عندي القرآن هذا, ما أعجبكم هاتوا مثله, ما أعجبكم انقضوه, ما أعجبكم ردوا عليه, هذا من عند الله.
خليهم يبحصوا مع القرآن, سيعجزون فعلاً, أليس الأولون عجزوا؟ والآخرين سيعجزون.
لكن الذي يحصل أنه يقفل القرآن على جنب, وبرز هو وما قد فهم القرآن نفسه! وضعف أمامهم, وضعف. هذا المنهج, منهج ترك لمدى سنين طويلة, لمئات السنيين!.
استخدام القرآن, استخدام الإسلام كسلاح, افهم بأنه هو الذي يدافع عنك أنت, ما أنت الذي تأتي تتصدق عليه تدافع عنه, هو يدافع عنك أنت؛ ولهذا يأتي بعبارات: اتبعوا, أليس هكذا: اتبعوا؟ اهتدوا, سيروا على هذا. فقط ما بلا هذا. عندما تسيروا عليه, سيبرز مدافع عنكم, سيبرز مدافع عنكم فعلاً. وفي جوانب الدعايات هذه, أو جوانب النقد للإسلام, ردهم يتمشكلوا مع القرآن, ما تغرق معهم في جوانب فلسفية.
عندما يتحدث مثلاً عن ميراث المرأة, لماذا المرأة ما معها إلا نصف! قل: هذا شرع الله في كتابه, القرآن الكريم هو نزل من عنده إلينا, وقال فيه كذا.. إذا عندكم أنه غلط ردوا عليه, فنِّدوه, هاتوا مثله, وعندكم أجهزة كمبيوتر, وعندكم إمكانيات كبيرة. تستطيعون, يعني من ناحية الآليات تستطيعون أكثر مما كان الأولون, لديكم آليات أكثر مما عند الأولين من آليات, وعندكم خبرات, وأمامكم رصيد من الزمن مليء بالنظريات, ملي بالأشياء الكثيرة, هاتوا مثله!.
ولهذا نقول بأنه يقول لنبيه:﴿قُلْ﴾﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾ (البقرة23) أليس هكذا؟ ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ إن كنتم صادقين بأنه سحر, وأنه... هاتوا مثله, وخليه في الأخير يلتجم هناك, يكمم فمه. لكن تبرز أنت..؛ ولأن الأغلبية سيبرز وما هو فاهم للقرآن, أولاً ما هو فاهم منهجية القرآن, ولا فاهم لطريقة القرآن, أليس هذا كبرياء؟ تجد إلى من هو يفهم القرآن تماماً, رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يفهم القرآن, وأعلم الناس بالقرآن نفسه الله يقول له استخدم هذا القرآن هو نفسه سلاح تحداهم به هو, قل لهم: ﴿لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾(الإسراء88) [خلي اما أنتم فما انتم شي],﴿وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾.
وفي الأخير تجعلهم يطننون مع القرآن, ويهندسون مع القرآن, ويقفون مع القرآن, ولو هم يستطيعون لعملوا ذلك من قبل أن تدخل معهم في نقاش وفي صراع, من قبل. في الأخير يترتب على هذه هز للقرآن في النفوس, إذا انطلق الإنسان هو ما يسير على المنهجية هذه مع الأطراف المعاندة وضعف هو, قدم القرآن؛ القرآن والموضوع كله ضعيف عند الأتباع نفوسهم, يهز الموضوع في نفسياتهم هم!.
فهنا عندما يقول:﴿فأتوا بمثله﴾ رأى الأتباع نفوسهم أن أولئك عجزوا اشتدوا أكثر. أليسوا يشتدون أكثر؟ هذا سلاح رهيب جداً أغمده المسلمون بناء على النظرية حق المعتزلة والأشاعرة أنه ينطلق هو يترك القرآن على جنب وينطلق هو! فشلوا وفشَّلونا, وأضاعوا أسلحة هامة جداً هي هذه, هذه المنهجية في القرآن, وتكررت أكثر من مرة.
لهذا نقول: أنه مهم جداً, مهم جداً أن يكون عند الناس آلية للإحصائيات, إحصائيات ومعلومات, عندما طرحت الإشتراكية كنظرية, وحصل لها دولة, وعممت كنظام, ماذا ترتب عليها؟ كيف كانت نتائجها في الحياة؟ الشيوعية كذلك, الرؤية الأمريكية الغربية هذه للحياة, وحركتهم على أساسها, وكيف نتائجها, الأنظمة: ديمقراطية, جمهورية, ملكية, سلطانية, بكل أنواعها, ماذا وراءها؟ مجتمع يعيش على نمط معين من الحياة, ومفاهيم معينة من الحياة, كيف أصبحت؟ كيف أصبح واقعه؟.
هذه الإحصائيات مهمة جداً, مهمة جداً أن يعرفها الناس؛ لأنك عندما تدخل مثلاً في محاورة مع طرف آخر تستطيع قبل أن تصل إلى موضوعك أنت تفنده هو من واقعه, وتبطل ما عنده مما عنده, تبطل ما عنده مما تجلى في واقع حياته هو, مثلما نحن نعمل هذه, ألسنا نعمل هذه؟ بالنسبة لنا داخلنا, مما لدينا من واقع يتجلى بطلان أشياء مما لدينا مما قدمت باسم آلية للدين, أو حسبت على الدين وليست منه, أليست هكذا؟.
ولهذا هي منهج أيضاً: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾(فصلت53). ولهذا هم يخافون جداً أن يأتي نموذج قرآني في الحياة, عارفين هم, الدين الإسلامي احتمال يكون صحيحاً ولو بنسبة 70%, يخافون, عارفين أنه ممكن يقدم نموذجاً للحياة هاماً, إذا قدم نموذجاً للحياة هاماً هو محسوب للإسلام ضرب كل ما عندهم؛ لأنهم يقدمون أنفسهم بأن ما لديهم هو الأفضل, رؤيتهم الأفضل, فلسفتهم الأفضل, طريقتهم في الحياة الأفضل, وهكذا.. وإلا فهم عارفين أين الأفضل.
بعدما قامت إيران كدولة إسلامية هاجموها مهاجمة رهيبة, ليس فقط لقضية مصالح, أو أشياء من هذه في المنطقة, أن لا تظهر كنموذج جيد يحسب للإسلام, أي معنى هذا يشهد على أن الإسلام هذا قادر على قيادة الحياة ـ كما يقولون, قادر على بناء الحياة, أن رجال الدين في الإسلام قادرين على قيادة الأمة, على بناء الحياة, تتجلى الحياة في هذا المجتمع أفضل من الحياة في المجتمع الغربي, سيضرب ما لديهم؛ لذا يحاولون أنه لا يحصل هذا, هم يخافون من أثر القرآن في الحياة, يخافون من أثره, أن لا يأتي شيء هكذا يسير - ولو بنسبة محدودة - على منهجيته فيتجلى جيد محسوب للقرآن .. أي أنهم عارفين أنه قادر على أن يضربهم في هذا الجانب من واقع الحياة نفسها.
فعندما يقول: ﴿بمثله﴾ دائماً كلمة بمثله, بمثله هي تحمل على ماذا؟ على الجانب البلاغي, الجانب الفني, أليس هكذا؟ قل له: خلاص, لا أنت, ولا أنا, مازلنا عرباً, لكن نحن وأنت ربما لدينا قدرة في موضوع نظام للحياة أكثر مما كان لدى العربي الأول, وأنتم أصحاب حضارة, وأنتم كذا.. طيب هات منهجاً للحياة مثل هذا, ولو انجليزي, خلي عنك أن أقول لك: عربي فصيح, هات منهج للحياة مثل هذا القرآن, في واقعيته, في سعته, في صدقه, في حقائقه. لا تستطيع أبداً, لا تستطيع أبداً, لو لم يكن نصاً عربياً, لو لم يكن نصاً عربياً! اكتبه انجليزي, انجليزي.
ما هي البلاغة عندنا؟ لا يوجد إلا بلاغة تعجز, يعني عندك كفاءات بلاغية ستعجز. طيب أنت عندك قدرات تنظيرية ستعجز, أنت عندك مثلاً قدرات تربوية, رؤى تربوية ستعجز, والميدان لتجليات العجز هي الحياة هذه, تجليات العجز هي في هذه الحياة, في الأخير ينكبه الواقع, ينكبه الزمن, ينكبه كذا..
ولهذا نقول: لا يأتي مثلاً عندنا مجلس النواب بعد أربع سنين, ست سنين, ويدخلون ويستعملون القوانين مما قد مشت ويعدلونها من جديد! وهكذا, وهكذا. مع أنهم يخرجون من المجلس ما قد استكملوا تعديلات القوانين الأولة!.
[عندما نقول] الذين كانوا فصحاء وبلغاء عجزوا ذاك اليوم, وقد ظهر لنا أنهم قد عجزوا إذاً فقد هي حجة عليكم أنتم الذين في هذا الزمن. هذه ليست مقنعة, لا يقتنع بها الإنسان, بهذه نهائياً, ولا هو منطق هذا, ما هو منطق. لو يأتي يقل لي هو بمنطق على هذا النحو ما أنا مصدق له هو, يكون عنده عجزوا الناس ذاك اليوم, ما استطاعوا يعملوا مثله, ونحن نقول لكم أنهم عجزوا؛ لأننا الذين ننقل لهم الخبر, أنهم عجزوا, أليس هكذا؟.
ونقول لهم: لو كانوا جاءوا بمثله لكان ينقل.. نقول لهم: أنتم تواطأتم جميعاً, ما تركتموه يمشي, أليس بالإمكان أن نقول هكذا؟ ناس جاءوا بمثله, ما رضيتم تتركوه يمشي؛ ولهذا لما كانت هذه ثغرة رجعوا قالوا أصحابنا لو كان .. لنقل لكثرة الدواعي إلى نقله, بل ربما نقل أكثر من القرآن, بل كذا.. الخ...
أليست حَنْبَة! وقعوا في حَنْبَة؟ يا أخي ﴿مثله﴾ في أي زمان, ومكان, وتفهم ماذا يعني مثله, بكل ما في رأسك, وبكل ما لديك من مؤهلات, بمثله. لكونه نظام للحياة, نظام للحياة, ومنهج لبناء الإنسان, وبناء الحياة على أرقى مستوى ... ما يستطيعوا أن يأتوا بمثله على الإطلاق؛ لهذا فهي نقطة ضعف لدينا, أن يكون واحد فاهم فقط يعني في الجانب البلاغي, ثم في الأخير تلجم فيما بعد.
لا، إفهم القرآن أنت، يتفهم الناس القرآن هم, ويتفهمون كيف كان واقع الحياة بالنسبة للآخرين, هذه القضية هامة, يتفهمون واقع الحياة التي نحن عليها, والتي عليها الآخرون, أصحاب نظريات كثيرة, وفلسفات كثيرة, وثقافات كثيرة, كيف أصبح واقع حياتهم.
هذه قضية تعطي ثقة قوية جداً بالقرآن، وتجعلك فاهم إذا ما قلت للآخرين: هات لي انجليزي، أو فارسي، وليس بالنص العربي، منهج للحياة مثل هذا المنهج الذي قدمه القرآن الكريم، وتعال أنا وأنت نستعرض واقع ما لديك. تستطيع تفند واقع ما لديه قبل أن تدخلوا في موضوع القرآن، تفند ما لديه من خلال تجليات آثاره في الحياة) مديح القرآن الدرس الخامس.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.